Saturday, August 31, 2019

إدارة منار الإسلام تتمنى لكم سنة هجرية سعيدة

تهل علينا سنة جديدة تذكرنا بملاحم السابقين من الصحابة الكرام الذين ضحوا بأنفسهم و أموالهم في سبيل نصرة سيد البشر سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم، و بهذه المناسبة الجليلة تتقدم أسرة منار الإسلام نيابة عن كتابها و مشرفيها بخالص التهاني لكل الأمة الإسلامية عموما و لمتابعي منار الإسلام خصوصا، جعلها الله سنة نصر و تمكين لأمة رسول الله صلى الله عليه و سلم٫

The post إدارة منار الإسلام تتمنى لكم سنة هجرية سعيدة appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2ZGUhC7
via IFTTT

إدارة منار الإسلام تتمنى لكم سنة هجرية سعيدة


via منار الإسلام https://ift.tt/2ZGUhC7

Sunday, August 18, 2019

خروف الحاج عمر


via منار الإسلام https://ift.tt/31JrwpM

خروف الحاج عمر

بعد فراغه من الوضوء ، نظر الحاج عمر في المرآة، وأخذ المشط لعله يصفف ما تبقى من شعيرات عن يمين وشمال صلعته التي تتوسط جمجمته المثقلة بالهموم.
تنهد وهو يرى الشيب يغزو في صمت لحيته التي كانت سوداء إلى عهد قريب. كل ذلك لم يكن ليهمه لولا أنه لم يعد يحتمل خيبة أمل بنته التي لم تتخط ربيعها الخامس، والتي كلما سمعت بعبعة ظنت أن والدها قد جلب معه هذه المرة خروف العيد.
أما الزوجة التي ظلت بجنبه لأيام زادت عن الربع قرن، فلم تعد تملك للحاج عمر إلا الزفرات والعبرات حسرة عن تقصيرها غير المتعمد في واجباتها الزوجية. دون الحديث عن أخته التي كانت تحنو عليه في أيام الشدة، والتي اضطرها عمل زوجها للسفر معه خارج البلد. فلم يعد يصله منها إلا سلام افتراضي عبر الشاشات الزرقاء الباردة.
ذكّرته نظرته في المرآة أن اليوم هو أول أيام العشر، فأحجم عن قص شاربه وأظافره ناويا أن يصيب النسك إن أسعفته الأقدار وحصَّل المبلغ الذي يشتري به أضحيته، كما كان يفعل في كل عام.
وجاء يوم التروية ولم يأت معه الثمن المنتظر. فنظر إلى شعيراته المتناثرة في كل اتجاه وأظافره التي زاد عمرها عن التسعة أيام. وكان المقص ثاويا غير بعيد عنه،فاغرا فاه كأنه يحاوره، بل يتحداه!
ـ “ألا تخلصني من العطالة التي أصابتني في العشر ؟ “
ـ” لا يا صاحبي، فقد نويت أن أضحي، غير أنه لا ينقصني سوىثمنها”
ـ” أنا في انتظارك،فليس لك بد مني ضحيت أم لم تضح. بيننا الأيام!”
وكلما مر عليه جار أو صديق بباب حانوته إلا وأوغل جرح نفسيته وهو يسمع هذا يحكي جذِلا عن الخروف الذي اشتراه بالأمس، ويصف هذا الضيعة التي قصدها ليتفق مع صاحبها على ثمن الخروف. لكنه سرعان ما يوَري ويعرِّض إذا سأله أحدهم هل اشترى خروفه أم ليس بعد. ولا يزجره عن البوح إلا تذكٌُره آية ربه {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف. لا يسألون الناس إلحافا}.
ارتدى الحاج عمر صبيحة العيد جلبابه الجديد وطاقيته المكية وبلغته الصفراء الفاقع لونها، وتعطر قاصدا المصلى حيث أدى مع جموع المصلين صلاة العيد. فتمنى على غير عادته ألا يلتقي بأحد حتى لا يوغر صدره بالأسئلة المحرجة ” هل إذا بئس كما قد عسى لا إنما من إلى في ربما ” . لكنه لم ينج من ” هل ؟” فورَّى وعرَّض حتى أن صاحبه لم يشك أنه لازال في انتظار صفقة تنقذ ماء وجهه أمام طفلتة التي لا تحسن حسابات الكبار، أو ليرفع على الأقل التحدي أمام المقص الذي ينتظر في إصرار شعيراته الفضية وأنامله “المظفرة”.
مر يوم العيد، ومرت أيام التشريق، ولم يبق للأمل في الكبش من بريق. فهوى الحاج عمر على مقصه، وكاد ينزع أصابعه مع أظفاره أسفا على قوم لم ” يرحموا عزيز قوم ذل “.

The post خروف الحاج عمر appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/31JrwpM
via IFTTT

خواطر مشتاق إلى بيت الخلاق


via منار الإسلام https://ift.tt/2KT21vu

خواطر مشتاق إلى بيت الخلاق

    لبيك اللهم لبيك، لبيك لاشريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لاشريك لك، ذكر  يتردد على شاشات القنوات  في مثل هذه الأيام من كل عام هجري إيذانا بحلول موسم الحج، ذكر ما إن تنتهي إلى آذانك نغمته إلا سرت في كيانك قشعريرة، باعثها الشوق إلى أغلى مزار:       

كم يهفو فـــؤادي لتلك الديـــــار       وبشوق أنادي شفيعي المختـار          

قد طال ابتعادي عن أغلى مزار      والحج مرادي وديار النبــــــي

من فرط شوقي لبيت الله قد همرت   عيني بدمع على الخدين رقراق     

ذكر هو استجابة لنداء الله الذي أمر خليله إبراهيم  الأواه أن يرفعه، فقال جل في علاه:” وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَاتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَاتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الانْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (27) ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29)[1]

رحمة وأي رحمة هذه، الغني عن العالمين يتودد سبحانه إلى عباده  ليحجوا بيته الحرام من أقصى بقاع وأصقاع الارض راجلين وراكبين، لأجل ماذا ياحنان؟ ليشهدوا منافع لهم، وانظر إلى كلمة لهم، فهو  الغني ونحن الفقراء إليه، منافع مادية ومعنوية، دينية ودنيوية، وأيضا لأجل ذكره تعالى في أيام معدودات، وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ”[2]، وما شرعت العبادات كلها إلا لإقامة ذكر الله.      

الحج إذن موعد سنوي يضربه الله عز وجل لعباده في البلدة التي حرمها، فالإعداد له إعداد لرحلة وسفر، ومعلوم أن السفر يستلزم زادا، ولهذا أمر الحق جل وعلا بالتزود لهذه الرحلة المباركة فقال في سياق عرض مناسك الحج: ” وَتَزَوَّدُواْ ” وأرشد في نفس الآية إلى أفضل زاد وأكمله فقال” فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى” وختمها بالأمر به فقال:” وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الاَلباب”[3].فلا بد من زاد مادي وروحي يليقان بمقام هذه الضيافة الربانية، من حرص على شهود المكتوبات مع الجماعة، وصوم النافلة، وبكاء على المضيف سبحانه والتضرع إليه أن يقيني الحجب والموانع والعقبات عن هذه الضيافة، ثم رد المظالم إلى أهلها من ديون وودائع وعواري، ومصالحة خصم واعتذار إليه وإلى كل الأقارب والمعارف، ويبقى دفع الواجب المالي والمستصحب منه ركيزة مهمة في الجانب المادي من هذا السفر العظيم، إذ تحكمه خاصيتان اثنتان:  أولاهما كثرته، وثانيهما مصدره، وما أدراك ما مصدره، إذ من هنا يؤتى كثير ممن يقصدون البيت الحرام، فلا يرجعون من الحج إلا باللقب، تلفي الواحد مأكله حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي الحرام، أو أن المال الذي دفعه اكتسبه من حرام، أو نودي عليه أو خرج سهمه ليحج بمال المستضعفين والمساكين والأمة عموما، مسكين من هذا مصدر ماله، فكيف إن قصد به الحج، أنى يستجاب له، يقول في المناسك لبيك اللهم لبيك، وملائكة الرحمان ترد: لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك، عياذا بالله، اللهم إنا نسألك رزقا حلالا طيبا ميمونا غير ممنون. إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا.

وحل موعد الرحلة !!!

تبدأ الرحلة بتوديع الأحباب والأصحاب، كذلك يودعوننا يوم تحل بنا المنية والوفاة، في السفر للحج نودعهم، وفي السفر للآخرة هم الذين يودعوننا، لا إله إلا الله، اللهم اجعل خير أيامنا يوم لقاك. آمين.

تحلق الطائرة أو تبحر الباخرة أو تنطلق الحافلة فيحلق معها ويبحر وينطلق الشوق إلى أقدس مكان وأطهره بيت الله الحرام، والشوق حادي أرواح العارفين إلى لقاء رب العالمين.  

ونحل بأشرف البقاع فتغمرنا فرحة الحلول بأرض مشى عليها أشرف الخلق وسيد الخلق وخير الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ترب طَيْبَة دفنت الذات النقية الزكية، آه القشعريرة تملأ كياني أن وطأت قدمي هذه الأرض الطيبة:

                    واشـــــوقــاه واشوقـــــــــاه        إلى لقياك رسول الله

                                  &&&&&&&&&&&&&&&

                   شوقي سعى بي إلى المدينــة        أزور بدر الهدى نبينا                                 

 

وإذا بالأقدام تطأ عتبة المسجد النبوي، فيقشعر الجلد لحلول الجسد والروح معا بمسجد سيد الاولين والآخرين، وما إن وقعت العين على المضجع الشريف ومقام النبي الحنيف حتى سالت الدموع على الخدين غزارا، أسالها تحقق المراد، الذي فتت الأكباد، وقفة بين يدي خير العباد، والشهادة له بالتبليغ لكل عاكف وباد، وطلب شفاعته في يوم التناد:

           أرجو شفاعة من ترجى شفاعته        عند الشدائد في خوف وإطباق  

          محمد من به الأكوان قد لبســـت        أزياء نور وإشعـــاع وإشراق

فهنيئا لمن يحظون بزيارة الحبيب المصطفى قبل المناسك، وحتى للذين يزورونه بعدها، وإنما جرت العادة أن صاحب الدار هو أول من يتلقاك فيدخلك إلى الدار،  فرسول الله هو صاحب الدار، وهل شرفت مكة وتنورت المدينة إلا به صلوات ربي وسلامه عليه.

             وما حب الديار شغفن قلبــي       ولكن حـــب من سكن الديــارا  

             &&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&

             وبالمحب اعتلال ليس يدركه      خالي الفؤاد ومن ليسوا بعشاق   

ثم السلام على الصاحبين الخيرين: عبد الله العتيق من في الغار رفيق أبو بكر الصديق، والفاروق عمر الصدوق.

   طوبى لمن حظي بزيارة صاحب الدار أولا، وصلى في مسجده ومسجد قباء، وزار البقيع وأُحُداً وغيرها من المزارات، وتزود من هذه الزيارة الميمونة للمناسك بانشراح صدر واتقاد عزيمةٍ وفرحٍ برب البرية لا يوصف، كيف لا وقد اجتمع الفرع والأصول.

وحل موعد الذهاب إلى البلد الأمين، فصلت القافلة بعبق الإيمان نابع من زيارة سيد ولد عدنان، بلغت القافلة الميقات.

عند الميقات يتطهر الحاج ويلبس الإحرام، يا لها من لحظة اتعاظ “إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوَ اَلقى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ”[4] إزار ورداء فقط،  تجرد من المحيط والمخيط، تجرد من الدنيا مؤقت يذكر بيوم التجرد المؤقت، يوم الرحيل، اليوم نتجرد من الدنيا وثيابنا اختيارا وامتثالا، وغدا نجرد منها اضطرارا لا اختيارا، نترك الدنيا خلفنا ونقبل يومئذ على الآخرة، فإما روضة تزهو وإما القبر يشتعل، لا إله إلا الله، اللهم اجعل أجداثنا روضة من رياض الجنة لا حفرة من حفر النار آمين.  

ويشرع في التلبية التي لها معان عظمى أهمها:

تجديد الشهادة لرب العالمين بوحدانيته، وإلا فكل مولود يولد على الفطرة،” وَإِذَ اَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّاتِهِمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمُ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا”5، تجديد العهد مع الواحد الأحد على التدين بدينه الإسلام، وسؤاله الثبات عليه.

الآن الوجهة البيت الحرام، انطلاقة نحوه تتجدد معها القشعريرة، إنه الشوق إذا غلب، وما إن حللنا بمكة المحروسة، ووطأت الأقدام عتبة المسجد الحرام، ووقعت العين على الكعبة المشرفة حتى انهمرت الدموع من المقلة عن غلبة، وحق لها أن تنهمر وهي لأول مرة ترى فيها الكعبة المشرفة رأي العين، يزيدها انهمارا تحقق رجاء بلوغ البيت العتيق.

 ثم يشرع في طواف القدوم، يا رب ها أنذا قد قدمت إليك فاقبلني، انكسار وافتقار  بين يدي العزيز الغفار، رجاء أن يحط عني الأوزار، ويختم لي بخاتمة الأبرار، ويحشرني في دار القرار مع المصطفين الاخيار، “وحق على المزور أن يكرم زائره”، شرطه ما سبقت الإشارة إليه من صحة الإعداد، لأن من صحت بدايته أشرقت نهايته.

والطواف يختم بركعتين شكرا لله تعالى على بلوغ بيته الحرام وبدء المناسك، وطلب العون منه على ما تبقى منها، ثم يشرب من الماء المبارك، زمزم، اللهم اسقنا يوم الحشر من حوض حبيبك المصطفى وشفيعنا المرتجى بكفيه الشريفتين شربة لا نظمأ بعدها أبدا، ورفقة له في مستقر رحمتك آمين.

  ويأتي السعي بين الصفا والمروة انقيادا واقتداء، انقياد لرب العالمين وكل المناسك انقياد وامتثال لا مجال للعقل فيها، واقتداء بسيدتنا هاجر أم إسماعيل زوج إبراهيم الخليل عليهم الصلاة والسلام من الجليل.      

أما ما بعد السعي إلى يوم عرفة فما أشبهه في نظري بحياة البرزخ، من حيث انتظار يوم القيامة، وبخاصة يوم التروية.

ثم إذا نحن بيوم عرفة ينبلج فجره ويُسفِر صبحه، الله أكبر، يوم الحج الأكبر حل، جاء يوم القيامة الصغرى، ها قد أشرقت شمس يوم الركن الركين في الحج، “الحج عرفة”، ها قد بزغت شمس أفضل يوم في الدنيا كلها، فبدأت أفواج الحجيج تتجه نحو موقف عرفات،  ياله من مشهد عظيم، اللباس واحد، الذكر واحد، الوجهة واحدة، كأني بيوم القيامة الكبرى حين يحشر الناس إلى المحشر، يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له، وامتلأت عرفات عن آخرها بضيوف الرحمان، وحل الزوال، وهو موعد الخطبة من مسجد نمرة، خطب الخطيب واعظا ومذكرا وناصحا، ثم ختم بالدعاء للأمة، ورفع الأذان فأقيمت الصلاة وقضيت جمعا وقصرا للظهر والعصر، ثم بدأ الوقوف بعرفة، “وخشعت الاصوات للرحمان فلا تسمع إلا همسا”  يا ترى ماذا جرى، بدأ العرض، عرض ماذا؟ عرض الحاجات على رب الارض والسماوات، بقلوب واجفة، أبصارها خاشعة، طمعا في عفوه وعتقه ورحمته ومغفرته ورضوانه، ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ”[5] ، وروي عنه أيضا أنه قال: “إذا كان يومُ عرفةَ نزل الربُّ إلى سماءِ الدُّنيا ليباهىَ بهم(يعني الحجاج) الملائكةَ فيقولُ: انظروا إلى عبادى أتونى شُعْثا غُبْرا ضاحين من كل فجٍّ عميقٍ أشهدُكم أنى قد غفرتُ لهم فتقولُ الملائكةُ إنَّ فيهم فلانا مرهقا وفلانا، فيقولُ اللهُ قد غفرتُ لهم، فما من يومٍ أكثر عِتْقا من النارِ من يومِ عرفةَ[6] رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين” آمين.

وتأذن الشمس بالمغيب ويحل الغروب، لحظة وأي لحظة، والله لحظة وأي لحظة، انفض الجمع، نفرة الحجيج بدأت، كأني بيوم القيامة وقد حكم أحكم الحاكمين بين العباد وانقضى الحساب، كذلك الحجاج الآن هاهم قافلون رجالا وركبانا لا إلى منى التي باتوا فيها بالأمس ولا إلى مكة  التي كانوا فيها من قبل، إنهم نزلوا منزلا جديدا اسمه مزدلفة للمبيت بها امتثالا وانقيادا، وذكر الله عند المشعر الحرام.

ويتنفس صبح يوم النحر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، إنه يوم رمي جمرة العقبة ونحر الهدي والحلق أو التقصير وطواف الإفاضة، إنه يوم التحلل الأكبر لمن أفاض، والأصغر لمن أخر طواف الإفاضة، إنه يوم شكر للمولى الشكور على ما وفق إليه من المناسك وأعظمها شهود الوقوف بعرفة، فلا غرو أن يتغير الذكر من تلبية إلى تكبير وحمدلة.

    ثم تتوالى أيام التشريق بمنى ويتوالى معها رمي الجمرات الثلاث الصغرى والوسطى والكبرى، مع الدعاء بعد الأولى والثانية دون الثالثة، كل هذا في فرح لا يفارق القلب وبشر يعلو المحيا بنعمة الحلول بالبلد الأمين وتيسر أداء المناسك، والتطهر من الخطايا، والإكثار من القربات وكذا المعارف، فرب معرفة في الدنيا بركة في الآخرة.   

وانتبه معي يا من يقرأ هذه السطور فكل المناسك لا تخلو من ذكر تحقيقا لقوله تعالى السابق “ليذكروا اسم الله”.

ويأتي يوم الوداع، آه إنه يوم فراق البيت الحبيب، مقام إبراهيم المنيب، وما أعز على النفس فراق الحبيب، هاهم ضيوف الرحمان يطوفون طواف وداع لدار الضيافة لا المضيف، وطواف الوداع كله دموع وأنين، وتضرع لرب العالمين ألا يكون هذا آخر عهد بهذا المقام الأمين. 

ختاما أقول اللهم أكرمنا بحج بيتك المحرم، ثم إني لأرجو أن يكون حديث الحجاج مع أقربائهم وأحبائهم بعد عودتهم حديث التشويق إلى البيت العتيق عسى أن يثيب الخلاق جنته يوم التلاق، كل مشتاق لبيته تواق، منعته من حجه قلة الأرزاق.

يا راحلين إلى البيت العتيق لقد      سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا

     لقد أقمنا على عذر وعن قــــدر     ومن أقام على عذر فقد راحـــــــا

                                                            والحمد لله رب العالمين.

                 عصر الثلاثاء رابع ذي الحجة الحرام 1440هـ، سادس غشت2019م       

 

[1] سورة الحج من الآية 35 إلى الآية 37.

[2] سورة البقرة رأس الآية 203

[3] البقرة، الآية 197

[4] سورة ق الآية 37.

[5] رَوَاهُ مُسْلِمٌ

[6] أخرجه ابن أبى الدنيا فى فضل ذى الحجة ، والبزار ، وابن خزيمة ، وقاسم بن أصبغ فى مسنده ، والبيهقى فى شعب الإيمان عن سيدنا جابر  رضي الله عنه ونحوه عند مسلم

The post خواطر مشتاق إلى بيت الخلاق appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2KT21vu
via IFTTT

Thursday, August 15, 2019

الديمقراطية السفسطائية أم الشورى الحَجَّاجِية


via منار الإسلام https://ift.tt/2KNoY33

الديمقراطية السفسطائية أم الشورى الحَجَّاجِية

الحديث في الديمقراطية والشورى ليس نزهة فكرية او مجرد موقف عقدي او ايديولوجي. فكلا الإختيارين في حاجة إلى خلفية صلبة من العلوم السياسية، واستحضار متبصر للتاريخ. فالشورى بمعناها القرآني وتطبيقاتها السُّنية في الحكم الإسلامي مورست لفترة جد محدودة، شملت مرحلة النبوة بخصوصياتها، ثم مرحلة الخلافة الراشدة حيث كان الحاكم يخضع لاختيار وإرادة المسلمين حتى مقتل الإمام علي كرم الله وجهه واستيلاء معاوية على الحكم وتوريثه لعصبته. هكذا دخلت الأمة الاسلامية رغم كل الانجازات التاريخية التي يحتفظ بها التاريخ، مرحلة الاستبداد والعض والجبر مع كل الدول التي حكمت وتعاقبت على الأمة الاسلامية من الأمويين حتى العثمانيين. فإبان مرحلة العض كانت الأمة إزاء شورى صورية يزين بها الملوك مجالس حكمهم، ولا خبر لجمهور الأمة في اتخاذ القرار او التعبير عن المواقف والاختيارات السياسية. أما من سولت له نفسه مخالفة الحاكم ولو في رأي فقهي أو سلوكي من العلماء كان مصيره محتوما ومعروفا، إذ لا صوت يعلو فوق صوت “الخليفة”. وللأسف طيلة هذه المدة والأمة بكل مقدراتها لا صوت لها يتوارثها الملوك أبا عن جد وباسم الدين، وباسم الشورى، وباسم حفظ بيضة الاسلام!
أما في الغرب وبعد قرون من الإقطاعية والفيودالية و الحكم الثيوقراطي، والصراع مع التحالف الكنيسي الملكي، اهتدى مفكروه الحداثيين إلى آلية الديمقراطية التي تمكنت في سياقها التاريخي أن تتجاوز عدة إشكاليات سياسية أهمها للإستبداد وما تستتبعه من مظاهر القهر والتفقير والطبقية… .
وقد تمكن الغرب أن يمحو قرون الظلام الوسطوية التي خيمت على القارة الأوربية، ويقفز بعد ثورات متكررة، وحروب مدمرة إلى إرساء نظام حكم ديمقراطي يؤمن فيه الجميع بالتداول حول السلطة عبر صناديق الاقتراع. ولم تستقر صورة النظام الديقراطي الحالي إلا بعد قرنين من الزمن شهدت تجارب مختلفة وانتكاسات متكررة أكبرها بروز النازية عن طريق الانتخابات التمثيلية وما تلاها من حربين عالميتين اولى وثانية. ومع ذلك استطاعت الدول الغرببة أن تعيد ترميم نظم حكمها وتزيدها تحصينا من خلال توسيع الحريات وتوسيع الممارسة الديمقراطية.
لكن مع تعقد الحياة السياسية بدأت تبزغ عدة عيوب جوهرية في النظم الديمقراطية انبرى لها فلاسفة ومفكرون أمثال ألكسيس دوطوكفيل الذي كتب كتابه “en amerique” وضح من خلاله ما سماه “الاستبداد الديمقراطي” déspotisme democratique. وقد نبه هذا المفكر وغيره إلى ديكتاتورية الأقلية المنتخبة التي تعتبر نفسها ممثلة للشعب، وأن هذا الأخير قد فوصها أمره في كل قصايا الوطن. هذه الديمقراطية التمثيلية التي تفرز لنا بين الفين والأخرى ما يعيشه العالم اليوم من انتخاب رؤساء أمثال دونالد ترامب، أو أحزاب يمينية متطرفة، او ما نعيشه في المغرب من برلمانيين ومستشارين وظيفتهم الوحيدة تمرير القوانين التي تضر بالشعب وتخدم مصالح الطبقة الحاكمة. هكذا بدأت الديمقراطية التمثيلية تدخل مأزقا كبيرا دفع بالمدافعين عن خيارها إلى البحث عن صيغ من داخلها من قبيل: الديمقراطية التشاكية والديمقراطية المباشرة(كما هو الأمر في سوبسرا). وكلها تعبيرات أن ثمة خلل ينبغي اكتشافه تقويما لهذا الخيار الذي اعتبره الغرب ملاذا أخيرا! وتفاعلا مع هذه التحديات التي تواجه النظام الديمقراطي نبه المفكر الألماني يورݣن هابرماس إلى ضرورة تجاوز الممارسات التقليدية للديمقراطية متمثلة في طقوس الانتخاب، ونظر للديمقراطية التشاورية حيث اعتبر ان القضايا الكبرى للوطن لا تحسمها صناديق الاقتراع بل تحتاج إلى نقاش عمومي وتوافق سياسي concessus politique
لأن صناديق الاقتراع لا يمكنها الحسم في القضايا المصيرية الحضارية والتي تتعلق بالأجيال ومقدرات الوطن. فقد يكون الصواب مع الأقلية الطليعية المفكرة والمثقفة التي تجرفها جرفا ديمقراطية “الرعاع” democracie de masse. لهذا يدعو هابرماس إلى تحرير الفضاء العمومي، وتوسيع حرية التعبير، وفتح وسائل الإعلام في وجه جميع فئات المجتمع، وبهذا اعتبرت المدرسة النقدية الألمانية أننا أمام “منعطف لغوي” tournement linguistique يحتاج إلى تواصل سياسي دائم ومنتظم بين الفرقاء الاجتماعيين والسياسيين.
هكذا أصبحت تتعالى أصوات في الغرب تدعو إلى الجمع بين آلية الديمقراطية والتواصل الشوري المُؤسِّسِ لوعي ورأي سياسي جماعي لا تُقمَع فيه أقلية الحكماء والمفكرين والعلماء والفقهاء والفلاسفة( الجماعة العلمية). وعليه فإن التنظير إلى توليفة سياسية تجمع بين فلسفة الشورى الموسعة لحرية الرأي، وآلية الديمقراطية الحاسمة للخلاف سيدخلنا في إبدال paradigme سياسي جديد قد يجيب عن تطلعات الانسانية في زمن الثورة التواصلية المُطَّرِدَة.
ونحن نغوص مجال البيان والتبيين بين الشورى الغائبة والدمقراطية المنقوصة المحتكرة، لا ننسى أن سقراط أعدمته الديمقراطية السفسطائية، كما أن سعيد بن المسيب أعدمته الشورى الحَجَّاجِية( نسبة إلى الحجاج بن يوسف الثقفي)؛ فلابد إذن من الخروج من البراديغم الأحادي إلى التفكير في آليات سياسية تجمع بين محاسن الديمقراطية الجمة، ومحاسن الشورى التي لا تقف عند التصويت بل تتجاوزه إلى المشاركة الفعلية في صناعة الجماعة السياسية للرأي واقتراح الرأي عوض استهلاك آراء المستبدين المغلفة بغلاف الديمقراطية.
أما لأصحاب الأفكار المعلبة والفتاوى الجاهزة أقول، عليكم أن تتخلصوا من ثنائية الألوان إما الأبيض وإما الأسود، فثمة طيف من الألوان في السياسة يجب الانتباه إليها، ذلك أن السياسة واقع متجدد وحيوي تحتاج الى اجتهاد فكري دائم وغير مقدس!

The post الديمقراطية السفسطائية أم الشورى الحَجَّاجِية appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2KNoY33
via IFTTT

الحياة الإنسانية بين الزوال والبقاء من خلال الآية 46 من سورة الكهف

       إن البحث في كتاب الله تعالى عن معان وأسرار لا يماثله بحث على الإطلاق لدواع متعددة، لأنه كلام الله تعالى، وأنه معجز في نظمه، وأنه محفوظ لا يصيبه التحريف ولا التبديل، وأن البحث فيه حياة للباحث نفسه لارتباطه به عقديا، ثم إن كتاب الله تعالى حمال لمعان خالدة تتصل بحياة الإنسان وبواقعه.

 الإنسان في هذه الحياة القصيرة يتعلق بأشياء تتصل به وذلك لطبيعته الفطرية، ومنها المال والبنون، فيأتي القرآن الكريم ليُقوّم السلوك الإنساني ويوجهه الوجهة الصحيحة، ببيان حقيقة المال والبنين، وبتوجيه العمل إلى النفع المأمول المؤجل.

قال الله تعالى: ” الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ” سورة الكهف، الآية 46.

     تأتي هذه الآية من سورة الكهف في سياق حديث الله تعالى عن حقيقة الدنيا ويوم البعث. صدرت الآية بالمال والبنين لاتصالهما بحياة الإنسان في هذا الوجود، وشدة تعلق النفس البشرية بهما، وبالنظر في معاني الآية الكريمة نجد معنيين كبيرين ضمن مجموعة مؤلفة من الألفاظ؛ المعنى الأول زوال ملذات الدنيا، والثاني بقاء العمل الصالح.

المعنى الأول: زوال ملذات الدنيا.

    قال سبحانه وتعالى: ” الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا” هذا الشطر من الآية الكريمة يتركب من الألفاظ التالية: المال، البنون، زينة، الحياة، الدنيا.

ــــ المال: يعتبر المال في الإسلام كل ما يملكه الإنسان من نقد أو دار أو متاع، والطبيعة النفسية البشرية تميل إليه وتتعلق به، فهو معنى يرتبط بتعلق قلبي زائل.

والمال وسيلة يتخذها الإنسان لأجل التملك ويصرفه للحصول على حاجياته اليومية الضرورية والكمالية. بينما المؤمن يجعلها وسيلة لغاية التقرب لله عز وحل من خلال التصدق والإنفاق في سبيل الله على المحتاجين والفقراء وكل وجوه الخير، اعتقادا منه أن المال مال الله تعالى، لقوله سبحانه وتعالى: ﴿ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ﴾ سورة النور، الآية 33. ولهذا ربى رسول الله صلى الله عيه وسلم الصحابة الكرام على هذا التوجيه القرآني، فنالوا الرفعة في الدنيا والآخرة. ومثال ذلك لما دعا النبي عليه الصلاة والسلام إلى الإنفاق في سبيل الله، أتى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنصف ماله ظانا أنه سبق أبا بكر رضي الله عنه، ولما حضر الأخير وضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ماله، عن زيد أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب  يقول: ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق فوافق ذلك مالا، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله عليه السلام: ما أبقيتَ لأهلِكَ ؟ قلت مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال يا أبا بكرٍ ما أبقيتَ لأهلِكَ ؟ فقال: أبقيتُ لهمُ اللهَ ورسولَهُ، فقلت: والله لا أسبقه إلى شيء أبدا).[1]

ــــ البنون: جمع ابن وفي اللغة ذكر ابن فارس(ت395ه) رحمه الله تعالى، مادة ” ب ن و”، فقال: ” الباء والنون والواو كلمةٌ واحدة، وهو الشيء يتولَّد عن الشيء، كابنِ الإنسان وغيره. وأصل بنائه بنو، والنّسْبة إليه بَنَويٌّ، وكذلك النسبة إلى بِنْت وإلى بُنَيَّات الطّريق. فأصل الكلمة ما ذكرناه، ثم تفرِّع العرب. فتسمّي أشياءَ كثيرةً بابن كذا، وأشياء غيرها بُنيتَ كذا، فيقولون ابن ذُكاء الصُّبح، وذُكاءُ الشّمس، لأنّها تذكُو كما تذكو النّار، وللمسافر: ابن السّبيل. وابنُ ليل: صاحبُ السُّرى. وابنُ عَمَلٍ: صاحب العملِ الجادُّ فيه. ” [2]

وفي الاصطلاح يعرف الكفوي رحمه الله الابن أو البنت، فيقول:” الِابْن: أَصله ” بني” بِالْيَاءِ لما قيل أَن معناه أنه يُبْنى على مَا بني أَبوهُ، والبنوة: لا تدل على كَونه بِالوَاو، كالفتوة، والفتى، شبه الْأَب بالأس وَالِابْن بما يبْنى عليه، (ونادى نوح ابْنه) أَي ابْن امْرَأَته بلغَة طَيئ وَقد قرئَ ابْنهَا، ويستعار الابْن فِي كل شَيْء صَغِير، فَيَقُول الشَّيْخ للشاب الْأَجْنَبِيّ: (يَا ابْني)، ويسمي الْملك رَعيته بالأبناء، والأنبياء فِي بني إِسْرَائِيل كَانُوا يسمون أممهم أَبْنَاءَهُم، والحكماء وَالْعُلَمَاء يسمون المتعلمين مِنْهُم أَبْنَاءَهُم…” [3]

من خلال المعاني المشار إليها يتبين أن الابن هو:

ـــ الذي ظهر بفعل الولادة من والد ووالدة.

ـــ رعية للمسؤول.

ــ المتعلم بالنسبة لمعلمه.

ــ من يكثر خدمته والقيام بأمره من قِبل الأب أو الأم.

 ــ الصغير بالنسبة للكبير.

هذا المعنى الأخير فيه دلالة على الارتباط والتعلق، لأن الطبيعة الإنسانية تميل دوما إلى ما هو صغير، ويزيد التعلق والميلان للعلاقة التربوية التي تربط الابن بأبويه، غير أن هذا التعلق زائل بإضافته إلى لفظ الزينة في الآية الكريمة.

ــــ الزينة: مصدر زين ومعناها عند ابن فارس(ت395ه): “(زين) الزاء والياء والنون أصل صحيح يدل على حسن الشيء وتحسينه. فالزين نقيض الشين. يقال زينت الشيء تزيينا. وازينت الأرض وازينت وازدانت إذا حسنها عشبها.” [4]

ولفظ الزينة في القرآن الكريم جاء بثلاثة معان، ذكرها الأصفهاني رحمه الله فقال:” والزِّينَةُ بالقول المجمل ثلاث: زينة نفسيّة كالعلم، والاعتقادات الحسنة، وزينة بدنيّة، كالقوّة وطول القامة، وزينة خارجيّة كالمال والجاه.”[5]

ــ الدنيا: مصدر دنى، عرف ابن فارس(ت395ه) رحمه الله (دنى) قائلا: “الدال والنون والحرف المعتل أصل واحد يقاس بعضه على بعض، وهو المقاربة. ومن ذلك الدني، وهو القريب، من دنا يدنو. وسميت الدنيا لدنوها، والنسبة إليها دنياوي.” [6]

     ذكر الله عز وجل الدنيا في القرآن الكريم مئة وخمسة عشر مرة وبأوصاف منها؛ دار لهو وتفاخر ولعب ومتاع وغرور وزينة، وبين الله عز وجل حقيقتها للمسلمين، كما رد سبحانه وتعالى كبرياء سادة قريش الذين كانوا لا يطيقون مجالسة رسول الله ومعه فقراء المسلمين من أمثال صهيب وبلال وخباب وسلمان رضي الله عنهم، مدعين أنهم أصحاب الجاه والشرف والفخر، فأتت آيات قرآنية تذم سلوكهم، وفي نفس الوقت تربي المؤمنين على التحلي بالتواضع والتخلي عن الكبر، واعتبار أن كل ما في هذه الدنيا من زينة في المال أو البنون فهي زائلة ومنقضية. قال الرازي (ت 606هـ) رحمه الله: ” وكل ما كان من زينة الدنيا فهو سريع الانقضاء والانقراض ينتج إنتاجا بديهيا أن المال والبنين سريعة الانقضاء والانقراض.” [7]

تناول القرطبي(ت 671هـ)رحمه الله الآية مبينا وجه الزينة في المال والبنون فقال: ” وإنما كان الْمَال والبنون زينة الْحَيَاة الدنيا لِأَن فِي الْمَال جمالا وَنَفْعًا، وَفِي الْبَنِين قُوة وَدَفعا، فَصَارَا زِينَة الْحَيَاة الدنيا، لَكِنَّ مع قرينة الصفة للمال والبنين، لأن المعنى: المال والبنون زينة هذه الحياة المحتقرة فلا تتبعوها نفوسكم. وهو رد على عيينة بن حصن وأمثاله لما افتخروا بالغنى والشرف، فأخبر تعالى أن ما كان من زينة الحياة الدنيا فهو غرور يمر ولا يبقى، كالهشيم حين ذرته الريح.” [8]

المعنى الثاني: بقاء العمل الصالح.

    تضمن الشطر الأول من الآية المدروسة(المال والبنون زينة الحياة الدنيا) معنى الزوال في نظم محكم، ثم انتقل الكلام في الشطر الثاني من الآية( والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا) إلى معنى مقابل للمعنى الأول وهو البقاء، للفت انتباه السامع إلى ما هو أهم في الحياة وهو العمل الصالح الذي يبقى أثره.

يقول الطاهر بن عاشور رحمه الله:”خولف مقتضى الظاهر هنا، فقدم (الباقيات) للتنبيه على أن ما ذكر قبله إنما كان مفصولا لأنه ليس بباق، وهو المال والبنون، كقوله تعالى: “وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع “سورة الرعد، الآية26 ، فكان هذا التقديم قاضيا لحق الإيجاز لإغنائه عن كلام محذوف، تقديره: أن ذلك زائل أو ما هو بباق والباقيات من الصالحات خير منه، فكان قوله: ” فأصبح هشيما تذروه الرياح” سورة الكهف، الآية 45، مفيدا للزوال بطريقة التمثيل وهو من دلالة التضمن، وكان قوله: والباقيات مفيدا زوال غيرها بطريقة الالتزام، فحصل دلالتان غير مطابقتين وهما أوقع في صناعة البلاغة، وحصل بثانيتهما تأكيد لمفاد الأولى فجاء كلاما مؤكدا موجزا.” [9]

وفسر الطبري رحمه الله تعالى الباقيات الصالحات: الصلوات الخمس، الذكر من تهليل وتكبير وحمدلة وتسبيح وحوقلة لورود حديث نبوي في ذلك، طاعة الله، الكلام الطيب، العمل الصالح،[10] ورجح الطبري القول في الباقيات الصالحات فقال: “وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: هن جميع أعمال الخير، كالذي روي عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، لأن ذلك كله من الصالحات التي تبقى لصاحبها في الآخرة، وعليها يجازى ويثاب، وإن الله عز ذكره لم يخصص من قوله (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا) بعضا دون بعض في كتاب، ولا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.”[11]

  ودليل بقاء العمل الصالح من السنة الشريف حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملهُ إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) [12]. والمؤمن الموفق من جعل المال والبنون خدمة لدعوة الله تعالى، ينفق ماله في سبيل الله بإخراج الزكاة والتصدق في سبيل الله تعالى في وجوه البر والإحسان، ويربي ولده على طاعة الله ورسوله، فيغرس فيه حب الصلاة وهو صغيرا، ويوجه سلوكه إلى ما فيه الخير لنفسه ولغيره من المجتمع. وبهذا العمل الصالح الباقي يتحقق فيه قول الله تعالى( خير عند ربك ثوابا وخير أملا)؛ المأمول الذي يرجوه المؤمن هو أن يجد في صحيفته يوم لقاء ربه ثواب ذلك العمل، المتمثل في الانقياد لله تعالى بالكلية، بجعل كل ما يملك من الجاه والشرف في خدمة دين الله تعالى.

     الآية الكريمة اشتملت على معنيين متضادين الزوال والبقاء، وتضمنت رسالة للإنسان في هذه الحياة، ليختار ما ينفعه من الأعمال الصالحة التي يبقى أثرها حاصلا للمقبل عليها يوم القيامة.

 

المصادر والمراجع

1)التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور(ت1393هـ)، الدار التونسية للنشر، تونس، 1984م.

2)الجامع لأحكام القرآن، القرطبي(ت671ه)، ت أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1384هـ/ 1964م.

3)سنن الترمذي، أبي عيسى الترميذي(ت279ه)، ت أحمد محمد شاكر، مطبعة مصطفى الباني الحلبي وأولاده، الطبعة الثانية، 1398ه/1978م.

4)صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري، دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى، 1437ه/2006م.

5)الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية: أبو البقاء الكفوي (ت 1094هـ)، تحقيق عدنان درويش ومحمد المصري، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة بيروت، 1419هـ/ 1998م.

6)معجم مقاييس اللغة، ابن فارس( ت395ه)، ت عبد السلام محمد هارون، دار الفكر،1399هـ/ 1979م.

7)مفاتيح الغيب، فخر الدين الرازي (ت 606هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1420هـ.

8)المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهانى (ت 502هـ)، ت صفوان عدنان الداودي، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى، 1412هـ.

 

[1] سنن الترمذي، أبي عيسى الترميذي(ت279ه)، ت أحمد محمد شاكر، مطبعة مصطفى الباني الحلبي وأولاده، الطبعة الثانية، 1398ه/1978م، كتاب المناقب، باب في مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، الرقم: 3675، ج5، ص614/615، وهو حسن صحيح.

[2] معجم مقاييس اللغة، ابن فارس( ت395ه)، ت عبد السلام محمد هارون، دار الفكر،1399هـ / 1979م، كتاب الباء، باب الباء والنون وما يثلثهما في الثلاثي، مادة ” ب ن و”، ج1، ص303/304.         

[3] الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية: أبو البقاء الكفوي (ت 1094هـ)، تحقيق عدنان درويش ومحمد المصري، الطبعة الثانية، مؤسسة الرسالة بيروت، 1419هـ/ 1998م، ص 26.

[4] معجم مقاييس اللغة، ابن فارس(ت395ه)، كتاب الزاي، باب الزاي والياء وما يثلثهما ، مادة” ز ي ن “، ج3، ص41.

[5] المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهانى (ت 502هـ)، ت صفوان عدنان الداودي، دار القلم، دمشق، الطبعة الأولى،1412هـ، ص388.

[6] معحم مقاييس اللغة، ابن فارس، ج2، ص303.

[7] مفاتيح الغيب، فخر الدين الرازي (ت 606هـ)، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، 1420هـ، ج21، ص467.

[8] الجامع لأحكام القرآن، القرطبي(ت671ه)، ت أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية، القاهرة، الطبعة الثانية، 1384هـ/ 1964م، ج10، ص413/414.

[9] التحرير والتنوير، الطاهر بن عاشور(ت1393هـ)، الدار التونسية للنشر، تونس، 1984م، ج15، ص333.

[10] جامع البيان في تأويل القرآن، ابن جرير الطبري، ج18، ص31.

[11] المصدر نفسه، ج18، ص35/36.

[12] صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري، دار طيبة، الرياض، الطبعة الأولى، 1437ه/2006م، في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته رقم1631، ج2، ص770.

The post الحياة الإنسانية بين الزوال والبقاء من خلال الآية 46 من سورة الكهف appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2MkRMDq
via IFTTT

المرزوقي طبيبًا فوق العادة

 

رغم تفاوت الأزمنة والأمكنة، وتمايُز الرتوش والتفاصيل؛ إلّا أنّ التاريخَ ما برح  يكرَّر نفسَه ويعيد الحدَثَ ذاتَه مع تطابُقٍ في المضمون وتوافُقٍ في الجوهر، حتَّى ليُخيَّل إليك أنَّ التاريخ ينفخ في رمادٍ حين يُعلِّم ولا أحد يتعلَّم، ويصرخ في وادٍ حين يُدرِّس ولا أحد يَدْرُس؛ فالرحلة من السجون والمنافي إلى القصور والعروش، لم يكن الجنوب إفريقي المناضل (نيلسون مانديلا) هو مَن قصَّ شريطَها وأعلن افتتاحها، ولن يكون التونسيّ النبيل (المنصف المرزوقي) هو مَن يكتب خاتمتها أو يغلق الباب دونها، طالما أنَّ عجلة التاريخ تسير وذاكرة البشَر تتبلَّد، بينما سُنَن الله لا تتبدَّل ولا تتحوّل.. “سنّة الله التي قد خلَت من قبل ولن تجدَ لسُنّة الله تبديلا”[1]، “فهل ينظرون إلّا سنّت الأوّلين فلن تجد لسنّت الله تبديلا ولن تجد لسنّت الله تحويلا”[2].

في تونس الخضراء الواقعة في الشمال الإفريقي على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وفي قرمبالية الواقعة 30 كم جنوبي العاصمة، وإبّان الاحتلال الفرنسي الذي جثم على صدر التونسيين لسبعة عقود ونصف؛ وُلِد محمد المنصف المرزوقي في السابع من يوليو عام 1945م، وتربّى في حِجر عائلة بدويّة تنتمي إلى قبيلة المرازيق التي وصَف أطفالَها في مذكّراته بأنهم يُولدون وفي فمهم عَجُز أو صدْر بيت من الشِّعر، ولا يزعقون إلّا على وزنٍ من أوزان الخليل، كناية عن امتلاكهم ناصية اللغة والشّعر.

 وبعد تلقِّيه مبادئ الدراسة الأوّلية بالعاصمة التونسية، رحل إلى والده المَنفِيّ سياسيّا بطنجة المغربيّة، وذلك في عام 1961م، حيث تحصَّل هناك على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة)، قبل أن يمدّ له القدر يده بفرصة ابتعاث ثمينة لدراسة الطبّ في فرنسا بدعم من الحكومة الفرنسية. وعن علاقته بالقراءة في هذه السنّ المبكّرة، ذكر أنه ببلوغه عتبة الخامسة عشرة كان قد قرأ مؤلَّفات العقّاد والمنفلوطي وطه حسين وتيمور وجبران، إضافة إلى دواوين كبار الشعراء.  علاوة على الفرنسيّة التي أجادها وقرأ بها لموليير وراسين وكوناري وغيرهم. هذا بالإضافة إلى الأدب الروسي وزعيميْه تولستوي ودوستويفسكي.

وبين جنبات مدينة النور (باريس)، لبث خمسة عشر عاما (1964-1979م)، التحق خلالها بجامعة ستراسبورغ التي تُعَدُّ مِن أعرق الجامعات الأوروبية وأكبر الجامعات الفرنسيّة؛ فدرَس الطبّ، وتحصَّل على درجة الدكتوراه في تخصّص الأعصاب، ثمّ عمل بالتدريس في الجامعة ذاتها، قبل أن يسافر إلى الصين ليدرس نظام الكومونات وطريقة تقديم الخدمات الصحيّة، والتي استفاد منها لاحقا لدى عودته لتونس وعمَلِه كأستاذ مساعد لطبّ الأعصاب في الجامعة التونسية، ثمّ مشرفا على قسم طبّ المجتمع وتجربة الطبّ الجماعي بكلية طبّ سوسة، وهو القسم الذي يركّز على الجانب الوقائي ويحتكّ بقعر المجتمع في القرى والنجوع.

واستنادًا إلى نشاطه السياسي المناوئ لسلطة (زين العابدين بن علي) الاستبدادية آنذاك، ودعْمه للحريّات والحقوق من خلال تأسيسه للرابطة التونسيّة للدفاع عن حقوق الإنسان؛ اعتُقِل وطُرِد من وظيفته الجامعية، وكان عليه أن يختار بين ثلاثة اختيارات أحلاها مرّ، تلك الاختيارات التي ضمّنها ابن خلدون مقالته حين قال: “إذا دخلتَ إفريقية (تونس) فوافِق أو نافِق أو غادِر”. ولمّا أبت نفسه الحرّة أن يوافق أو ينافق، اختار أن يحزم حقائبه من بلدٍ جارت عليه وهي عزيزة وقومٍ ضنّوا عليه وهم كرام، فغادر إلى فرنسا كمنفًى قسْريّ لمدة عشرة أعوام أخرى (2001-2011م)، عمل خلالها محاضرا في جامعة باريس، واستكمل  بذلك عدّة الربع قرن في فرنسا.

وعلى أنغام ثورة الياسمين التي كانت باكورة الثورات العربية، وجاءت كريحٍ صرْصرٍ عاتية فرّ مِن هولها الطغاة وطأطأ لها الجبابرةُ الأعناق؛ عاد المرزوقي إلى تونس مرفوع الرأس موفور الكرامة، فأسّس حزب المؤتمر مِن أجل الجمهورية، وترشّح للرئاسة، وفاز بها في أوّل انتخابات حرّة وديمقراطية منذ نشأة الجمهورية وانتهاء عصر البايات الملكي في عام 1957م ، ليَعْبر بالثورة التونسية في تؤدة واتزان إلى مرفأ السلامة وبَرِّ الأمان، رغم أشواك الثورة المضادة وتربُّص العديد من القوى الإقليميّة والدوليّة.

والواقع أنه لم يكن طبيبا وسياسيّا وحقوقيّا فحسب، ولكنه يُضاف إلى عداد المفكّرين بالنظر لمؤلَّفاته التي جابت حقولًا معرفيّة متباينة، كالطبّ والفكر والسياسة والأدب، ولعلّ أشهرها مؤلّفه الصادر عام 2010م  تحت عنوان (الرحلة..مذكّرات آدمي)، بعدما وُلد بعمليّة قيصرية تعرّض فيها للنصب من قبل أحد الناشرين الذي قبض المبلغ والمخطوطة وذهب كالريح، وجُوبه من قِبل ناشرين آخَرين بالرفض المهذّب تارة وغير المهذّب تارة. مع أن الكتاب سِفرٌ فتِيٌّ غجريّ، حفل بالسرد الروائي والحوار المسرحي والعمق الفكري والتحليل الفلسفي والأسلوب الأدبي، وجاء مغايرا لِما عهده القرّاء في المذكّرات من استقصاء الوقائع وسرْد الأحداث حسب الترتيب الزماني والمكاني، وهو ما استشْعره المرزوقي ونبّه إليه في صدر الكتاب قائلا: “لن يكون من السهل تصنيف هذا الكتاب، فهو كتاب قد يقبل به الأدب أو الفلسفة أو حتى العلوم الإنسانية.. وقد يُطرَد من كلّ هذه الميادين باعتباره جنسا هجينا لا ينتمي لأيّ حقل معرفي محترَم ومعترَف به”.

ولعل هذا ما دعا الجهات الدولية لتكريمه في محافلها المختلِفة؛ فنال درجة الدكتوراه الشرفيّة من جامعة تسوكوبا اليابانية، وصنَّفته مجلة فورين بوليسي الأمريكية ضمن أفضل مائة مفكر عالميّ في عامي 2012و2013م. كما تمَّ تكريمه من قِبَل المُنتدَى المغاربي، والمعهد الملكي للشئون الدولية في لندن. عدا عن حصوله على ميدالية حقوق الإنسان مِن قِبَل الأكاديميّة الوطنيّة الأمريكيّة للعلوم ، وغيرها.

وبالرغم من إخفاقه في الترشّح الثاني للرئاسة التونسية عام 2014م، وبلوغه منتصف العقد الثامن من العمر؛ إلّا أنه ظلّ وفيًّا لمبدئه حين قال: “كونوا صُنَّاعا للحدَث ولا تكونوا مِن ضحاياه”، إذ مازال يَشتعل حماسة لإرساء دعائم الحريّة والديمقراطيّة، ليس في تونس وحدها بل في محيطه العربي والإفريقي، ومنها تأسيسه لحزب سياسي جديد اندمج بموجبه حزب المؤتمر من أجل الجمهورية مع كيانات سياسية أخرى، وهو حزب حراك تونس الإرادة الذي رأى النور في عام 2015م، وهو العام نفسه الذي انطلق فيه ضمن أسطول الحرية الرابع لكسر الحصار الظالم على غزّة، فاعتقله الصهاينة وقاموا بترحيله إلى فرنسا، بعد أن مُنعت السفن من الوصول لبغْيتها.

ومن الناحية الفكرية، وعلى امتداد مسيرته النضالية الطويلة؛ ظلّ يفاخر بانتمائه إلى مدرسة سياسيّة متفرّدة، احتذى فيها بمانديلا إفريقيا وتأسَّى بغاندي الهند، تلك المدرسة التي تهدف إلى أخْلقة السياسة وتنقيتها من عفن الاستبداد والفساد والكذب، وإلى أنْسنة الحُكم بنفْض القدسيّة عن الحاكم الذي يتألّه فيعتبر نقدَه عيبا في الذات العليّة وتَعدِّيا على قدس الأقداس! وهو بهذا ليس علمانيا قحّا يغرّد خارج سرب الدِّين، بل علمانيّا متصالحًا مع عروبته وإسلامه، ومتباهيًا بالاقتداء بمحمّد النبيّ صلى الله عليه وسلّم وعمر الفاروق رضي الله عنه. بمعنى أنّ العلمانية في نظره ليست سوى تقنيات تكنولوجية حديثة، وأدوات حكم جديدة، تسعى إلى تحقيق المقاصد الشريفة التي هي من صلب الدِّين ولا ريب، كالحريّة والكرامة وحقوق الإنسان والمساواة وتداول السلطة.

ومع أنه قضى شطرا كبيرا من عمره في فرنسا، وتشبّع بثقافتها، وكتب أربعة كتب بلغتها، وتزوّج من إحدى بناتها؛ إلّا أنه لم يستغرب كما استغرب الكثيرون من سكان المغرب العربي الذين نزحوا إلى فرنسا، بل ظلّ وفيًّا لجذوره البدوية وحضارته الإسلامية ولغته العربية، إيمانًا منه بأنه لا تَقدُّم لأمّة لا تحترم نفسها ولا تقدّر لغتها، وهو ما أقرّه بوضوح قائلا: “أنا لا أستطيع التنكّر لأصولي البدوية ولا لانتمائي للطبقة الفقيرة ولا لمجيئي من منطقة مهمَّشة، كلّ هذا سيبقى موجودا في داخلي”. ولعلّ هذا عائدٌ –كما قال- إلى متانة وعمق الانتماء الذي تربَّى عليه في البيت والمدرسة، والتصاقه بأخبار وطنه وهموم أمّته، ومداومته على القراءة والكتابة بلغة الضاد. إضافة إلى معرفته الدقيقة بأمراض الحضارة الغربيّة من استشراء إدمان الكحول، والتشتّت العائلي، والماديّة المفرِطة.

وقد وضع يده على نقطة التقاطع بين الطبيب والسياسي، وأشار إلى استراتيجية التوازن المشترَكة بين الطبّ والسياسة، وذلك في إحدى لقاءاته الصحفية بقصر قرطاج الذي أدار منه دفّة البلاد قائلا: “أنا طبيب أعرف أنّ الصحة هي قدرة الجسم على إعادة التوازنات التي اختلّت بعد المرض، وبالنسبة لي: السياسة وحقوق الإنسان هي إعادة هذه التوازنات التي اختلّت بين المناطق، بين الجهات، بين الأمم العربية والأمم الأخرى”.

ومن مواقفه الإنسانية التي أبَت فيها نفسُه أن تسكنها روح التشفّي والانتقام، توديعه لجسد بورقيبة عام 2000م، والذي حكاه ضمن مذكّراته قائلا: “على جثمان رجلٍ حقدتُ عليه طفلا لأنه كان عدوّ الأب، وشابا لأنه كان عدوّ العروبة، وكهلا لأنه كان عدوّ الديمقراطية؛ قرأتُ الفاتحة بتأثُّر، لأنه من القِيم التي ربّتْني عليها والدتي أنه بحضور الموت تنتهي الضغائن والأحقاد”. 

[1] الفتح 23

[2]  فاطر 43

The post المرزوقي طبيبًا فوق العادة appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2KMJgK1
via IFTTT

الحياة الإنسانية بين الزوال والبقاء من خلال الآية 46 من سورة الكهف


via منار الإسلام https://ift.tt/2MkRMDq

المرزوقي طبيبًا فوق العادة


via منار الإسلام https://ift.tt/2KMJgK1

القصد الكوني والقصد التشريعي


via منار الإسلام https://ift.tt/31CQnLZ

القصد الكوني والقصد التشريعي

بسم الله الرحمان الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين.

   إن بيان القصد الكوني والقصد التشريعي وما ينتج بينهما من علاقة تلازم أو انفصال، يكتسي أهمية  بالغة لأنه يعالج  إشكالات علمية وتربوية ناتجة بالخصوص من جراء مزج الجانب الكلامي للقصد بالجانب الأصولي التشريعي ، وهو ما يفسر اضطراب بعض الأصوليين خصوصا الأشاعرة، في مسألة تعليل أفعال الله تعالى وأحكامه بالمصالح، وعلى رأسهم الإمام الرازي (ت 606هـ) الذي نفى أن يكون الله تعالى قاصدا المصلحة  والغرض، نتيجة توصل إليها في علم الكلام، بينما في علم الأصول قال بتعليل الأحكام بالمصالح. قال في المحصول:” المجتهد مأمور بالقياس عند فقدان النص ولا يمكنه القياس إلا عند وجدان العلة ولا يمكنه وجدانها إلا بعد الطلب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ,فإذن طلب العلة واجب وإذا كانت الحكمة علة كان طلبها واجبا)[1].

      وكذلك الاضطراب الحاصل في مسألة الجبر والاختيار، وإرادة الخير والشر، وغيرها من المسائل وهي وإن بدت قديمة غير أنها متجددة لظهور موجة الإلحاد بين صفوف المسلمين من جهة، ولتحرير القول الفصل في بعض القضايا الرئيسية لمن ينشد الإصلاح والتغيير.

   فالقصد الكوني لا يبحث عنه إلا في علم الكلام لأنه لا ينبني عليه حكم تكليفي، بينما القصد التشريعي فهو من اختصاص علماء أصول الفقه، فهم المكلفون برصده وتتبعه في مواقعه واستثماره في الاجتهاد المتعلق بقضايا العصر.

ولكي يتضح الأمر يمكن تقسيم الموضوع إلى المحاور التالية :

 المحور الأول: القصد: مفهومه اللغوي والاصطلاحي.

المحور الثاني: القصد الكوني: معناه، نماذجه، مقتضاه.

المحور الثالث: القصد التشريعي: معناه، نماذجه، مقتضاه.

خاتمة.

 

 

 

المحور الأول: القصد: مفهومه اللغوي والاصطلاحي:

1- مفهوم القصد في اللغة: للقصد في اللغة معان عديدة نذكر من بينها:

  • القصد بمعنى الإتيان؛ جاء في مختار الصحاح:” القَصْدُ: إتيان الشيء… تقول قَصَدَهُ وقصد له وقصد إليه كله بمعنى واحد”[2].
  • القصد بمعنى القرب:

 “القاصدُ: القريب يقال بيننا وبين الماء ليلة قاصِدةٌ، أي قريبة هينة السير”[3].

  • القصد بمعنى التوسط:

القَصْدُ: بين الإسراف والتقتير يقال فلان مُقْتِصدٌ في النفقة،  وفـي الـحديث: (ما عالَ مقتصد ولا يَعِيلُ)[4].

  • القصد بمعنى العدل:

القَصْدُ: العدل.”[5]

  • القصد بمعنى الاستقامة:

في لسان العرب:”القصد: استقامة الطريق”[6].

  • القصد بمعنى الاعتماد والأَم:

سمي الشِّعْرُ التام قصيداً، لأَن قائله جعله من باله فَقَصَدَ له قَصْداً، ورَوَّى فـيه خاطره واجتهد فـي تـجويده…”[7]

من خلال تتبع التعارف اللغوية لكلمة القصد ،  يلاحظ أنها لا تخرج عن معاني: القرب و العدل و التوسط  والاستقامة و الغاية .

2- مفهوم القصد في الاصطلاح :

أقتصر على اصطلاح الأصوليين لارتباط الموضوع بعلم أصول الفقه من جهة، ومن جهة أخرى اعتبارا لقصد الشارع عز وجل.

      من خلال تتبع مواقع القصد لدى الأصوليين، يلاحظ أن معناه ينصرف إلى الحكمة والغاية من تشريع الحكم[8]، باعتبار “الشريعة ليست مجرد ألفاظ لغوية أو جمل وعبارات منسقة، وإنما الشريعة… دلالات ومفاهيم تمثل إرادة الشارع في كل نص، كما تمثل مقصده من تشريعه، وهو ما يسمى بحكمة التشريع”[9]. وقد خرج هذا التقرير من مخاض عسير لأن غالب من يكتب في أصول الفقه أشعري المعتقد، فكان للتوجه الكلامي أثره البين.

        من ثم نخلص إلى أن الأصوليين نظروا إلى الشريعة لفظا و معنىً، وقرر أهل التحقيق منهم أن الالتفات إلى المعنى أولى من النظر إلى اللفظ المجرد، قال الإمام الشاطبي: (بعث الله من هؤلاء- الأصوليين- سادة فهموا عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم, فاستنبطوا أحكاما فهموا معانيها من أغراض الشريعة في الكتاب والسنة, تارة من نفس القول, وتارة من معناه, وتارة من علة الحكم, حتى نزلوا الوقائع التي لم تذكر على ما ذكر, وسهلوا لمن جاء بعدهم طريق ذلك)[10]. وجاء في إعلام الموقعين” إرادة المعنى آكد من إرادة اللفظ، فإنه المقصود واللفظ وسيلة”[11].

        ثم انتهوا إلى أن المراد بالمعاني المصالحُ[12]، وهي المُعبرةُ عن إرادة الشارع ف”أحكام التشريع ليست نصوصا لغوية تفهم على أساس من قواعد النحو و أساليب البيان فحسب،  بل هي قبل كل شيء تمثل إرادة المشرع من التشريع”[13].

      وعليه فالقصد هو المعنى والحكمة التي من أجلها شرعت الأحكام، وهي في الجملة حفظ مصالح الناس ودرأ المفاسد عنهم.



 

 

المحور الثاني: القصد الكوني معناه، نماذجه، مقتضاه:

أولا: معنى القصد الكوني:

 يعني مراد الله تعالى من خلقه وقدره، وهو المعبر عنه بمشيئة الله عز وجل، فهي

خاصة بالجانب القدري الكوني، جاء في معا رج القبول: (الإرادة والقضاء والأمر كل منهما ينقسم إلى كوني وشرعي، ولفظ المشيئة لم يرد إلا في الكوني)[14].

        فالقصد الكوني مشيئة الله جل وعلا من الخلق والتقدير الأزلي السابق في علمه سبحانه، كخلق الكون والإنس والجن، والجنة والنار، والموت والحياة …. وتقدير الإيمان والكفر، والذكورة والأنوثة، والفقر والغنى، والآجال المختلفة طولا وقصرا…

        مما سبق يتضح أن القصد إذا تعلق بالتكوين والقدر فهو يعني القضاء الأزلي والمشيئة الربانية التي لا اعتراض عليها، ولا تبديل لها فهي غالبة قاهرة.

ويزداد الأمر وضوحا عندما ندرك بعضا من أمثلة القصد الكوني.

ثانيا: نماذج القصد الكوني:

المقصود بنماذج القصد الكوني، الأمور ذات العلاقة بما له صلة بأفعال الله تعالى

الكونية، وخير من فصل القول بشأنها الإمام ابن القيم رحمه الله في شفاء العليل، حيث أفرد بابا خاصا لذلك “الباب التاسع والعشرون في انقسام القضاء والحكم والإرادة والكتابة والأمر والإذن والجعل والكلمات والبعث والإرسال والتحريم والإيتاء إلى كوني متعلق بخلقه ، وإلى ديني متعلق بأمره وما يحقق ذلك من إزالة اللبس والإشكال”[15].

  • القضاء:

القضاء الكوني في كتاب الله  كقوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إلَيْه ذَلكَ الأمْرَ أن دَابرَ هَؤُلاَءِ مَقْطُوعٌ)[16]. فهذا النوع من القضاء هو من الإرادة الكونية التي لا خروج لأحد عنها”[17].

  • الحكم:

الحكم …الكوني كقوله تقدس اسمه: (قُلْ رَبِّ احْكُمْ بِالحَقِّ)[18]، أي افعل ما تنصر به عبادك وتخذل به أعداءك.

 الكتابة:

الكتابة في الكونية كقوله- تعالى-:(كَتبَ اللهُ لأَغْلِبَنَّ أنَا وَرُسُلِي)[19] وقوله جل شأنه: (ولَقدْ كتبْنَا في الزَّبُورِ منْ بَعْدِ الذِّكْر أَنَّ الأرْضَ يَرثُها  عِبَاديَ الصَّالِحُونَ)[20].

  • الأمر:

الأمر الكوني كقوله سبحانه: (وَإذَا أرَدْنَا أنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أمَرْنَا مُتْرَفيهَا فَفَسَقُوا فيهَا)[21]، فَهذا أمر تقدير كوني لا ديني شرعي ، فإن الله لا يأمر بالفحشاء .

  • الإذن:

الإذن الكوني كقوله تعالى: (وَمَا هُمْ بضَارِّينَ بِهِ منَ اَحَدٍ إِلا بِإذْنِ اللهِ)[22]. أي بمشيئته وقدره.

  • الجَعل:

الجعل الكوني كقوله عز وجل: (إنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهمُ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ, وَجَعَلْنَا منْ بَيْن أيْدِيهمْ سُدّاً وَ مِنْ خَلْفِهمْ سُدّاً)[23]، وقوله عز وجل: (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الذينَ لاَ يَعقِلُونَ)[24].

  • الكلمات:

الكلمات الكونية فكقوله تعالى: {كَذلكَ حَقَّتْ كَلِماتُ رَبِّكَ عَلى الذينَ فسَقُواْ أنهمْ لاَ ُيؤْمِنُونَ}[25] ،  وقوله صلى الله عليه وسلم: { أعوذ بكلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ التِي لاَ يُجَاِوزُهُنَّ بَرٌّ ولاَ فَاجرٌ مِن شَرِّ مَا خَلقَ}[26]،  فهذه كلماته الكونية التي يخلق بها ويكوِّن، ولو كانت الكلمات الدينية هي التي يأمر بها وينهى لكانت مما يجاوزهن الإنسان.

  • البعث:

البعث الكوني  كقوله تعالى: (فإذا جَاءَ وَعْدُ أُولاَهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عبَادًا لَنَا أُولِي بأْس شَديد)[27].

  • الإرسال:

الإرسال الكوني كقوله عز من قائل: (أَلَمْ تَرَ أَنَّا أرْسَلْنَا الشياطينَ على الكَافرين تَؤُزُّهُمُ أَزّاً)[28]، وقوله جل شأنه: (وَهُوَ الَّذِي أرَسَلَ الرِّيَّاحَ)[29].

  • التحريم:

التحريم الكوني كقوله سبحانه: (وحَرمْنَا عَلَيْهِ المَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ)[30]، وقوله جل وعلا: (قال فَإِنَّها مُحَرَّمةٌ عَليْهم ُ,أرْبعينَ سنَةً)[31].

  • الإيتاء:

وقوله تعالى: (قلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤتِي المُلكَ مَن تَشاءُ)[32].

ومن أراد أن يتوسع فليرجع إلى شفاء العليل يجد فيه الغنية بإذن الله تعالى.

ثالثا: مقتضى القصد الكوني: 

إذا علمنا مفهوم القصد الكوني، وبعض نماذجه لم يبق لنا بعدُ إلا تحرير القول بشأن متعلق القصد وما يقتضيه؟

لما كان التكليف منوطا بشرط الوسع والقدرة، فلا يمكن تصوره فيما له تعلق بالقصد الكوني، يقول السرخسي (ت571 هـ): “إنما يثبت التكليف بحسب الوسع فما ليس في وسعنا الوقوف عليه لا يكون معتبرا شرعا”[33]، ذلك أن القصد المتعلق بالقدر والتكوين مما لا يستطيع دفعه و لا الخوض في ماهيته وأسراره أحد في الغالب، بل يقابل بالتسليم والإذعان، جاء في إعانة الطالبين: (القضاء بمعنى الإرادة الأزلية والمقضي الذي تعلقت إرادة الله بوجوده لا يمكن الوقاية منهما، ولذلك قال بعض العارفين:”اللهم لا نسألك دفع ما تريد ولكن نسألك التأييد فيما تريد)[34].

      فالقصد الكوني إنما يقتضي من العبد علم به أم لا مجرد الإيمان، كما نص على ذلك إمام المقاصد “لا يكون فيما يتعلق به تكليف سوى مجرد الإيمان به”[35].

     مثال ذلك طرح السؤال التالي: ما هو القصد من الأحداث الجسام التي ألمت بالمسلمين منذ زمن الفتنة الكبرى أيام الصحابي الجليل ذي النورين رضي الله عنه إلى مآسي الاستعمار واغتصاب المسجد الأقصى … ألم يقع ذلك بعلم الله عز وجل وقدره؟ فما العمل إذن؟ الجواب بناء على فقه العلاقة بين القصد الكوني والقصد الشرعي يستلزم منا القول بأن أقدار الله عز وجل تقابل بالتسليم والرضى، عُلم القصد منها ألم يعلم، وذلك إيمانا واعتقادا.

بينما المقدور الواقع يقابل بالمدافعة وعدم الرضى تبعا للمصلحة الشرعية، التي يجتهد العلماء الربانيون في تقديرها واستنباطها علما وعملا، اجتهادا وجهادا، وهو ما يفسر قيام  الثلة من العلماء المجاهدين  ناصحين ومربين، وكذا مقاومة المستعمر عبر التاريخ إلى يومنا الحالي، ونهوض أهل الخير والفضل من الأمة لإحداث التغيير المنشود إنسانا وكونا.

 

 

 

لائحة المصادر والمراجع

* القرآن الكريم.

* أصول السرخسي ت490هـ ،  دار المعرفة بيروت 1372هـ تحقيق أبو الوفا الأفغاني.

* السنن الكبرى لأبي عبد الرحمان النسائي ت 303ه ، دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1991م تحقيق الدكتور  عبد الغفار البنداري وحسن سيد كسراوي.

* المحصول لفخر الدين الرازي ت606هـ ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الرياض 1400هـ تحقيق طه جابر العلواني.

* المعجم الكبير للطبراني ت360هـ ، مكتبة العلوم والحكم الموصل الطبعة الثانية, تحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي.

* المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع للدكتور فتحي الدريني ، الشركة المتحدة للتوزيع.

* الموافقات لأبي إسحاق الشاطبي ت790هـ ،   تحقيق عبد الله دراز ، دار الكتب العلمية بيروت ، الطبعة الأولى 2001م.

* مدخل إلى علم المقاصد ، تأليف الدكتور عبد الحليم العلمي مطبعة أنفوــبرانت 2003م.

* شعب الإيمان لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي ت 458هـ ، دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى تحقيق محمد السعيد بسيوني زغلول.

* شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل لشمس الدين محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي الشهير بابن قيم الجوزية ت751هـ ،  دار الفكر 1988م.

* لسان العرب لابن منظورت711هـ ، دار صادر الطبعة الأولى بدون تاريخ.

* مختار الصحاح للإمام محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ت666هـ ،  دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1994م.

* إعانة الطالبين للسيد البكري بن السيد محمد شطا الدمياطي أبو بكر، دار الفكر بيروت.

* إعلام الموقعين  لابن القيم ،  دار الجيل بيروت1973م تحقيق طه عبد الرؤوف.

[1] – الإمام الرازي، “المحصول”، تحقيق طه جابر العلواني. (جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الرياض الطبعة الأولى 1400ه)ـ ج/ 5 ص: 392.

[2] – الإمام محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي ت666هـ ، مختار الصحاح. مادة: قصد.

     (دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1994م). الصفحة: 277.

[3] – نفسه  ص : 277

[4]– الطبراني (ت360هـ)، المعجم الكبير، تحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي. حديث رقم: 12656 ج/12 ص: 123، (مكتبة العلوم والحكم الموصل الطبعة الثانية)،

وأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي( ت 458هـ)، شعب الإيمان، باب الاقتصاد في النفقة وتحريم أكل المال بالباطل، تحقيق محمد السعيد بسيوني، حديث رقم: 6581. ج/5 ص: 255. (دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى).

[5] -. مختار الصحاح  الصفحة: 277.

[6] – ابن منظور، لسان العرب، مادة قصد، دار صادر الطبعة الأولى بدون تاريخ.

[7] – لسان العرب  ، مادة قصد.

[8] – إلا ما شذ من ذلك كالظاهرية التي لا تقول بالقياس.

.

[9] – الدكتور فتحي الدريني، المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع (الشركة المتحدة للتوزيع). الصفحة: 41.  

[10] – الموافقات، ج/2 ص:46-47. 

[11] – ابن القيم، إعلام الموقعين، تحقيق طه عبد الرؤوف. (دار الجيل بيروت1973م). ج/3 ص: 62.

[12] – إلا من شذ كالظاهرية انسجاما مع مبدئهم القاضي بنفي القياس.

ينظر: مدخل إلى علم المقاصد ، تأليف الدكتور عبد الحليم العلمي، (مطبعة أنفوــ برانت 2003م). الصفحة: 37.

[13] – المناهج الأصولية، الصفحة: 27.

[14] – حافظ بن أحمد الحكمي، “معا رج القبول”، ج:1 / ص: 230.

[15] – شفاء العليل، الصفحة: 280.

[16] –سورة الحجر / الآية 66.

[17] – -شفاء العليل، ج: 1 / ص: 280.

[18] – سورة الأنبياء الآية 111.

[19] –  سورة المجادلة الآية: 20.

[20] – سورة الأنبياء الآية 104.

[21] – سورة الإسراء الآية:16.

[22] – سورة البقرة الآية 101.

[23] –  سورة يس الآية: 8.

[24] – سورة يونس الآية: 100.

[25] –  سورة يونس الآية 33.

[26] – أبو عبد الرحمان النسائي( ت 303هـ)، السنن الكبرى. تحقيق د. عبد الغفار البنداري وحسن سيد كسراوي. حديث رقم: 10792. ج: 6 / ص:237. (دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1991م).

[27] – سورة الإسراء الآية 5.

[28] – سورة مريم الآية 84.

[29] – سورة الفرقلن الآية 48.

[30] – سورة القصص الآية 11.

[31] – سورة المائدة الآية 28.

[32] –  سورة آل عمران الآية: 26.

[33] – أصول السرخسي، تحقيق أبو الوفا الأفغاني. (دار المعرفة بيروت 1372هـ). ج/1 ص: 128.

[34] – أبو بكر السيد البكري بن السيد محمد شطا الدمياطي، “إعانة الطالبين”، (دار الفكر بيروت. د- ت).

     ج:1 / ص: 159.

[35] – الإمام الشاطبي، الموافقات، ج: 3 / ص:68.

The post القصد الكوني والقصد التشريعي appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/31CQnLZ
via IFTTT

Thursday, August 8, 2019

أحكام الأضحية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه من قبله وبعده وبعد :
فلما كانت الأضحية من شعائر الإسلام العظيمة نتذكّر فيها توحيد الله ونشكره على نعمه الظاهرة والباطنة، ونتأسى فيها بطاعة أبينا إبراهيم لربه الحليم الرحيم، ونعيش فيها خيرا وبركة وفضائل جمة وكثيرة منها الإيماني التربوي والاجتماعي التكافلي،  كان لا بدّ للمسلم أن يهتم بأمرها ويعظّم شأنها ويصحح ويجدد فيها النية، ويتبع فيها سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وصوابا، وقد جمعت في هذه الورقة بعض الأحكام الشرعية المرتبطة بهذه الشعيرة العظيمة مما يكثر السؤال عنها والله أسأل أن ينفع بها العباد ويلهمنا السداد والرشاد.

 معنى الأضحية وأفضلها:

الأضحية هي ما يذبح من بهيمة الأنعام – الإبل والبقر والغنم- تقرباً إلى الله تعالى من بعد صلاة عيد النحر إلى آخر أيام التشريق – وهو يوم الثالث عشر من ذي الحجة – ، قال تعالى : ” فصل لربك وانحر” (1) وقال عز من قائل :  ”  قل إن صلاتي ونسكي (أي ذبحي) ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين“(2) وقال سبحانه وتعالى : ” ولكل أمة جعلنا منسكاً ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلِموا، وبشر المخبتين” (3). وذهب الجمهور إلى أن أفضل الأضاحي الإبل ثم البقر ثم الشاة ثم شِرْك في بدنة ناقة أو بقرة، وأدلتهم هي:

1) حديث فضل التبكير للجمعة الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر”(4)

2) حديث أبي ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه قال: ” قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال: الإيمان بالله والجهاد في سبيله. قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا. قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعا أو تصنع لأخرق. قلت: يا رسول الله، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: تكف شرك عن الناس؛ فإنها صدقة منك على نفسك” (5).

في حين قال مالك الأفضل الجذع من الضأن ثم البقرة ثم البدنة ، ودليله : قصة سيدنا إبراهيم مع سيدنا إسماعيل، وفعل الرسول لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين وهو صلى الله عليه وسلم لا يفعل إلا الأفضل.

هذا والأفضل من كل جنس أسمنه، وأكثره لحما، وأكمله خلقة، وأحسنه منظراً، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بكبشين أقرنين أملحين والأملح ما خالط بياضه سواد.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ” ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبش أقرن فحيل يأكل في سواد، وينظر في سواد، ويمشي في سواد“ (6). وأخرج أبو داود من وجه آخر عن جابر:  “ذبح النبي – صلى الله عليه وسلم – كبشين أقرنين أملحين موجوءين” ، قال : الخطابي الموجوء – يعني بضم الجيم وبالهمز – منزوع الأنثيين ، والوجاء الخصاء ، وفيه جواز الخصي في الضحية ، وقد كرهه بعض أهل العلم لنقص العضو ، لكن ليس هذا عيبا لأن الخصاء يفيد اللحم طيبا وينفي عنه الزهومة وسوء الرائحة . وقال ابن العربي: حديث أبي سعيد يعني الذي أخرجه الترمذي بلفظ ضحى بكبش فحل أي كامل الخلقة لم تقطع أنثياه يرد رواية موجوءين ، وتعقب باحتمال أن يكون ذلك وقع في وقتين ،فالفحل أفضل من الخصي من حيث كمال الخلقة؛ لأن جميع أعضائه لم يفقد منها شيء، والخصي أفضل من حيث أنه أطيب لحما في الغالب.

حكم الأضحية وشروطها:
إنَّ الأضحية شعيرة من شعائر الإسلام، ذكر في جواهر الإكليل شرح مختصر خليل، أنها إذا تركها أهل بلد قوتلوا عليها لأنها من شعائر الإسلام، وقد انقسم العلماء في حكمها إلى قسمين :
  أ) القسم الأول يرى أنها واجبة، قاله الأوزاعي والليث وأبو حنيفة وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، قال به شيخ الإسلام ابن تيمية، وهو أحد القولين في مذهب مالك أو ظاهر مذهب مالك واستدل أصحاب هذا القول بما يلي :

 

  • قوله تعالى: ” فصل لربك وانحر” وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب.
  • حديث جندب رضي الله عنه في الصحيحين وغيرهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح فليذبح باسم الله”(7)
  • قوله صلى الله عليه وسلم: “من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا”. (8)

ب) القسم الثاني يرى أنها سنة مؤكدة، وهو مذهب الجمهور- مذهب الشافعي ومالك وأحمد في المشهور عنهما- لكن صرح كثير من أرباب هذا القول بأن تركها للقادر يُكره واستدل أصحاب هذا القول بما يلي:

  • حديث جابر رضي الله عنه في سنن أبي داود حيث قال ” صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيد الأضحى فلما انصرف أتى بكبشين فذبحه فقال: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي” (9).
  • ما رواه الجماعة إلا البخاري من حديث: “من أراد منكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره وأظافره”

والأصل أنها مطلوبة في وقتها من الحي عن نفسه وأهل بيته ، وله أن يُشْرك في ثوابها من شاء من الأحياء والأموات، أما الأضحية عن الميت فإن كان أوصى بها في ثلث ماله أو جعلها في وقف له وجب إنفاذ ذلك، وإن لم يوص أو لم يوقف وأحب الإنسان أن يضحي عن من شاء من الأموات فهو حسن ويعتبر هذا من أنواع الصدقة عن الميت ، ولكن السنة أن يُشرك الإنسان أهل بيته من الأحياء والأموات في أضحيته ويقول عند ذبحها اللهم هذا عني وعن آل بيتي ، ولا يحتاج أن يُفرد لكل ميت أضحية مستقلة .ولقد اتفق العلماء على أن ذبح الأضحية والتصدق بلحمها أفضل من التصدق بقيمتها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى ولا يفعل إلا ما هو أولى وأفضل ، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد .

ويشترط في الأضحية خمسة شروط وهي:

الشرط الأول:  أن تكون من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم،ويشمل ذلك الذكر والأنثى من النوع الواحد، وكذا الخصي والفحل، والمعز نوع من الغنم، والجاموس نوع من البقر،ويدل على ذلك قوله تعالى :” وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ”.
الشرط الثاني: أن تبلغ السن المجزئة في الأضحية فقد اتفق جمهور أهل العلم على أنه لا يجزئ من الإبل إلا من بلغت خمس سنوات والبقرالبالغة سنتين والغنم البالغة ستة أشهر والماعز البالغة سنة.

الشرط الثالث: أن تكون سالمة من العيوب المانعة من صحة الأضحية،فالله طيب لا يقبل إلا طيباً، فينبغي أن تكون الأضحية، طيبة، وسمينة، وخالية من العيوب التي تنقص من لحمها وشحمها، فقد ثبت في الحديث عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أربعٌ لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين عرجها والكسير التي لا تنقي”  (10)، وبناءً عليه قال أهل العلم لا يجزئ في الأضاحي ما يلي:

  • العوراء البين عورها، ومن باب أولى العمياء.
  • المريضة البين مرضها، والمرض البين هو المفسد للحم والمنقص للثمن، فلا تجزئ كما لو كانت جرباء أو كان بها بُثُورٌ وقروح.
  • العرجاء البين عرجها، ومن باب أولى مقطوعة الرجل.
  • العجفاء التي لا تنقي، وهي التي لا تقوم ولا تنهض من الهزال، وحديث البراء يدل على أن المرض الخفيف لا يضر، وكذا العرج الخفيف، وكذا ما كان فيها هزال خفيف.

الشرط الرابع: أن تذبح في وقتها المحدد – بعد الصلاة والخطبة وليس بعد دخول وفتهما- إلى مغيب 13 ذو الحجة.
الشرط الخامس: أن يحرم بيعها بعد تعيينها إلا أن يبدلها بخير منها، أما غيرها من الشروط فهي شروط كمال إن تخلفت أجزأت، وتجدر الإشارة هنا إلى مسألة خاصة وهي أن الأضحية إذا طرأ عليها عيب بعد تعيينها، فقد اختلف العلماء في ذلك على قولين:

القول الأول: إذا تعيبت بعد أن أوجبها فإنها تجزئ إذا لم يكن ذلك العيب بفعله أو تفريط منه. وهو قول المالكية في الأضاحي دون الهدي، والشافعية، والحنابلة، ومما استدلوا به:

  • حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: “ابتعنا كبشاً نضحي به، فأصاب الذئب من أليته أو أذنه،

فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم: فأمر أن نضحي به” (11) ، قالوا: وذلك لأن فقد الألية عيب يمنع الإجزاء، لكنه لما كان هذا العيب بعد التعيين وليس بتفريط منه ولا بفعله فإنه أمين، ولا ضمان عليه.

القول الثاني: أنها لا تجزئ، وإليه ذهبت الحنفية،لأن الأضحية عندهم واجبة، فلا يبرأ منها إلا بإراقة دمها سليمة، كما لو أوجبها في ذمته ثم عينها فعابت.

حكم الاشتراك في الأضحية:

سنتناول هذه القضية من خلال أربعة مباحث وهي:

المبحث الأول: اشتراك أهل البيت في الأضحية

يدخل في أهل البيت الزوجة والأولاد، وكذلك القريب إذا كان يسكن في البيت، وهو مشمول بنفقة رب البيت، أو يشتركان في النفقة ويجتمعان في المأكل والمشرب. أما من كان في بيت مستقل، أو له نفقة مستقلة، فلا يجزئ اشتراكه في الأضحية، ويشرع له أضحية مستقلة، لكن يجوز للولد ولغيره من أهل البيت أن يشارك والده عند الحاجة في ثمن الشاة ويكون هذا منه بمنزلة التبرع والإعانة أما ثواب الأضحية أصالة فتكون لوالده ويدخل هو وباقي البيت تبعا في الثواب، إذن يباح الاشتراك بين الأقارب بثلاثة شروط وهي: القرابة والمساكنة والإنفاق عليه.

المبحث الثاني: الاشتراك في البقر والإبل

تجوز الشركة في البقرة والبدنة فيشترك فيها سبعة أنفار لكل نفر سُبع يجزئ عنه وعن أهل بيته قياسا على الهدي لما ثبت في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال:” نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة”(12) وعن حذيفة رضي الله عنه قال : ” شرك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته بين المسلمين في البقرة سبعة”(13). وهو قول أكثر أهل العلم، وذهب المالكية إلى عدم جواز الاشتراك في الأضحية جملة ومما استدلوا به: أن الأصل عدم جواز التشريك، والقياس لا يصح، وقالوا: إنه حيوان يضحى به، فلم يجزئ إلا عن واحد، كالشاة، ولأن كل واحد يصير مخرجاً للحم بعض بدنة أو بقرة، وذلك لا يكون أضحية، كما لو اشترى لحماً، ولأن كل إنسان مخاطب بفعل ما يسمى أضحية، وهذا الاسم ينطلق على الدم دون اللحم، ولأنه اشتراك في دم، فوجب ألا يجزئ مريد القربة.

 

المبحث الثالث: الاشتراك في الغنم

لا تجوز الشركة في الشاة فلا يجزئ لاثنين فصاعدا أن يشتركوا في ثمن الشاة ولا تجزئ إلا عن واحد لأنه لم يرد   في الشرع جواز الاشتراك فيها والأصل عدم الشركة وقد أجمع الفقهاء على ذلك .
والمراد بهذا التفصيل في حكم الاشتراك بالثمن والإجزاء، أما التشريك بالثواب فهذا أمر واسع سهل فيه الشرع فيجوز للمضحي أن يدخل في ثواب أضحيته من شاء من المسلمين الأحياء والأموات والأصل في ذلك ما رواه أبو سعيد رضي الله عنه :” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى يوم النحر بكبشين أملحين فذبح أحدهما فقال هذا عن محمد وأهل بيته وذبح الآخر فقال هذا عمن لم يضح من أمتي”. والأضحية والهدي في هذا الباب سواء في الحكم لأنهما بمعنى واحد ولم يفرق بينهما الفقهاء. أما العقيقة فيجب أن تكون كاملة فلا تجوز فيها الشركة فلا تجزئ العقيقة في البقرة والبدنة عن سبعة أنفار لأن الأصل عدم الشركة ولم يرد في الشرع ما ينقل عن هذا الأصل ولا يصح قياس العقيقة على الهدي في الحكم لأن العقيقة شرعت فداء للإنسان لقوله صلى الله عليه وسلم: “كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه”(14)، والفداء لا يتبعض لأنه على سبيل المكافأة نفس بنفس فيشترط فيه أن يكون الدم المراق خاصا بالمولود الذي يعق عنه لا يشاركه مولود آخر.

المبحث الرابع: اختلاف النية في الاشتراك

إذا اشترك في الأضحية من البقر أو الإبل من يريد الأضحية، ومن يقصد الحصول على اللحم فقط فلا مانع من ذلك عند بعض أهل العلم كالحنابلة والشافعية. قال ابن قدامة في المغني وهو حنبلي:

” وجملته أنه يجوز أن يشترك في التضحية بالبدنة والبقرة سبعة، واجبا كان أو تطوعا، سواء كانوا كلهم متقربين، أو يريد بعضهم القربة وبعضهم اللحم. وبهذا قال الشافعي. وقال مالك: لا يجوز الاشتراك في الهدي. وقال أبو حنيفة: يجوز للمتقربين، ولا يجوز إذا كان بعضهم غير متقرب” (15). وفي المجموع للنووي وهو شافعي:

” يجوز أن يشترك سبعة في بدنة أو بقرة للتضحية، سواء كانوا كلهم أهل بيت واحد أو متفرقين، أو بعضهم يريد اللحم فيجزئ عن المتقرب، وسواء أكان أضحية منذورة أم تطوعا، هذا مذهبنا وبه قال أحمد وداود وجماهير العلماء، إلا أن داود جوزه في التطوع دون الواجب” (16)

 

توجيهات تربوية على سبيل الختم:

التوجيه الأول : المحبة والاتباع عماد الطريقة وسمة الطائفة

  • من أراد أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره وبشرته من بداية دخول العشر، لحديث أم سلمة: “إِذَا رَأَيْتُمْ هِلالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ” وفي لفظ له: “إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا”(17).
  • يسن للمضحي أن يذبحها بيده، فإن كانت من البقر أو الغنم أضجعها على جنبها الأيسر، موجهة إلى القبلة، ويضع رجله على صفحة العنق، ويقول عند الذبح: بسم الله والله أكبر، اللهم هذا منك ولك، اللهم هذا عني (أو اللهم تقبل مني) وعن أهل بيتي، أو عن فلان إذا كانت أضحية موصٍّ.
  • يستحب لمن له أضحية أن يأكل أول ما يأكل منها إذا تيسر له ذلك لحديث ” ليأكل كل رجل من أضحيته” (18)، وأن يكون هذا الأكل بعد صلاة العيد والخطبة وهذا قول أهل العلم منهم علي وابن عباس ومالك والشافعي وغيرهم.
  • يستحب تقسيم لحمها أثلاثاً، ثلثاً للأكل وثلثاً للهدية وثلثاً للصدقة، قاله ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم.

 

التوجيه الثاني: السعي على الأرامل والمساكين وعمل الحي

  • قسم النبي صلى الله عليه وسلم ضحايا بين أصحابه” رواه البخاري، ففيه الدلالة على أن أهل الغنى يوزعون ضحايا على المعوزين لأجل أن يضحوا بها.
  • كما اتفق العلماء على أنه لا يجوز بيع شيء من لحمها أو شحمها أو جلدها وفي الحديث الصحيح : ” من باع جلد أضحيته فلا أضحية له”(19) ، وأن لا يعطي الجزار منها شيئاً من ذلك على سبيل الأجرة لقول علي رضي الله عنه: “أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنة وأن أتصدق بلحومها وجلودها وألا أعطي الجزار منها شيئاً، وقال نحن نعطيه من عندنا” (20)   
  • إقامة ولائم وحفلات دعوية على صعيد الأحياء، وعيادة المرضى بالمستشفيات بحسن استثمار ثلث الهدية وثلث الصدقة.

The post أحكام الأضحية appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2MQ4cCo
via IFTTT

أحكام الأضحية


via منار الإسلام https://ift.tt/2MQ4cCo

Tuesday, August 6, 2019

الدعوة غاية الخلق (الحلقة 18): الدعاء والدعوة

للعقل مكانته ووظيفته التدبيرية الخاصة به لا تنازعه فيها آلة من اقتباس وصنع الإنسان، صنع الله الذي أتقن كل شيء. ويلجأ الدعاة كغيرهم للفكر وتدبيره وتنظيمه لخدمة المهمة العظمى فذلك مما يتطلبه كل عمل ليرقى به صاحبه إلى منزلة الإتقان.
حجة دامغة ودراسة لكل مستجدات الزمان والمكان وضبط لتفاصيل الفقه…أدوات سجنت أصحابها في فخ “العقلانية” وغيبت ما كان أصلا في حياة الصحابة الكرام : الإيمان بالغيب وفعل الله في كل شيء.
علم رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من صحبه كيف تفيض ربانيته وليله على دنياه ونهاره فيضفيان عليهما لبا ومعنى فجهد التواصل والإقناع والتدافع خلال اليوم يسبقه تضرع الليل وذكر ودعاء.
الدعاء كل ليلة لمن تعرف ومن لا تعرف دعاء قارا تابثا يفتح قلبك ليصفو من الأكدار فتغمره محبة الناس المفقودة ويصيب نوره من مددت يديك للمولى من أجله ويفك عقدا حيرتك وعجز عقلك أمام لغز صلتك بالخلق أجمعين.
كان للصحابة رضوان الله عليهم حصة دعاء لكل من يعرفون بأسماءهم يرجون لهم ما يرجون لأنفسهم ويجتهدون في ذلك حتى سرت بين أرواحهم أنوار محبة ألانت النفوس لبعضها البعض وقومت ما اعوج بينهم قبل أن تلتقي الأجساد في الأسواق والحقول والمساجد : ليل ناشئته أشد وطأ….يبني لنهار يعج بالحدة والقسوة.
أعاد الإمام عبد السلام ياسين من بين ما أحياه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء الرابطة الجامع لخيرات لدعاء للرسل عليهم السلام والصالحين على مر العصور لترتفع همة الماد يديه بالتقاء روحه كل يوم بأرواح رجال فازوا الفوز العظيم ودعاء لمن تربطك به روابط مختلفة راجيا أن ينهل من نبع ذقت طعمه وحلاوته فأحببته لغيرك.

The post الدعوة غاية الخلق (الحلقة 18): الدعاء والدعوة appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/33gctoZ
via IFTTT

الدعوة غاية الخلق (الحلقة 18): الدعاء والدعوة


via منار الإسلام https://ift.tt/33gctoZ

قصدت إلى محرابك يا ودود…

يا رب أتيت ذنوبا كالجبال

عبيدك يا رب أسير هموم

طرقت باب رحمتك يا كريم

كل الورى بوجوههم أشاحوا

عصيتك سرا وظلمت نفسي

قصدت إلى محرابك يا ودود


أبثك يا عالم النجوى هموما

 

ظلم عشيرة وجفاء صحب


وأسكب دموعا من عيون

أتيتك يا عفو أرجو صفحا

فهل يا ترى  ترد  عبدا !

يؤوب إلى رحابك نادما

رب سألقاك  فردا وحيدا

ليس لي إلا  عمل   يسير

رجائي فيما عندك لا يضاهى


عبيدك يا كريم يسأل علما


شوقي إليك يا عفو لا يدانى

فخصني بالزيادة يا حليـــم

 

وأن يكون كتابك لي شفيعا

واجمعني بالمصطفى وأب وأم




























منيبا إلى ركنك يا ذا الجلال

تفريجها يبدو لي من المحال

ويممت وجهي لعفوك لا أبالي

فأقبل علي بوجهك يا متعالي

فأكرمتني بستر سوء فعالي

أعفر جبهتي وأحط رحالي


أقضت مضجعي وأقلقت بالي

 

قلوب تفور بالأضغان كالجبال


لم تفرق بين الحرام والحلال

عما مضى من قبيح الخلال

يفيض الدمع من عينيه كشلال

على جسيم التفريط والاخلال

 فمن لي وأنا في اللحد بالي؟


فهل يشفع لي عند الســـؤال ؟

فعفوك رب يمحو ضلالــــي


وبسطة جسم وصلاح عيـــال


فأنت المتصف بالعز والجمال

فنظرة  إليك  تشفي  غليلـــــي

 

وأن  تجعله  قائدي  ودليلـــي

 

بجنان الخلد والفردوس العالي

The post قصدت إلى محرابك يا ودود… appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2ZDvmQG
via IFTTT

قصدت إلى محرابك يا ودود…


via منار الإسلام https://ift.tt/2ZDvmQG

ربانية العشر وشروط الأضحية

يعيش الناس مظاهر الفرح والبهجة في أيام العيد وما قبلها فيستعدون لعيد الأضحى استعدادا خاصا يتوافق مع ما تتطلبه المناسبة، والفرح مطلوب شرعا، إلا أن الاستعداد لا يجب أن يكون ماديا فقط بل ربانيا، لذلك  ربط الرسول صلى الله عليه وسلم سلوك المؤمن في هذه الأيام بمجموعة من الأعمال التي تربط العبد بربه قال ابن القصار: ” عنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ، وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ”[1].

ومما يعطي البعد الرباني لهذه الأيام استحباب الصيام في الأيام الأولى من ذي الحجة سواء بصيام  العشر الأولى، لقوله صلى الله عليه وسلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا العَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفْضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ؟» قَالُوا: وَلاَ الجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ الجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ»[2] أو صيام يوم عرفة لقوله صلى الله عليه وسلم: عندما َسُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ»[3]

والأضحية ليست عادة، بل هي سنة واجبة على من استطاع من المسلمين، لها وقتها وشروطها التي يجب أن يتقيد بها العبد حتى ينال الجزاء الموعود، وتتحقق الغاية والمقصد منها، بتقوى الله والحرص على رضاه تعالى وعبادته. مصداقا لقوله تعالى:{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَادِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37)}[4]. يقول القرطبي معلقا عن الآية الكريمة:” لَنْ يَقْبَلَ لُحُومَهَا وَلَا دِمَاءَهَا، وَلَكِنْ يَصِلُ إِلَيْهِ التَّقْوَى مِنْكُمْ، أَيْ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُهُ، فَذَلِكَ الَّذِي يَقْبَلُهُ وَيُرْفَعُ إِلَيْهِ وَيَسْمَعُهُ وَيُثِيبُ عَلَيْهِ، وَمِنْهُ الْحَدِيثُ (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ)[5]. وورد عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلًا أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ هِرَاقَةِ دَمٍ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، بِقُرُونِهَا، وَأَظْلَافِهَا، وَأَشْعَارِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ، لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا»[6]

وقد حدد الله عز وجل لهذه السنة زمانا ووضع لها شروطا، تتماشى مع بعدها الدنيوي والأخروي، وقد ارتبط وقت الأضحية بوقت الضحى ولعلها سميت الأضحى لذلك، وهو المستحب، وتبدأ عملية الذبح بعد قضاء صلاة وخطبتي العيد ولا تجزيء قبل الصلاة، ولا يوم عرفة، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ المُسْلِمِينَ »[7]. أما ” من لا إمام لهم فليتحروا صلاة أقرب الأمة إليهم وذبحه”[8].وتنتهي بغياب شمس آخر يوم الثالث وهذا مذهب الجمهور.

وتستحب الذكاة اليوم الأول إلا من تعذر عليه الأمر لسفر أو مرض أو عرض عليه عارض، فاليوم الثاني والثالث تجزيه.

شروط  الأضحية:

 إن وصف الله لفدية سيدنا إسماعيل بذبح “عظيم” هو دليل على المنزلة الذي تحضى بها هذه السنة الإبراهمية، التي تذكرنا برفق الله ورحمته للناس أجمعين، وجعلها فدية لرقبة مسلمة، وكان ذلك اليوم عيدا للعالمين يفرح فيه الناس بالأكل والإطعام وشكر الله، قال تعالى:{فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36)}[9]

ويشترط في أضحية العيد الموصفات التالية:

  1. أن تكون خالية من العيوب،” لا يجوز في شيء من ذلك عوراء ولا مريضة ولا العرجاء البين ضلعها ولا العجفاء التي لا شحم فيها ويتقى فيها العيب كله ولا المشقوقة الأذن إلا أن يكون يسيرا وكذلك القطع ومكسورة القرن إن كان يدمي فلا يجوز وإن لم يدم فذلك جائز”[10]
  2. أن تكون الأضحية من بهيمة الأنعام أي الإبل والبقر والأغنام والماعز، وتعتبر الأغنام الأفضل في الأضحية، لأن الله تعالى أفدى ولد سيدنا إبراهيم عليه السلام منها فقال تعالى :{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) }[11]. وقد روي عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ، وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ»[12]
  3. أن تكون من التي انبتت أسنان لما روي عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ»[13]
  • في الغنم: حدد ابن أبي زيد القيرواني السن في ثمانية أشهر حسب ما جاء في متن الرسالة، لكن جاز الحنفية والحنابلة ابن الست أشهر.[14]
  • في الماعز ما أوفى السنة ودخل الثانية.[15]
  • في البقر ما أوفى السنتين ودخل الثالثة حسب فقهاء الحنفية والحنابلة وما افتت به اللجنة الدائمة”[16]   أو ما أوفى الثالثة ودخل الرابعة وهو ما أفتى به فقهاء المالكية.
  • في الإبل ما أتم خمس سنوات عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.
  1. دخول وقت الأضحية.
  2. أن يكون الذبح بآلة حادة بقطع الحلقوم والأوداج فإن ذبح من القفا فلا تؤكل. فعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ، قَالَ: ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اللهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ»[17]
  3. توجيه الذبيحة إلى القبلة مع البسملة وذلك مانص في الرسالة “وتوجه الذبيحة عند الذبح إلى القبلة وليقل الذابح بسم الله والله أكبر وإن زاد في الأضحية ربنا تقبل منا فلا بأس بذلك”[18]
  4. ألا تكون أجرة ذابحها منها أي أجرة الجزار من غير أضحية العيد.
  5. عدم بيع شيء من الذبيحة حتى الجلد ويستحب التصدق منها.

وخلاصة القول إن تعظيم النية في هذا النسك العظيم من تمام الفضل على صاحبها، فإن حرص الناس على إشاعة الفرح والإحسان إلى الآخر وزيارة الرحم، والتوسيع على الأهل، وإكرام الفقراء والمساكين، والإكثار من ذكر الباري عز وجل، نال أجرها  وحقق المقصد منها وأحيا ذكرى تضحية نبينا سيدنا إبراهيم قال تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)}[19].

 

المصادر المراجع:

  • القران الكريم .
  • الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، تحقيق:محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، الطبعة: الأولى، 1422هـ.
  • الجامع لأحكام القرآن،أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية – القاهرة، الطبعة: الثانية، 1384هـ – 1964 م.
  • سنن ابن ماجه،ابن ماجة أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، وماجة اسم أبيه يزيد (المتوفى: 273هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي،دار إحياء الكتب العربية – فيصل عيسى البابي الحلبي.
  • فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى،اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش.
  • متن الرسالة،أبو محمد عبد الله بن (أبي زيد) عبد الرحمن النفزي، القيرواني، المالكي (المتوفى: 386هـ)، دار الفكر.
  • المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم،مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري (المتوفى: 261هـ)، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي – بيروت.

[1]  صحيح مسلم (3/ 1565).

[2] صحيح البخاري (2/ 20).

[3] صحيح مسلم (2/ 819)

[4] [الحج: 37]

[5] تفسير القرطبي (12/ 65)

[6] سنن ابن ماجه (2/ 1045)

[7] صحيح البخاري (7/ 99)

 الرسالة للقيرواني (ص: 79)[8]

[9] [الحج: 36]

[10] الرسالة للقيرواني (ص: 79)

[11] [الصافات: 107، 108]

[12] صحيح البخاري (7/ 100)

[13] صحيح مسلم (3/ 1555)

[14] الرسالة للقيرواني (ص: 78)

 

[15]  المرجع نفسه

 فتاوى اللجنة الدايمة المجموعة الاولى  11، 414/415[16]

[17] صحيح مسلم (3/ 1548)

[18]الرسالة للقيرواني (ص: 80)

 

[19]  [الصافات: 103 – 105]

The post ربانية العشر وشروط الأضحية appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2YIqit2
via IFTTT

ربانية العشر وشروط الأضحية


via منار الإسلام https://ift.tt/2YIqit2

أضحية العيد؛ حـكم ومقــاصد

      الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد؛

      شرع الله تعالى العبادات لحـكم بالغة، ومقاصد سامية، ومن هذه الحكم والمقاصد:

– استحضار النية والإخلاص في العمل: قال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ)[1]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)[2]. فلا عمل بدون نية، وجميع العبادات تؤدى بهذا المقصد.

– استشعار العبد بالافتقار إلى الله عز وجل.

– ارتباط العباد بالله سبحانه في حياتهم، ونسكهم. فالأضحية في العيد ليست مقصودة لذاتها، وإنما المقصود هو الخضوع لله، والتقرب بها إلى الله ماديا بالانتفاع بلحومها وشحومها وصوفها وجلودها، قال تعالى: ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ”[3]، ونيل الأجر بعدد شعر صوفها، قال تعالى: “وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ”[4].

– ومن أعظم هذه المقاصد؛ تحقيق معاني العبودية، وأن يخضع العبد لربه عز وجل لتحصل الثمرة وهي تقوى الله عز وجل، وإصلاح القلوب، كما يُقصد من الأعمال التعبدية تعظيم شعائر الله تعالى، وقد ورد ذلك عند ذكر جل العبادات؛ فعن مناسك الحج وأضحية العيد قال عز وجل: (ذَلكَ وَمَنْ يُعَظِّم شَعَائِر الله فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب)[5]. قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: “فشعائر الله أعلام دينه لاسيما ما يتعلق بالمناسك؛ قال ابن عباس ومجاهد وجماعة: وفيه إشارة لطيفة، وذلك أن أصل شراء البُدْن ربما يُحمل على فعل ما لا بد منه، فلا يدل على الإخلاص، فإذا عظمها مع حصول الإجزاء بما دونه فلا يظهر له عمل إلا تعظيم الشَّرع، وهو من تقوى القلوب”.

       ولتحقيق هذه العبودية مع ذبح الأضاحي، خاصة، ينبغي أن نستحضر ونتأمل قوله تعالى: (لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ)[6]. جاء في مختصر تفسير ابن كثير، عن هذه الآية: (قول الله تعالى؛ إنما شرع لكم نحر هذه الضحايا لتذكروه عند ذبحها، فإنه الخالق الرزاق لا يناله شيء من لحومها ولا دمائها، فهو الغني عما سواه، وقد كانوا في جاهليتهم إذا ذبحوها لآلهتهم، وضعوا عليها من لحوم قرابينهم ونضحوا عليها من دمائها، فقال تعالى: “لَن يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا”، عن ابن جريج قال: “كان أهل الجاهلية ينضحون البيت بلحوم الإبل ودمائها، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق أن ننضح فأنزل الله؛ ”لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم”، أخرجه ابن أبي حاتم، أي؛ يتقبل ذلك ويجزي عليه، كما جاء في الصحيح: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) وجاء في الحديث: “إن الصدقة لتقع في يد الرحمـن قبل أن تقع في يد السائل، وإن الدم ليقع من اللّه بمكان قبل أن يقع إلى الأرض”)[7].

       قال ابن عَبَّاس: “كَانَ أَهْل الْجَاهِلِيَّة يُضَرِّجُونَ الْبَيْت بِدِمَاءِ الْبُدْن، فَأَرَادَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْعَلُوا ذَلكَ” فَنَزَلَتْ الْآيَة. وَالنَّيْل لَا يَتَعَلَّق بِالْبَارِئِ تَعَالَى، وَلَكِنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ تَعْبِيرًا مَجَازِيًّا عَنْ الْقَبُول، والْمَعْنَى: لَنْ يَصِل إِلَيْه. وَلَكِنْ يَصِل إِلَيْهِ التَّقْوَى مِنْكُمْ؛ أَيْ مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهه، فَذَلِكَ الَّذِي يَقْبَلهُ وَيُرْفَع إِلَيْهِ وَيَسْمَعهُ وَيُثِيب عَلَيْهِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيث؛ “إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ”.

        إذا كانت الأعمال الظاهرة مطلوبة، فإنه يجب أن نـعرف أن المقصود في الأعمال الظاهرة هو التأثير على القلب، وأعظم ما يُتقرب به إلى الله تعالى في هذه العشر الأول من شهر ذي الحجة أن يجدها الإنسان فرصةً لتصفية القلب، فحسنات القلوب أهم من حسنات الجوارح، وهي الأصل لحسنات الجوارح. لذلك يجب أن يستحضر المؤمن أن الأضحية قد شُرعت لحِكم بالغة، وفي مقدمتها التقرب إلى المولى عز وجل، وامتثالا لأمره حين قال: “فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر”. وشكر الله تعالى على ما سخر لنا من بهيمة الأنعام، وفيها إحياء لسنة سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام، ومن المعاني الجميلة أن فيها التوسعة على العيال يوم العيد، وإشاعة الفرحة بين الفقراء والمساكين لما يتصدق عليهم منها. فكل ذلك عبادة نتقرب بها إلى الله تعالى.

        ولتجديد النية وإخلاص العمل لله تعالى؛ ينبغي ألا يذكر المؤمن سعر الأضحية عند الزملاء أو العائلة أو عبر وسائط التواصل، على أساس التفاخر أو التضجر من الثمن لأن هذه الشعيرة تقدم تقرباً لله عز وجل، باعتبارها شعيرة من شعائر الإسلام، وهي سنة مؤكدة على الراجح من أقوال الفقهاء، وعلى المضحي أن يقدمها لله تعالى بنفس طيبة.

– شكر الله على نعمه: فالشكر هو اعتراف بفضل الله وتقييد النعم يكون بالشكر الذي يصدقه العمل والاجتهاد بالتقرب إلى الله عز وجل. لذلك قل الشاكرون؛ قال تعالى: (اعملوا آل داود شكرا، وقليل من عبادي الشكور)[8]، ولا يعرف قدر النعمة إلا من فقدها، قال ابن عطاء الله السكندري، رحمه الله، (من لم يعرف قدر النعم بوجدانها عرفها بوجود فقدانها).

      أسأل الله عز وجل أن يتقبل منا جميعا صالح الأعمال، وأن يجعل نسكنا صوابا وخالصة لوجهه الكريم، وأن يجعلها من تقوى القلوب. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين

[1] – البينة: 5.

[2] – رواه الإمامان البخاري ومسلم.

[3] – الحج : 32.

[4] – الحج : 37.

[5] – الحج : 32.

[6] – الحج : 37.

[7] – مختصر تفسير ابن كثير، ج: 2 / ص: 546.

[8] – سبأ : 13.

The post أضحية العيد؛ حـكم ومقــاصد appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2KtBFjs
via IFTTT