Friday, May 31, 2019

ماذا بعد رمضان؟


via منار الإسلام http://bit.ly/2KhS77V

ماذا بعد رمضان؟

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فقد كان رمضان – كما قل الله جل وعلا – أياما معدودات، انتهت، وانقضت، ومضت، ولكن بقي أثرها، واستمرت دروسها، وتحققت مقاصدها، قال تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ[1]“.

فما التقوى؟

وما الدروس التي ينبغي تعلمها من شهر رمضان؟

إن الطاعات التي شرعها الإسلام في غالبها، وسائل لمقاصد، وغايات، يروم الشارع الحكيم تحققها في العبد المؤمن، فالصلاة تروم النهي عن الفحشاء والمنكر، قال تعالى:” اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ[2]“.

والزكاة تروم تزكية النفس، وتطهيرها من الشح، والبخل، قال تعالى:” خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[3]“.

والحج يروم تخليص النفس من كل خلق ذميم، وحملها على الصبر الذي هو مفتاح كل خلق كريم، قال تعالى:” الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ[4]“.

وكذلك الصيام فإنه لم يشذ عن هذا السياق، بل شرع لتحقيق التقوى، قال تعالى:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[5]“.

وأصل التقوى: التوقي مما يكره، لأن أصلها وقوى من الوقاية.

قال النابغة:

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه & فتناولته واتقتنا باليد

فالتقوى هي أن تجعل بينك وبين غضب الله وقاية، بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، أي أن يجدك الله حيث أمرك، ويفتقدك حيث نهاك، فعن ميمون أبي حمزة قال: كنت جالسا عند أبي وائل، فدخل رجل يقال له أبو عفيف من أصحاب معاذ، فقال له شقيق بن سلمة: ألا تحدثنا عن معاذ بن جبل؟ قال: بلى، سمعته يقول: يحبس الناس يوم القيامة في بقيع واحد فينادي مناد: أين المتقون؟ فيقومون في كنف الرحمن لا يحتجب الله منهم ولا يستتر. قلت: من المتقون؟ قال: قوم اتقوا الشرك وعبادة الأوثان، وأخلصوا لله العبادة، فيمرون إلى الجنة[6]“.

وقد قيل[7]: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سأل أبي بن كعب عن التقوى، فقال له: أما سلكت طريقا ذا شوك؟ قال: بلى قال: فما عملت؟ قال: شمرت واجتهدت، قال: فذلك التقوى.

وقد أخذ هذا المعنى ابن المعتز فقال:

خل الذنوب صغيرها & وكبيرها ذاك التقى

واصنع كماش فوق أر & ض الشوك يحذر ما يرى

لا تحقرن صغيرة &إن الجبال من الحصى

إن التقوى أمر مطلوب، ابتداء، ودواما، لأنها شرط في قبول الأعمال، قال تعالى:” إنما يتقبل الله من المتقين[8]“.

وأنشد أبو الدرداء يوما:

يريد المرء أن يؤتى مناه & ويأبى الله إلا ما أرادا

يقول المرء فائدتي ومالي & وتقوى الله أفضل ما استفادا

دروس رمضان

إن ما ذكر أعلاه يجعلنا ندرك أن رمضان هو بمثابة دورة تدريبية مكثفة، يتعلم فيها المؤمن والمؤمنة جملة من الدروس، التي تمكنه من تحصيل التقوى، إن هو أدرك أسرارها، وواظب على تحصيل الحد الأدنى منها بعد رمضان. قال أبو الدرداء: ” التمسوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، واسألوا الله أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم[9]“.

1- الصدقة وإطعام الطعام[10]

الصيام: هو إمساك عن شهوتي البطن والفرج، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، مما يجعل الإنسان يشعر بعضة الجوع، وألم الحرمان، فيتذكر بذلك كل محروم، ويرق قلبه، وتحن نفسه، على أولئك الذين لا يجدون ما يسد رمقهم، فيبادر إلى مساعدتهم، ويعجل بقضاء حاجتهم حسب قدرته، واستطاعته، تساعده على ذلك روحانية رمضان، وبيئته الخالية من وسوسة الشيطان، وتعاون الناس على البر والتقوى، امتثالا لأمر الله جل وعلا، الذي أمر بالصدقة في غير ما آية من كتابه، قال تعالى:” مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون[11]“، وقال جل وعلا:” آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ[12]“.

حتى إذا تعود المؤمن والمؤمنة على الصدقة في رمضان، فينبغي أن تصبح جزء من الطاعات التي يقومان بها في سائر الأيام، مصداقا لقوله تعالى:” وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ[13]“.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا[14]“.

وعنه رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” قال الله عز وجل: أنفق أنفق عليك، وقال: يد الله ملأى لا تغيضها نفقة، سحاء[15] الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض، فإنه لم يغض[16] ما في يده، وكان عرشه على الماء، وبيده الميزان يخفض ويرفع[17]“.

ومن الصدقة إطعام الطعام وهو عمل عظيم لما فيه من إحسان للفقراء والمساكين يكثر الناس منه في رمضان رجاء تحصيل ما ورد من فضل في إفطار الصائم فإذا خرج رمضان ربما غفل عنه كثر من الناس، وما ينبغي لهم، لأنه واحد من مفاتيح الجنان، التي تهفوا لها الأنفس المؤمنة، وتحن لها القلوب المطمئنة، قال تعالى:”  وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا[18]“.

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: ” تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف[19]“.

وعن عبد الله بن سلام قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم جفل الناس إليه، وقيل: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت في الناس لأنظر إليه، فلما استبنت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء تكلم به أن قال: “ يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام[20].”

فالمقصد الشرعي هو تحويل المجتمع من مجتمع الأثرة، وحب الذات، والتفاني في تحقيق “المصالح” الخاصة، إلى مجتمع الإيثار، والتعاون على البر والتقوى، ” وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[21]

2- الصيام

اعتاد الانسان على تناول عدة وجبات غذائية، في اليوم الواحد، حتى إذا تأخر عن تناول وجبة ما، هنيهة من الزمان، خيل إليه أنه سيموت جوعا، فتحرم هذه العادة كثيرا من الناس، من عبادة الصيام، مع ما ورد في فضلها من عظيم الجزاء، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ” من صام يوما في سبيل الله، بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفا[22]“.

حتى إذا جاء رمضان، وشاع بين الناس أمر الصيام، وجد المؤمن والمؤمنة في نفسيهما قدرة على الصيام، واضمحل ما كان في مخيلتهما من أوهام العجز، وثقل العادة، وأسر الشهوات، فإذا الصيام عبادة جميلة، والجوع عادة محمودة، واكتشف الانسان أنه صاحب قدرة، متى ما كانت له إرادة، وعزم.

وما إن ينقضي شهر الغفران حتى يرجع كثير من الناس إلى ما كانوا عليه قبل رمضان، وما ينبغي لهم، كيف؟ ولله نفحات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده.

أ- ستة أيام من شوال

إذا كان الصيام عبادة مفروضة في رمضان، فينبغي للمؤمن والمؤمنة أن يكون لهما حظ منه في سائر الأيام، ولتكن البداية بستة أيام من شوال، نعاجل بها النفس، قبل أن تركن إلى الدعة، فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال، كان كصيام الدهر[23].”

ب- الأشهر الحرم

ثم يعقب شوال ثلاثة أشهر من الأشهر الحرم، – ذي القعدة، ذي الحجة، المحرم -التي ينبغي للمؤمن والمؤمنة أن يكون لهما فيها حظ من الصيام، ومن الأشهر الحرم رجب، فعن مجيبة الباهلية، عن أبيها، أو عمها، أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم انطلق فأتاه بعد سنة، وقد تغيرت حاله وهيئته، فقال: يا رسول الله، أما تعرفني، قال: ” ومن أنت؟ ” قال: أنا الباهلي، الذي جئتك عام الأول، قال: ” فما غيرك، وقد كنت حسن الهيئة؟ “، قال: ما أكلت طعاما إلا بليل منذ فارقتك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم عذبت نفسك، ثم قال: ” صم شهر الصبر، ويوما من كل شهر “، قال: زدني فإن بي قوة، قال: ” صم يومين ” ، قال : زدني، قال: ” صم ثلاثة أيام “، قال: زدني، قال: صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك، صم من الحرم واترك “، وقال : بأصابعه الثلاثة فضمها ثم أرسلها[24]“.

ج- يوم عرفة

يوم عرفة من أيام الله تعالى، التي ينبغي ملؤها بالطاعة والقرب، ولذلك كان صوم يوم عرفة لغير الحاج عملا عظيما، يكفر الله به ذنوب سنتين ماضية، ومستقبلة، ، صيام يوم عرفة ، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ، والسنة التي بعده ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “وصيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده [25]“.

د- تاسوعاء وعاشوراء

اليوم العاشر من المحرم هو اليوم الذي نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من فرعون فصامه موسى شكرا لله، فلما قدم رسول الله المدينة، وجد يهود يصومونها، فقال لهم أنا أحق بموسى منكم، فصامه وامر بصيامه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ” ما هذا؟ “، قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال: ” فأنا أحق بموسى منكم “، فصامه، وأمر بصيامه[26]“.

ثم بدا له – صلى الله عليه وسلم – بعد ذلك أن يخالف يهود بصيام التاسع والعاشر، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء، وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع” قال: فلم يأت العام المقبل ، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم[27]

وعن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” صيام يوم عاشوراء، إني لأحسب على الله أن يكفر السنة التي قبله[28]“.

ه- الاثنين والخميس

وفي كل أسبوع مناسبتان للصيام، الاثنين والخميس، ففيهما تعرض الأعمال على الديان، فيجمل بك أن يعرض عملك على خالقك وأنت صائم، فعن عائشة قالت: “ كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم يوم الاثنين والخميس[29]“.

وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  ” تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم[30]“.

و- الأيام البيض

ومن الأيام التي يجمل بالمؤمن والمؤمنة المواظبة على صيامها الأيام البيض، قال أبو ذر: جاء أعرابي بأرنب، فقال الذي جاء بها: إني رأيتها كأنها تدمى، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل منها، فقال لهم: ” كلوا “، فقال رجل: إني صائم، قال: ” وما صومك؟ ” فأخبره، قال: “ فأين أنت عن البيض الغر؟ ” قال: وما هن؟ قال: ” صيام ثلاثة أيام من كل شهر، ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة[31]“.

وعن أبي ذر قال: ” أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة[32].”

فهذه جملة من الأيام ورد الترغيب في صيامها، إن استطاع المؤمن والمؤمنة صيامها كلها فذاك، وإلا اختارا منها حسب الوسع، المهم ان يظهر عليك في كل شهر أثر من آثار رمضان.

 3- عمارة المساجد

من سمات الناس البارزة في رمضان عمارة المساجد، وحضور الجماعة، في الفرض، والنفل، فيتعلم الناس بذلك أهمية صلاة الجماعة، ويستشعرون فوائدها، ويتذوقون عوائدها، حتى إذا خرج رمضان كانوا عليها أحرص، وإليها أسرع، كيف لا؟ وهم يتلون قول الله جل وعلا:” إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ[33]“.

وعن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “ إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد، فاشهدوا له بالإيمان، فإن الله يقول: إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله[34].”

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “صلاة الرجل في جماعة تَضْعفُ على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد، لا يُخْرِجُه إلا الصلاة، لم يخطُ خطوة إلا رُفِعَت له بها درجة، وحُطّ عنه بها خطيئة، فإذا صلَّى لم تزل الملائكة تُصلِّي عليه، ما دام في مُصَلاّه ما لم يُحْدِث: اللهم صلّ عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة“.[35]

وقد اختلف الفقهاء في حكم صلاة الجماعة، فقال عدد لا يستهان به منهم بوجوبها وجوبا عينيا، وحتى الذين قالوا بسنيتها، دعوا إلى المحافظة عليها ما أمكن، ومنهم الشوكاني الذي قال بأنه: (لا يخل بملازمتها ما أمكن إلا محروم مشؤوم)[36].

4- قيام الليل

قيام الليل من جلائل الأعمال، التي يصعب فعلها على كثير من الناس، فإذا جاء رمضان أصبح القيام فيه أمرا ميسورا، لاجتماع الناس عليه، فتبين للعبد أن قيام الليل أمر ممكن، متى تحققت العزيمة، وقوية الإرادة، فمازال الناس يجتمعون لقيام رمضان، منذ أن جمع عمر الناس على أبي بن كعب، فعن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمر: ” إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد، لكان أمثل ” ثم عزم، فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخرى، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: ” نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون ” يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله[37].”

وقد كان الناس يقومون بثلاث وعشرين ركعة، تفعل كلها بعد صلاة العشاء، فعن عطاء قال: ” أدركت الناس وهم يصلون ثلاثا وعشرين ركعة بالوتر[38]“. ثم أوصلها أهل المدينة في عهد عمر بن عبد العزيز عندما كان واليا على المدينة إلى تسع وثلاثين ركعة، تفعل كلها بعد صلاة العشاء، فعن داود بن قيس قال: ” أدركت الناس بالمدينة في زمن عمر بن عبد العزيز، وأبان بن عثمان يصلون ستا وثلاثين ركعة ويوترون بثلاث[39]“.

وقد أبدع المغاربة في هذا نموذجا خاصا بهم، حيث يصلون بعد العشاء عشر ركعات، ويصلون في آخر الليل ثلاث عشرة ركعة، فيحصلون بذلك فضل الصلاة في آخر الليل، مع ما في ذلك من التخفيف على الناس.

حتى إذا انقضى رمضان بقي للمؤمن من آثاره قيام الليل، إحدى عشر ركعة، في أي جزء من الليل، وإن كان فعلها في آخر الليل أمثل، ليكون ممن قال الله فيه مادحا: “ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ[40]“.

فقيام الليل من سمات الشاكرين، فعن عائشة رضي الله عنها: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ” أفلا أحب أن أكون عبدا شكورا، فلما كثر لحمه صلى جالسا، فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع[41].”

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” أشراف أمتي حملة القرآن، وأصحاب الليل[42]“.

فلا يليق بمن يبيت مستيقظا في ليالي رمضان، متعرضا لبركات ليلة القدر، التي تتنزل فيها الملائكة والروح، أن ينام في وقت ينزل فيه ربنا إلى السماء الدنيا، يعرض فضله على عباده، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني، فأستجيب له من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له[43]“.

5- قراءة القرآن

شهر رمضان هو شهر القرآن، قال تعالى:” شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ[44]“. وقد كان رسول الله يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان، فيدارسه القرآن، فعن ابن عباس قال: ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة[45]“.

ولأن رمضان شهر تصفو فيه النفوس، فإن الناس عادة يقبلون على تلاوة القرآن، جماعات ووحدانا، يتلونه قياما، وقعودا، في المصاحف، وقد تكون تلاوته استظهارا. وقد كان للسلف الصالح مع القرآن الكريم في شهر رمضان شأن، يثير العجب، ويبعث على الإعجاب. ومازال الناس على هذا المنوال، فهذه الأمة لا تخلوا من خير، فعن أبي نجيد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “ أمتي كالمطر لا يدرى أوله خير أم آخره[46].”

فإذا خرج رمضان، ربما رجع الناس إلى شيء من الغفلة عن القرآن، وهذا مما لا ينبغي، وقد ورد في ذلك وعيد شديد، قال تعالى: ” وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا[47]“.

فعلى المؤمن أن يديم النظر في كتاب الله تعالى حفظا، وتلاوة، ومدارسة، فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف[48]“.

وعن عقبة بن عامر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة، فقال: ” أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان، أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم، ولا قطع رحم؟ “، فقلنا: يا رسول الله نحب ذلك، قال: ” أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم، أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل، خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل[49].”

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ” من قرأ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحى إليه، لا ينبغي لصاحب القرآن أن يحد مع من حد، ولا يجهل مع من جهل وفي جوفه كلام الله تعالى[50]“.

وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يقال لصاحب القرآن يوم القيامة: اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في دار الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها[51]

6- الذكر والدعاء

من المفروض أن يكثر المؤمن والمؤمنة في رمضان، من الذكر والدعاء، لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقد ورد عنه من حديث سلمان، قوله:” واستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما، فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار[52]“.

فرمضان فرصة المؤمن للإكثار من الذكر والدعاء، حتى إذا ذاق حلاوتهما، سهل عليه فعلهما في غير رمضان، امتثالا لأمر الرحيم الرحمن، فعن الذكر قال تعالى:”  لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا[53]” وقال جل وعلا:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمً[54]“.

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إعطاء الذهب والورق، وأن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟ ” قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: ” ذكر الله عز وجل “. وقال معاذ بن جبل: ” ما عمل آدمي من عمل أنجى له من عذاب الله، من ذكر الله عز وجل[55]“.

وعن معاذ بن جبل قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نسير بالدف من جمدان إذ استند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” يا معاذ، أين السابقون؟ ” فقلت: قد مضى ناس وتخلف ناس. فقال: ” يا معاذ، أين السابقون؟ يستهترون بذكر الله، ومن أحب أن يرتع في رياض الجنة فليكثر من ذكر الله[56].”

وفي شأن الدعاء، قال تعالى:” قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا[57]“، وقال جل وعلا:” وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[58]“.

وعن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” الدعاء مخ العبادة[59]“.

وعن صفوان بن عبد الله بن صفوان، وكان تحته الدرداء فأتاها، فوجد أم الدرداء ولم يجد أبا الدرداء، فقالت له: تريد الحج العام؟ قال: نعم، قالت: فادع الله لنا بخير، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ” دعوة المرء مستجابة لأخيه بظهر الغيب، عند رأسه ملك يؤمن على دعائه، كلما دعا له بخير، قال: آمين، ولك مثل ذلك “. ثم خرجت إلى السوق، فلقيت أبا الدرداء، فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك[60]“.

خاتمة:

كل مسلم يصوم رمضان، ولكن شتان بين من صام رمضان فانتفع، وبين من صام رمضان فإذا انتهى رمضان عن كل عمل صالح امتنع.

والفرق بين الأول والثاني تظهر في حال كل واحد منهما بعد رمضان، فالذي لا يغيره رمضان، ما انتفع برمضان، فكيف ينتفع برمضان من إذا خرج رمضان عاد كما كان؟ فمثله كمثل رجل حلب بقرة، حتى إذا امتلأ الإناء لبنا، وفرح بالذي فيه، تحركت البقرة، وأصابت الإناء برجلها فأراقته في الأرض[61]. نعوذ بالله من الخذلان.

أما المنتفع برمضان فهو من تمسك بآثاره، وظهرت عليه طول السنة أفضاله، ف” إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ[62]“. وهكذا ينتقل العبد من طاعة إلى طاعة، حتى يحقق المعنى الذي من أجله خلق، “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[63]“. والعبادة عمل مستمر لا ينقضي، لا ينبغي لك أن يحول بينك وبينها حائل إلا الموت، “وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[64]

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] سورة البقرة، الآية 183/184.

[2] سورة العنكبوت، الآية 45.

[3] سورة التوبة، الآية 103.

[4] سورة البقرة، الآية 197.

[5] سورة البقرة، الآية 183.

[6] تفسير ابن أبي حاتم.

[7] تفسير ابن كثير، ج 1، ص 44.

[8] المائدة، الآية 27.

[9] مصنف ابن أبي شيبة.

[10] قدمته على غيره لأن العبادة المتعدية، والتي فيها نفع للعباد، اعظم عند الله من العبادة القاصرة.

[11] البقرة، الآية 245.

[12] الحديد، الآية 7.

[13] المعارج، الآية 24/25.

[14] صحيح البخاري.

[15] السحاء: كثير العطاء.

[16] ينقص.

[17] صحيح البخاري.

[18] الإنسان، الآية 8/11.

[19] صحيح البخاري.

[20] مستدرك الحاكم.

[21] الحشر، الآية 9.

[22] صحيح البخاري.

[23] صحيح مسلم.

[24] سنن أبي داود.

[25] صحيح مسلم.

[26] صحيح البخاري.

[27] صحيح مسلم.

[28] صحيح ابن خزيمة.

[29] صحيح ابن خزيمة.

[30] سنن الترمذي.

[31] صحيح ابن خزيمة.

[32] صحيح ابن حبان.

[33] التوبة، الآية 18.

[34] سنن الدارمي.

[35] متفق عليه.

[36] نيل الأوطار للإمام الشوكاني ج 3 ص 151.

[37] صحيح البخاري.

[38] مصنف ابن أبي شيبة.

[39] مصنف ابن أبي شيبة.

[40] الذاريات، الآية 16/18.

[41] صحيح البخاري.

[42] شعب الإيمان للبيهقي.

[43] صحيح البخاري.

[44] البقرة، الآية 185.

[45] صحيح البخاري.

[46] المعجم الأوسط للطبراني.

[47] الفرقان، الآية 30.

[48] سنن الترمذي.

[49] صحيح مسلم.

[50] مستدرك الحاكم.

[51] صحيح ابن حبان.

[52] صحيح ابن خزيمة.

[53] الأحزاب، الآية 21.

[54] الأحزاب، الآية 41/43.

[55] مستدرك الحاكم.

[56] المطالب العالية، للحافظ ابن حجر.

[57] الفرقان، الآية 77.

[58] غافر، الآية 40.

[59] سنن الترمذي.

[60] مسند ابن أبي شيبة.

[61] هذا المثل للشيخ محمد الصواف في كتابه “الصيام”.

[62] هود، الآية 114.

[63] الذاريات، الآية 56.

[64] الحجر، الآية 99.

The post ماذا بعد رمضان؟ appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام http://bit.ly/2KhS77V
via IFTTT

زكاة الفطر؛ أحكامها ومقاصدها


via منار الإسلام http://bit.ly/2MoefQG

زكاة الفطر؛ أحكامها ومقاصدها

1- حكم زكاة الفطر:

زكاة الفطر صدقة تجب بالفطر في رمضان، وأضيفت إلى الفطر لأنها سبب وجوبها، قال الحَافِظُ ابنُ حَجَر: (أُضِيفَت الصَّدَقَةُ للفِطْرِ؛ لِكَونِهَا تَجِبُ بِالفِطْرِ مِن رَمَضَانَ)[1].

وهي واجبة على كل مسلم ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، بالسنة والإجماع؛ عـن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعا من تمر أو صاعا من شعير على كل حر أو عبد أو ذكر أو أنثى من المسلمين)[2].

وعنه أيضا أنه قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا من تمر أو صاعا من شعير على الحر والعبد، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)[3]. (والمراد هنا صلاة العيد).

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من أَقِطٍ أو صاعا من زبيب)[4].

ولها أسماء عدة وردت في نصوص شرعية، منها:

صدقة الفطر، وزكاة الفطر، وزكاة الصوم، وصدقة رمضان.

2- من أحكام زكاة الفطر:

* وقت إخراجها:

الأصل أنه؛ يندب إخراجها بعد فجر يوم العيد، ويجوز إخراج صدقة الفطر قبل يوم العيد بيوم أو يومين، كما كان يفعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، ولا يجوز أكثر من ذلك على المعتمد. وقيل يحرم تأخيرها عن يوم العيد، ولكن لا تسقط بمضي ذلك اليوم، بل تبقى في ذمته أبداً حتى يخرجها، طالما كان غنياً وقت وجوبها.

* مقدارها:

صدقة الفطر صاع عن كل شخص، والصاع أربعة أمداد، والمد حفنة ملء اليدين المتوسطتين. فالمد يساوي: 544 جراما حسب الوزن بالقمح.

والصاع يساوي بالوزن الحالي: كيلوين و176 جراما حسب الوزن بالقمح.

وإذا وجبت صدقة الفطر على المكلف ولم يكن مستطيعاً إخراج كامل الصدقة بل بعضها أخرج ذلك البعض وجوباً، لحديث أبي بكر رضي اللَّه عنه عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: (وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، فمثلاً إذا وجب عليه إخراج صدقة الفطر عن عدة أشخاص، وكان غير قادر على إخراجها عنهم جميعاً، ولكن يستطيع إخراجها عن بعضهم، فإنه يبدأ بإخراجها عن نفسه أولاً، ثم عن زوجته، ثم عن والديه الفقيرين، ثم عن ولده.

* الأصناف التي تخرج منها:

يخرج المكلف صدقة الفطر من غالب قوت أهل البلد، الذي هو أحد الأصناف التسعة التالية: القمح، الشعير، السلت، الذرة، الدخن، الأرز، التمر، الزبيب، الأقط (لبن يابس أخرج زبده)، وجمع بعضهم الثمانية الأولى في بيت فقال:

قمح شعير وزبيب سلت… تمر مع الأرز دخن ذرة

ولا يجزئ إخراجها من غير غالب هذه الأصناف التسعة، إلا إذا كانت إحداها أفضل فيندب الإخراج منها كما لو غلب اقتيات الشعير فأخرج قمحاً.

كما لا يجوز إخراجها من غير هذه الأصناف التسعة كالفول والعدس مثلا، إلا إذا فُقدت الأصناف التسعة المذكورة، واقتيت غيرها فيخرج من الغالب في الاقتيات. وإذا أراد المكلف أن يخرج صدقته من اللحم اعتبر الشبع في الإخراج، فمثلاً إذا كان الصاع من القمح يشبع اثنين لو خُبِزَ، فيجب أن يخرج من اللحم ما يشبع اثنين.

قال الحطاب: (… فإن كان أهل بلد ليس عندهم شيء من الأصناف التسعة، وإنما يقتاتون غيرها فيجوز أن تؤدى حينئذ من عيشهم، ولو كان من غير الأصناف التسعة، قال في المدونة: قال مالك: وتؤدى زكاة الفطر من القمح والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والتمر والزبيب والأقط صاع من كل صنف منها ويخرج ذلك أهل كل بلد من جل عيشهم من ذلك، والتمر عيش أهل المدينة ولا يخرج أهل مصر إلا القمح لأنه جل عيشهم إلا أن يغلو سعرهم فيكون عيشهم الشعير فيجزئهم، قال مالك: ولا يجزئ في زكاة الفطر شيء من القطنية، وإن أعطى في ذلك قيمة صاع من حنطة أو شعير أو تمر مالك ولا يجزئه أن يخرج فيها دقيقا ولا سويقا وكره مالك أن يخرج فيها تينا، وأنا أرى أنه لا يجزئه، وكل شيء من القطنية، مثل اللوبيا أو شيء من هذه الأشياء التي ذكرنا أنها لا تجزئ إذا كان ذلك عيش قوم فلا بأس به أن يؤدوا من ذلك ويجزئهم، انتهى)[5].

* إخراجها نقدا:

المشهور في المذهب المالكي عدم إخراج القيمة، قال مالكٌ: ولا يُجْزِئُهُ أَنْ يدفع في الفطرةِ ثمناً. اهـ[6]. وسئل عن الرجل لا يكون عنده قمح يوم الفطر، فيريد أن يدفع ثمنه إلى المساكين يشترونه لأنفسهم، ويرى أن ذلك أعجل؛ قال: لا يفعل ذلك، وليس كذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن رواية عيسى قال ابن القاسم: ولو فعل لم أر به بأساً.

قال محمد بن رشد: رواية عيسى هذه عن ابن القاسم خلاف رواية أبي زيد عنه بعد هذا، وقد قيل: إنها ليس بمخالفة لها، وإنما خفف ذلك[7].

لكن الجمهور على جواز إخراجها نقدا لما فيه مصلحة المزكي والمستفيد. وعملا بروح النصوص الواردة في زكاة الفطر، وخاصة الحديث الذي رأينا: أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم”. وكذلك لتؤدي المقاصد المرجوة منها.

3- مقاصدها:

شرعت زكاة الفطر لتحقيق مقاصد تربوية واجتماعية، منها:

* تجبر نقصان الصوم، فعَنْ وَكِيعٍ بْنِ الْجَرَّاحِ رحمه الله قَالَ: “زَكَاةُ الْفِطْرِ لِشَهْرِ رَمَضَانَ كَسَجْدَتِي السَّهْوِ لِلصَّلاةِ، تَجْبُرُ نُقْصَانَ الصَّوْمِ كَمَا يَجْبُرُ السُّجُودُ نُقْصَانَ الصَّلاةِ”[8]. وهي أيضا تكميـل للأجر وتنمية للعمل الصالح.

*سبـبُ الفـوز عند الله تعالى: فقد قيل هي المقصودة بقوله تعالى في سورة الأعْلَى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى[9]. رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ قَالا: أي؛ “أَدَّى زَكَاةَ الْفِطْرِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّلاةِ” (يقصد صلاة العيد).

* تطهير الصائم من اللمم؛ قد يقع الصائم في شهر رمضان ببعض المخالفات التي تخدش كمال الصوم من لغو ورفث وصخب وسباب ونظر محرم، فشرع الله عز وجل هذه الصدقة لكي تصلح له ذلك الخلل الذي حصل فيه، “عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ”[10]. وبذلك يكون صياما تام الأجر ويفرح به المسلم فرحا تاما يوم القيامة.

* إظهار شكر الله تعالى على نعمه، وعلى توفيقه بإتمام صيام شهر رمضان وما يسر من قيامه، وفعل ما تيسر من الأعمال الصالحة.

* مواساةٌ للفقراء والمساكين، وإغناء لهم من ذل الحاجة والسؤال يوم العيد.

* إطعام للمساكين والمحتاجين أيـام العيد، وبذلك تعُـم الفرحة في يوم العيد لكل الناس حتى لا يبقى أحد في هذا اليوم محتاجا إلى القوت والطعام ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم”، وفي رواية: “أغنوهم عن طواف هذا اليوم”[11].

ومعنى ذلك إغنـاء الفقير يوم العيد عن المسألة. لذلك أجاز العلماء إخراجها قبل يوم العيد بيومين أو ثلاثة، قال الإمام البغوي: (والسُّـنة أن تخرج صدقة الفطر يوم العيد قبل الخروج إلى المصلى، ولو عجَّـلها بعد دخول شهر رمضان قبل يوم الفطر يجوز، و”كان ابن عمر يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر بيومين أو ثلاثة”[12].)[13].

* تزكيةٌ للنفس وتطهيرُ لـها من داء الشح والبخل.

* زكاةٌ للنفوس والأبدان: تُـعد صدقة الفطر زكاة عن الأبدان والنفوس وقربة لله عز وجل عن نفس المسلم، أو زكاة لبدنه، وبعبارة أخرى تعبر عن شكر العبد لله عز وجل على نعمة الحياة والصحة التي أنعم الله عز وجل بها على عبده المسلم. لذلك شرعت على الكل بما فيهم الصغير والعبد والصائم والمفطر سواء أكان مفطراً بسبب شرعي أم غير شرعي.

*إشاعةٌ روح التكافل والمحبة والمودة بين أفراد المجتمع المسلم، وذلك بالإحسان إلى الفقراء، وَكَفُهـم عن السُؤال في أيــام العيد ليشارِكوا الأغنياء فِي فرحـهم يوم عيد.

نسأل الله أن يتقبل منا الصيام والقيام والزكاة، وسائر الأعمال. آمين والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]– فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ج:3 / ص:367.

[2]– رواه الإمام البخاري، كتاب: الزكاة، باب: صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين،

حديث رقم: 1504. ورواه الإمام مالك في الموطأ، كتاب: الزكاة، باب: مكيلة زكاة الفطر،

حديث رقم: 627/54.

[3]– الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه، كتاب: الزكاة، باب: صدقة الفطر، حديث رقم: 1503.

[4]-رواه الإمام البخاري، كتاب: الزكاة، باب: صدقة الفطر صاع من طعام، حديث رقم: 1506.

ورواه الإمام مالك في الموطأ، كتاب: الزكاة، باب: مكيلة زكاة الفطر، حديث رقم: 628/55.

[5] – الحطاب، مواهب الجليل، 2 / 368.

[6] – ابن رشد، النوادر والزيادات، 2 / 303

[7] – ابن رشد، البيان والتحصيل، 2 / 486.

[8]– رواه الإمام النووي في مجموع الزوائد.

[9]– سورة الأعلى، الآيتان: 14-15.

[10]– رواه أبو داود، كتاب: الزكاة، باب: زكاة الفطر، حديث رقم: 1609.

[11]– رواه الدارقطني في سننه، كتاب: “زكاة الفطر”، حديث رقم:67.

[12]– من حديث رواه الإمام مالك في الموطأ، كتاب: الزكاة، باب: وقت إرسال زكاة الفطر،

حديث رقم: 630/57.

[13]– شرح السنة للإمام البغوي، ج: 4 / ص: 44.

The post زكاة الفطر؛ أحكامها ومقاصدها appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام http://bit.ly/2MoefQG
via IFTTT

من المنتجات البديلة إلى البنوك التشاركية قراءة في التجربة المغربية


via منار الإسلام http://bit.ly/2Ki7j58

من المنتجات البديلة إلى البنوك التشاركية قراءة في التجربة المغربية

مقدمة:

يعتبر مجال المعاملات المالية من أهم المجالات التي عُني بها الفقه الإسلامي، نظرا لما يكتسيه عنصر المال من عناية وتأثير بالغين في حياة الأفراد والجماعات. والمتأمل في تراث علمائنا الأجلاء في هذا المجال يجد ضبطا دقيقا لمسائل العقود المالية تعريفا، وشرحا، وتمثيلا، وتصنيفا وتأصيلا…

     ولما كانت معاملات الناس تتأثر بمتغيرات الزمان والمكان، كان لزاما أن يواكب ذلك اجتهاد صائب من أهله وفي محله، يجيب على النوازل والقضايا الجديدة، وينقح ويعدل ما يحتاج إلى تنقيح وتعديل.

     ومن بركات جهود المخلصين من علماء هذه الأمة ومفكريها في هذا العصر “المصارف الإسلامية” أو “البنوك الإسلامية”، فبعد أن كانت فكرة تراود العقول، وأبحاثا مرقونة في الرفوف، أصبحت بفضل الله تعالى واقعا حيا، وتجربة رائدة، ونموذجا يحتذى.

فالمؤسسات المالية الإسلامية اليوم تقارب 2000 مؤسسة مالية إسلامية، وإجمالي الأصول المالية الإسلامية في مختلف أنحاء العالم وصل إلى نحو4.2 تريليون دولار سنة 2015، وبمعدل نمو يتراوح ما بين 15%  و 20% سنويا، ويتوقع أن تزيد موجودات البنوك الإسلامية على 6 تريليون دولار سنة 2020.

     ويعتبر قطاع المصارف/الأبناك الإسلامية أهم مجال استأثر بالاهتمام والعناية، نظرا لما شهده هذا القطاع من نمو وفاعلية كما وكيفا على الرغم من الأزمات الخانقة التي مرت بها المالية العالمية، وعصفت أو كادت تعصف بكبريات الأبناك التقليدية وأعرقها.

     ومما تتميز به المصارف الإسلامية كثرة وغنى منتوجاتها، وتعدد صيغها التمويلية، وواقعية أنشطتها…

أولا: البنك الإسلامي/ المفهوم والوظيفة

تكاد تجمع التعريفات على أن البنك هو “مؤسسة تقوم بالأعمال المصرفية” وأن وظيفته الأساس تتمثل في “الوساطة بين المدخرين والمستثمرين” وقد تجسدت هذه الوساطة في البنوك التقليدية في علاقة الدائنية والمديونية، حيث يكون البنك مدينا للمودعين ودائنا للمقترضين، وبالتالي ينحصر نشاط البنك التقليدي مهما تنوعت صوره وتعددت في عقد واحد ووحيد هو”القرض بفائدة”.

هذا عن البنك التقليدي، أما المصرف/ البنك الإسلامي فهو” مؤسسة مالية تقدم خدمات مصرفية واستثمارية في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية”، أو هو “مؤسسة مالية مصرفية لتجميع الأموال وتوظيفها في نطاق الشريعة الإسلامية بما يخدم بناء مجتمع متكامل، وتحقيق عدالة التوزيع، ووضع المال في المسار الإسلامي”.ويعتمد المصرف مبدأ المشاركة في الأرباح والخسائر بالإضافة إلى المشاركة في الجهد من قبل المصرف والمتعامل، وتتجلى الوساطة التي يقوم بها المصرف الإسلامي في الخدمات المصرفية والأنشطة الاستثمارية. وبهذه الوساطة يتميز المصرف الإسلامي عن غيره من المؤسسات المالية وتحديدا الشركات الصناعية والتجارية والزراعية.

ثانيا: طبيعة المعاملات في المصرف الإسلامي

يقدم المصرف الإسلامي خدمات مصرفية كثيرة كما يقوم بأنشطة استثمارية متنوعة ويمكن حصر معاملاته في نوعين، هما: الخدمات المصرفية / الأنشطة الاستثمارية.

أ ـ الخدمات المصرفية:

* خدمات مصرفية تتضمن عمليات ائتمانية، وهذه الخدمات لها ارتباط وثيق بالأنشطة والعمليات الاستثمارية.

* خدمات مصرفية لا تتضمن عمليات ائتمانية ومن ذلك:

‑ الاعتمادات المستندية (الاستيراد والتصدير)

‑ خطابات الضمان.

‑ الأوراق التجارية (الشيكات، الكمبيالات…)

‑ الأوراق المالية (الأسهم / الصكوك)

‑ الصرف الأجنبي (بيع وشراء العملات)

‑ البطاقات الائتمانية (بطاقة الفيزا…)

‑ الحوالات.

‑ الحسابات الجارية.(ودائع تحت الطلب)

ب – عمليات استثمارية:

وتشمل جذب الودائع وتنميتها إما عن طريق الاستثمار المباشر، وإما عن طريق الاستثمار غير المباشر بتوفير التمويل للمستثمرين.

وعموما يمكن القول بأن المعاملات التي يجريها المصرف الإسلامي تنضوي تحت دائرة عقود المعاوضات وتحديدا عقود البيع وعقود الشركات. وهذه العقود قد نظمتها الشريعة الإسلامية بقيم وضوابط عقدية وتشريعية.

ثالثا: البنوك التشاركية في المغرب/ السياق والرهانات

أ ـ السياق والرهانات

     يعتبر المغرب من الدول المتأخرة جدا في اعتماد المصرفية الإسلامية على الرغم من توفره على كل العوامل المالية والبشرية التي يمكنها إنجاح التجربة، ولعل ذلك يعود لأسباب متداخلة، منها الاقتصادي المرتبط بالريع المتحكم في القطاع البنكي بالمغرب (لوبيات المال)، والذي لا يريد المغامرة والمخاطرة بمصالحه.

ومنها السياسي المرتبط بخصوم المشروع الإسلامي وأعدائه الحريصين على عدم التمكين لـ” أسلمة الاقتصاد” خوفا من المطالبة بـ “أسلمة” باقي المجالات. أضف إلى ذلك أسبابا أخرى مرتبطة بطبيعة الإطار القانوني “الوضعي” السائد في البلد المشرعن للربا، وكذا إقصاء وتهميش الاقتصاد الإسلامي ومباحثه من المنظومة التربوية والبحث العلمي، ومن النقاش العام في وسائل الإعلام.

لقد شكلت المصرفية الإسلامية مطلبا ملحا للسواد الأعظم من المجتمع المغربي الحريص على “الحلال”، ولبعض الهيئات المدنية والأكاديمية والسياسية، وكانت البداية من مجهودات فردية بذلها بعض الأساتذة المتخصصين في الاقتصاد وفقه المعاملات المالية في الجامعات المغربية، لتنتقل تدريجيا إلى المجتمع من خلال لقاءات ومحاضرات وندوات احتضنتها مدن مختلفة، ليتطور الأمر إلى الإعلان عن تأسيس إطار موحد تمثل في “الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في الاقتصاد الإسلامي” سنة 1987، والتي شكلت فضاء ملائما للتأطير والعمل من أجل المصرفية الإسلامية.

وبعد أزيد من عقدين من المطالبة جاءت دعوة المشرع المغربي إلى اعتماد “البنوك التشاركية” في سياق محلي ودولي يمكن رصد أهم سماته في ما يلي:

على الصعيد الدولي:

  • بعد الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 2008 وانهيار اقتصاديات كثيرة (اليونان، إسبانيا، إيطاليا…) وإفلاس بنوك عريقة عديدة (بنك ليمان برادرز في الولايات المتحدة الأمركية…) تعالت الأصوات واتجهت الأنظار نحو المالية الإسلامية عموما والصيرفة الإسلامية خصوصا.(مجموعة من الدول الغربية أدخلت التعاملات المالية الإسلامية في قوانينها: فرنسا، بريطانيا…)

على الصعيد المحلي:

  • تلبية رغبات فئات عريضة من الشعب المغربي (كشفت دراسة حديثة لمؤسسة الاستشارات المتخصصة في التمويلات الإسلامية المعروفة اختصارا ب”إيفاس” أن 97% مهتمون بالخدمات المالية الإسلامية، و70% مستعدون للانخراط فيها إذا اطمأنوا أنها تتوافق مع الشريعة الإسلامية.)
  • رفع نسبة البنكنة أو الاستبناك La bancarisation (أزيد من ثلاثة أرباع المغاربة لا يلجون إلى الخدمات البنكية، ويقدر عدد المنخرطين حاليا بـ 6 ملايين منخرط ،بنسبة 18%، كما أن 20% من المقاولات المغربية لا تتعامل مع الأبناك لأسباب مبدئية، و 19% منها مستعدة لتحويل تعاملها من البنوك التقليدية إلى البنوك الإسلامية)
  • جلب المدخرات المحلية المعطلة (30 مليار درهم)
  • جلب أموال الجالية المودعة في البنوك الأجنبية (38 مليار درهم)
  • جلب رؤوس أموال خليجية (تقدر في 400 مليار دولار)

رابعا: التجربة المغربية/ من المنتجات البنكية البديلة إلى البنوك التشاركية

أ ـ المنتجات البنكية البديلة:

صدرت توصية والي بنك المغرب المتعلقة بالمنتجات البنكية البديلة بتاريخ فاتح شتنبر 2007 ودخلت حيز التنفيذ في فاتح أكتوبر من نفس السنة.

ثم تم الترخيص لمؤسسة “دار الصفاء” التابعة لمجموعة ” التجاري وفا بنك” بتاريخ 13 ماي 2010.

وقد اقتصرت دورية بنك المغرب رقم 33/و/2007 على اعتماد ثلاث منتجات فقط يأتي على رأسها منتوج “المرابحة” الذي عملت الدورية على تنظيمه في خمس مواد من المادة 9 إلى 13 ، حيث حددت المقتضيات الواجب تحديدها في عقد المرابحة والإجراءات التي يمر منها إبرام هذا العقد، وكذا الشروط العامة التي تنظم العلاقات التي تنتج عنه.

وإلى جانب المرابحة عملت الدورية على تنظيم منتوج الإجارة في المواد من 1 إلى 4، حيث قسمت الإجارة البنكية إلى صورتين هما الإجارة البسيطة أطلقت عليها “الإجارة التشغيلية” والإجارة المركبة سمتها “إجارة واقتناء”.

وبالإضافة إلى المنتوجين السابقين نظمت دورية بنك المغرب منتوج ” المشاركة” إلا أنه لم ير النور على أرض الواقع نظرا لصعوبات تسويقه من داخل منظومة البنوك التقليدية، حيث جاء هذا المنتوج للسماح للبنوك المغربية في الدخول في مشاركات مع البنوك الإسلامية أو المؤسسات الخليجية المستثمرة بالمغرب لتمكينها من مواصلة الاستثمار وتجنيبها السقوط في المحظور وهو التعامل بالربا، وقد نظمت دورية بنك المغرب المشاركة في المواد من 5 إلى 8  وجعلت لها صيغتين هما المشاركة الثابتة والمشاركة المتناقصة.

ب ـ البنوك التشاركية: المفهوم والصيغ المعتمدة

صدر مشروع قانون مؤسسات الائتمان رقم 34.03 لشهر غشت 2012، و خصص المواد من 52 إلى 73  للبنوك التشاركية.

وعرف مشروع القانون البنكي، البنوك التشاركية بأنها الأشخاص المعنوية المؤهلة لمزاولة أنشطة مؤسسات الائتمان والمتمثلة في:

  • تلقي الأموال من الجمهور، بما في ذلك الودائع الاستثمارية.
  • عمليات الائتمان.
  • وضع جميع وسائل الأداء رهن تصرف العملاء أو القيام بأدائهما بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة.
  • بالإضافة إلى مزاولة العمليات التجارية والمالية والاستثمارية، باستثناء كل عملية تعامل بالفائدة أخذا وعطاء.

كما عرف باقتضاب بأهم صيغ تمويل البنوك التشاركية لعملائها والمتمثلة أساسا في المرابحة والإجارة والمشاركة والمضاربة. فاسحا المجال أمام باقي الصيغ التمويلية الأخرى التي لا تتعارض مع أحكام الشرعية بعد أن تتحدد مواصفاتها التقنية وكيفية تقديمها للعملاء، بمنشور يصدره والي بنك المغرب بعد استطلاع رأي لجنة الشريعة للمالية ولجنة مؤسسات الائتمان.

مشاركة:

  • ويقصد بالمشاركة كل عقد يكون الهدف منه اشتراك مؤسسة الائتمان بمساهمة في رأسمال شركة موجودة أو قيد الإنشاء من أجل تحقيق الربح.
  • يشارك الطرفان في تحمل الخسائر في حدود مساهمتهما وفي الأرباح حسب نسب محددة مسبقا بينهما.

يمكن للمشاركة أن تتخذ إحدى الصيغتين التاليتين:

  • المشاركة الثابتة: حيث تبقى مؤسسة الائتمان والعميل شريكين داخل الشركة إلى حين انقضاء مدة العقد.
  • المشاركة المتناقصة: حث تنسحب مؤسسة الائتمان من رأسمال الشركة تدريجيا حسب مقتضيات العقد.

إجارة:

  • ويقصد بالإجارة كل عقد تضع من خلاله المؤسسة البنكية عقارا أو منقولا في ملكيتها، على سبيل الكراء، لفائدة زبونها من أجل استعماله لغرض لا يتعارض مع القانون، وينقسم هذا المنتوج إلى صنفين، «الإجارة التشغيلية»، التي تعتبر بمثابة كراء عادي و « إجارة واقتناء» التي يلتزم من خلالها المكتري باقتناء المنتوج بعد مدة تحدد باتفاق بين المؤسسة البنكية والمستفيد من عقد إجارة واقتناء. 

مرابحة:

  • يقصد بالمرابحة كل عقد بين البنك التشاركي والزبون يقتني بموجبه الطرف الأول منتوجا منقولا أو عقارا ويعيد بيعه للزبون، مقابل قيمة الاقتناء مع إضافة هامش الربح يتم الاتفاق حوله مسبقا. ويؤدي الزبون المبلغ عبر أقساط يتوافق بشأنها.

مضاربة:

  • يقصد بالمضاربة كل عقد تنشأ عنه علاقة بين المؤسسة البنكية باعتبارها «رب المال» التي توفر الموارد المالية، ومقاول، الذي يطلق عليه اسم « المضارب» الذي يساهم بجهده من أجل إنجاز مشروع معين. ويتحمل الأخير المسؤولية الكاملة في تدبير وتتبع المشروع، ويتقاسم الطرفان الأرباح وفق نسب تحدد بتوافق بينهما، في حين يتحمل رب المال لوحده الخسارة، باستثناء إذا كانت بسبب احتيال من طرف المضارب.

ملاحظات عامة:

يلاحظ على توصية بنك المغرب المتعلقة بالمنتجات البديلة لسنة 2007 ما يلي:

  • ضعف الإطار القانوني المنظم للمنتجات البديلة.
  • غياب الرقابة الشرعية اللازمة.
  • تسويق المنتجات البديلة والدعاية لها بشكل محتشم ومغرض.
  • ارتفاع التكلفة الجبائية للمنتجات البنكية البديلة.
  • غلاء المنتوجات البنكية البديلة مقارنة بالمنتجات الربوية.

جدول يبين غلاء المنتوجات البديلة مقارنة بالمنتجات الربوية في تجربة المنتجات البديلة:

استنادا على المعطيات الرسمية الصادرة عن مؤسسة “التجاري وفا بنك”،  في مذكرة رقم 172/07 بتاريخ 9 أكتوبر 2007: فإن تكلفة القرض السكني بفائدة وتكلفة تمويل السكن عبر المنتجات البديلة، علما أن مدة التمويل هي 20 سنة أي 240 شهرا، هي كالتالي:

 

ثمن السكن الممول

قيمة القسط الشهري

القرض السكني بفائدة

مفتاح الخير/ مرابحة

مفتاح الفتح/ إجارة واقتناء

100 ألف درهم

779 درهم

860 درهم

922 درهم

300 ألف درهم

2337 درهم

2581 درهم

2766 درهم

500 ألف درهم

3895 درهم

4302 درهم

4610 درهم

 

كما يلاحظ على القانون الجديد للبنوك التشاركية لسنة 2012 ما يلي:

  • طغيان التعميم وغياب التفاصيل.
  • غياب أي إشارة إلى المعايير المحاسباتية الخاصة بالبنوك التشاركية.
  • غموض حول عمل هيآت المطابقة والرقابة.
  • عدم ملاءمة الإطار التشريعي والتنظيمي مع عمليات البنوك التشاركية (المدونة العامة للضرائب، ومدونة التأمينات…)
  • الغلاء وارتفاع تكلفة الخدمات المقدمة.
  • الحاجة إلى تحرير القول في بعض فروع العقود المعتمدة، كالقول بإلزامية الوعد في المعاوضات، والبيع الصوري، والتأمين التجاري…

وعموما تعتبر هذه التجربة بارقة أمل، وخطوة أولى لتصحيح المسار، تحتاج إلى التقييم والتقويم، لتؤتي ثمارها وترفع الإصر عن الناس وتخلصهم من ربقة الربا المقيت.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

 

The post من المنتجات البديلة إلى البنوك التشاركية قراءة في التجربة المغربية appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام http://bit.ly/2Ki7j58
via IFTTT

الطاعات التي تفعل في يوم عيد الفطر

يعتبر شهر رمضان زمنا استثنائيا للاجتهاد في التعبد والإقبال على الله تعالى، حتى إذا انقضى الشهر تجلى الله تعالى بمزيد عطاءه على العباد، فكان يوم العيد هو يوم الجائزة، فعن سعيد بن أوس الأنصاري، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” إذا كان يوم الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق، فنادوا: اغدوا يا معشر المسلمين إلى رب كريم يمن بالخير، ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم، وأمرتم بصيام النهار فصمتم، وأطعتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلوا، نادى مناد: ألا إن ربكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة، ويسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة[1]“.

وقد كان لأهل المدينة يومان في الجاهلية يلعبون فيهما، فأبدلهما الله عز وجل بخير منهما، فعن أنس بن مالك أنه قال: ” كان لأهل المدينة في الجاهلية يومان من كل سنة يلعبون فيهما، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ” كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيرا منهما: يوم الفطر، ويوم النحر[2]“. وبقي ذلك للمسلمين ما بقيت السماوات والأرض.

وقد جاء كل يوم من هذين اليومين عقب عبادة عظيمة، فعيد الفطر عقب صيام رمضان، وعيد الأضحى في أيام الحج، وفي ذلك إشارة إلى أن الاحتفال، والفرح الحقيقي إنما يكون بطاعة الله عز وجل والقرب منه، قال تعالى: ” قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[3]“.

وقد شرع رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الفطر جملة من الطاعات، التي يظهر بها المؤمن انتماءه لجماعة المسلمين، وصدقه مع الله تعالى، وقنوته الدائم بين يدي الكريم الوهاب، نذكر أهمها فيما يلي:

أولا: إخراج زكاة الفطر

إن المسلمين أمة واحدة، متضامنة، ينبغي أن يعمها الفرح، كما يوحدها القرح، ولذلك كان أول ما يجب على المسلم في عيد الفطر هو إخراج زكاة الفطر، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ” فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة[4]“.

ففي هذا الحديث دليل على وجوبها على المرء، يخرجها عن نفسه، وعلى من تجب عليه نفقتهم، وهم: الزوجة، والأولاد الصغار[5]، والوالدان إذا كانا فقيرين.

كما أن الحديث بين مقدار الزكاة، وهو صاع[6] من غالب قوت أهل البلد، والصاع أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم، ويجوز إخراجها نقدا، لأنه أنفع للناس في زمننا هذا.

ولها وقت محدد يجب عدم تجاوزه، وهو كما ورد في الحديث قبل خروج الناس إلى الصلاة، فإن قدمت بيومين أو ثلاث فلا بأس، فعن نافع أن عبد الله بن عمر كان ” يبعث بزكاة الفطر إلى الذي تجمع عنده قبل الفطر، بيومين أو ثلاثة[7]“.

ولا يسقط وجوبها بالصلاة، بل تبقى في ذمة المكلف حتى يخرجها، ولو من بعد الصلاة، فعن مالك أنه ” رأى أهل العلم يستحبون أن يخرجوا زكاة الفطر إذا طلع الفجر من يوم الفطر، قبل أن يغدوا إلى المصلى” قال مالك: ” وذلك واسع إن شاء الله، أن تؤدى قبل الغدو من يوم الفطر وبعده[8]“.

في يوم العيد ينبغي أن يعم الفرح والسرور، وأن يتفرغ المؤمن للصلاة، والذكر، والدعاء، وذلك يتطلب أن يكون المؤمن حائزا لقوت ذلك اليوم، قد أغناه إخوانه عن السؤال، وسدوا خلته بما منحوه من زكاة الفطر، فعن ابن عمر قال: كنا نؤمر أن نخرجها قبل أن نخرج إلى الصلاة، ثم يقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المساكين إذا انصرف، وقال: ” أغنوهم عن الطواف في هذا اليوم[9].”

وللمرء أن يقسم زكاته بين مجموعة من المساكين، كما له أن يعطيها كاملة لمسكين واحد.

كما أن زكاة الفطر تجمع بين كونها طهرة للصائم، وطعمة للمساكين، فعن ابن عباس قال: ” فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات[10]“.

وتدفع زكاة الفطر لكل مسلم فقير، لا يملك قوت عامه، ولا تعطى لكافر.

ثانيا: الأكل قبل الخروج للصلاة

في يوم العيد يكون المؤمن – بعد أن قضى شهر رمضان صائما – في ضيافة الكريم الوهاب، ولذلك لا يحل له الصيام في ذلك اليوم، بل يسن له الفطر قبل الذهاب للصلاة، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أنس بن مالك قال: ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ” وقال مرجأ بن رجاء، حدثني عبيد الله قال: حدثني أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ” ويأكلهن وترا[11]“، ففي هذا الحديث ثلاث سنن، هي: الفطر قبل الخروج للصلاة، وأن يكون الفطر بتمرات، وأن يكون وترا.

ثالثا: الغسل ولبس أجمل الثياب

يستحب الغسل ليوم الفطر والأضحى لما روي عن ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ” يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى[12]“، وعن عبد الرحمن بن عقبة بن الفاكه، عن جده الفاكه بن سعد – وكانت له صحبة -، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” كان يغتسل يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم الفطر، ويوم النحر.” قال: ” وكان الفاكه بن سعد، يأمر أهله بالغسل في هذه الأيام[13]“. ورغم أن أحاديث الغسل في العيدين ضعيفة إلا أن هناك آثارا جيدة عن الصحابة. ف” ثبت عن ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة، أنه كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه ” فعن نافع، أن عبد الله بن عمر كان” يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى[14]“.

كما يستحب لبس أجمل الثياب، فالتزين في ذلك اليوم من هديه صلى الله عليه وسلم، قال ابن القيم:” وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه فكان له حلة يلبسها للعيدين والجمعة، ومرة كان يلبس بردين أخضرين، ومرة بردا أحمر[15]“.

رابعا: الخروج للصلاة

يستحب الخروج لصلاة العيد خارج المسجد إلا لعذر من مطر، حتى الحيض يخرجن يحضرن الخير، ودعوة المؤمنين، فعن حفصة قالت: كنا نمنع عواتقنا أن يخرجن في العيدين، فقدمت امرأة، فنزلت قصر بني خلف، فحدثت عن أختها، وكان زوج أختها غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة، وكانت أختي معه في ست، قالت: كنا نداوي الكلمى، ونقوم على المرضى، فسألت أختي النبي صلى الله عليه وسلم: أعلى إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج؟ قال: ” لتلبسها صاحبتها من جلبابها ولتشهد الخير ودعوة المسلمين”، فلما قدمت أم عطية سألتها، أسمعت النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: بأبي، نعم، وكانت لا تذكره إلا قالت: بأبي، سمعته يقول: ” يخرج العواتق وذوات الخدور، أو العواتق ذوات الخدور، والحيض، وليشهدن الخير، ودعوة المؤمنين، ويعتزل الحيض المصلى”، قالت حفصة: فقلت الحيض؟ فقالت: أليس تشهد عرفة، وكذا وكذا[16]“.

خامسا: الصلاة قبل الخطبة

صلاة العيد سنة مؤكدة لا يليق بمؤمن ولا مؤمنة التخلف عنها، فإذا خرج الإمام إلى المصلى، كان أول شيء يبدأ به الصلاة قبل الخطبة، فعن جابر بن عبد الله قال: ” إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة[17]“.

وتؤدى صلاة العيد من غير أذان ولا إقامة، لأن الأذان والإقامة من خواص الفرائض، ولما ورد عن ابن عباس أنه أرسل إلى ابن الزبير في أول ما بويع له ” إنه لم يكن يؤذن بالصلاة يوم الفطر، إنما الخطبة بعد الصلاة[18]“.

وعن أبي سعيد الخدري قال: ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول شيء يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف، فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم، ويوصيهم، ويأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه، أو يأمر بشيء أمر به، ثم ينصرف” قال أبو سعيد: ” فلم يزل الناس على ذلك حتى خرجت مع مروان – وهو أمير المدينة – في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه، فجبذني، فارتفع، فخطب قبل الصلاة”، فقلت له: غيرتم والله، فقال أبا سعيد: ” قد ذهب ما تعلم”، فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: ” إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة[19]“.

ومن السنة أيضا عدم التنفل قبل صلاة العيد، ولا بعدها، إذا كانت الصلاة في المصلى، فعن ابن عباس: ” أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوم الفطر ركعتين لم يصل قبلها ولا بعدها، ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة، فجعلن يلقين تلقي المرأة خرصها وسخابها[20].”

من سنن العيد أن يكبر الإمام قبل القراءة سبع تكبيرات بتكبيرة الإحرام في الركعة الأولى، وخمس تكبيرات من غير تكبيرة القيام في الركعة الثانية، فعن نافع مولى عبد الله بن عمر أنه قال: شهدت الأضحى والفطر مع أبي هريرة ” فكبر في الركعة الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الآخرة خمس تكبيرات قبل القراءة”، قال مالك: “وهو الأمر عندنا[21]“. ويقرأ الإمام في الركعة الأولى على جهة الاستحباب بسبح اسم ربك الأعلى، وفي الثانية بهل أتاك حديث الغاشية، لما ورد عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم “أنه كان يقرأ في صلاة العيد بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية[22]“.

ويستحب لمن فاتته صلاة العيد مع الإمام أن يصليها فذا، على هيئتها التي تفعل بها مع الإمام، قال مالك: في رجل وجد الناس قد انصرفوا من الصلاة يوم العيد: ” إنه لا يرى عليه صلاة في المصلى، ولا في بيته، وإنه إن صلى في المصلى، أو في بيته لم أر بذلك بأسا، ويكبر سبعا في الأولى قبل القراءة، وخمسا في الثانية قبل القراءة[23]“.

سادسا: عدم العود من نفس الطريق

كان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج لصلاة العيد من طريق، ويرجع من آخر، فعن ابن عمر، ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى العيدين من طريق، ويرجع من طريق أخرى[24]“.

ولأن أفعاله صلى الله عليه وسلم لا تخلوا من حكمة، فقد اختلفت أقوال العلماء فيها “فقيل: ليسلم على أهل الطريقين، وقيل: لينال بركته الفريقان، وقيل: ليقضي حاجة من له حاجة منهما، وقيل: ليظهر شعائر الإسلام في سائر الفجاج والطرق، وقيل: ليغيظ المنافقين برؤيتهم عزة الإسلام وأهله وقيام شعائره، وقيل: لتكثر شهادة البقاع، فإن الذاهب إلى المسجد والمصلى إحدى خطوتيه ترفع درجة، والأخرى تحط خطيئة حتى يرجع إلى منزله، وقيل: وهو الأصح: إنه لذلك كله، ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله عنها[25]“.

سابعا: التصافي والتزاور

يوم العيد هو يوم فرح بالله، وسرور بنعمه جل وعلا،  وهذا الفرح والسرور لا يتم إلا بالابتعاد عن المنغصات وتجنب الأكدار، وأكبر ما ينغص على العبد حياته، ويكدر عليه صفو أيامه، ما يحمله في قلبه من بغضاء، وأحقاد، فعلى المؤمن العاقل أن يطهر نفسه من نجاسة الأحقاد، وقذارة البغضاء، حتى تصفو نفسه، ويطمئن قلبه، ويرقى لأن يكون من خيار الناس، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قلنا يا رسول الله، من خير الناس؟ قال: “ذو القلب المخموم، واللسان الصادق“، قلنا: فقد عرفنا الصادق، فما ذو القلب المخموم؟ قال: “هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا حسد“، قلنا: فمن على أثره؟ قال: “الذي يشنأ[26] الدنيا ويحب الآخرة“، قالوا: ما نعرف هذا فينا إلا رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن على أثره قال: “مؤمن في خلق حسن“، قالوا: أما هذه فإنها فينا[27].”

فترك حظوظ النفس، ووهب العرض لله تعالى بعدم الانتقام للنفس، مقام رفيع، ومكانة سنية، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرض أصحابه على طلبها، والسعي إليها، فعن أنس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم“؟ قالوا: من أبو ضمضم يا رسول الله؟ قال: ” كان إذا أصبح قال: اللهم إني قد وهبت نفسي وعرضي لك، فلا يشتم من شتمه، ولا يظلم من ظلمه، ولا يضرب من ضربه[28]“.

كما على المؤمن والمؤمنة أن يحرص في يوم العيد على صلة رحمه، وزيارة أقاربه، يريد بذلك وجه الله تعالى ووصله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم، فأخذت بحقو الرحمن، فقال له: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصل، وأقطع من قطعك، قالت: بلى يا رب، قال: فذاك“، قال أبو هريرة: “اقرءوا إن شئتم: فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم[29]“.

وفي الحديث عن صلة الرحم، هناك أمران على المؤمن والمؤمنة تجنبهما:

الأول: ما اعتاد الناس قوله من: لا أزور فلان لأنه لا يزورني، أو علي زيارة فلان لأنه يزورني، فالأصل في الزيارة أن تكون خالصة لله تعالى، لا مكافأة، فعن عبد الله بن عمرو: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها[30]“.

الثاني: بعض الناس إذا زار أهل رحمه تعرض لأذاهم، وقد يدفعه ذلك إلى العزم على قطيعة رحمه، وهذا مما لا ينبغي، لأن الصبر على الأذى زيادة في الأجر، فعن أبي هريرة، أن رجلا قال: يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: “لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المل[31]، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك[32]“.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] المعجم الكبير للطبراني.

[2] أحكام العيدين للفريابي.

[3] سورة يونس، الآية 58.

[4] صحيح البخاري.

[5] البنات حتى يتزوجن، والذكور حتى البلوغ.

[6] حوالي اثنين كيلو ونصف.

[7] موطأ مالك.

[8] موطأ مالك.

[9] الأموال لابن زنجويه.

[10] سنن أبي داود.

[11] صحيح البخاري.

[12] سنن ابن ماجه.

[13] مسند أحمد.

[14] موطأ مالك.

[15] زاد المعاد، ج 1، ص 425/426.

[16] صحيح البخاري

[17] صحيح البخاري.

[18] صحيح البخاري.

[19] صحيح البخاري.

[20] صحيح البخاري.

[21] موطأ مالك.

[22] مسند البزار.

[23] موطأ مالك.

[24] مسند أحمد.

[25] زاد المعاد، ج 1، ص 432/433.

[26] يشنأ بمعنى يبغض الدنيا.

[27] شعب الإيمان للبيهقي.

[28] عمل اليوم والليلة لابني السني.

[29] صحيح البخاري.

[30] صحيح البخاري.

[31] التُّرابُ الحارُّ والرَّمادُ أَو الجمرُ يُخبَزُ أو يُطبَخُ عليه، أو فيه.

[32] صحيح مسلم.

The post الطاعات التي تفعل في يوم عيد الفطر appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام http://bit.ly/2W4e1xF
via IFTTT

الطاعات التي تفعل في يوم عيد الفطر


via منار الإسلام http://bit.ly/2W4e1xF

في جماليات الإحساس بصيام شهر رمضان وجلالياته


via منار الإسلام http://bit.ly/2HOszh1

في جماليات الإحساس بصيام شهر رمضان وجلالياته

الصيام تتبع لسنن من كان قبلنا من الصالحين[1]، وربطٌ للاحِق هذه الأمة بسابقها، وانخراط في سلسلة النور الممتدة عبر الزمان، زاده القرآن الكريم جمالا وجلالا في تقديمه في أبهى حلة وأعظم منظر بقوله سبحانه: ﴿ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ[2]، الصيام عبادة جماعية موحدة بين جميع العباد ما عدا ذوو الأعذار، وعند القيام بهذا الركن من أركان الإسلام تستشعر أبلغ الجمال والجلال، فهي أيام معدودات – تعدل صيام الدهر- يستلذها من له ذوق خاص لينغمس بكليته في التقرب إلى الله بالنفل من هذا الركن، يقول ابن جزي رحمه الله: “والقصد بقوله: “كما كتب على الذين من قبلكم” وبقوله تعالى: “أياما معدودات“: تسهيل الصيام على المسلمين، وكأنه اعتذار عن كتبه عليهم، وملاطفة جميلة”[3]، فعلا هو اعتذار عن كتْبِه عليهم من المسلمين، أما المؤمنون فيزدادون بهذه العبادة إيمانا إلى إيمانهم، ويزيدهم الصيام تقربا من الجلال وتطهُّرا من الطينية، وتعلقا بالربوبية.

ومن الإحساس بهذه الجمالية في الصوم أنه لا يخرج العباد عن حدود بشريتهم، إذ ذكرهم القرآن الكريم بهذه الخاصية التي اختصوا بها – ولو شاء الله لخلقهم على غير تلك الهيأة لفعل- ووجههم بأن يمارسوا ما يربطهم بالجانب الطيني كما يشاؤون، وأنه حق لهم بقوة التنزيل الذي يقول: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون[4] فحتى الاختيان معفو عنه، فجمالية أداء عبادة الصيام أرادها المولى جل وعز خالصة بدون شائبة أو التفات أو حرج.

ومن الإحساس بهذه الجمالية في الصوم أن تجد الآباء يحفزون أبناءهم الصغار عن صوم الأيام المباركة من هذا الشهر، وكله شهر مبارك، وتجدهم يحفزونهم عن صوم نصف يوم لكي يستشعروا الجمالية الخاصة بهذه العبادة الجمّة.

أما عند الحديث عن الإحساس بجلالية الصوم فالشهر كله جلال وتقرب، وما تصفيد الله تعالى للشياطين إلا ليُطلع عباده عن هذه الجلالية، وفقط في هذا الشهر يحصل هذا العرض من المولى وهذا الإقبال من العباد إليه ليوفي المتبتلين من عباده في هذا الشهر الجزاء والفضل الكبير، فالشهر بلياليه وأيامه لله تعالى من أجل أن يطهِّر عباده، جميع عباده.

ومن الإحساس بجلالية الصوم التي ذكرها القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون[5] تكبير لله عز وجل على شكر نعمه التي وهبها لخلقه بصوت واحد وبحنجرة واحدة تنادي بألِظُّوا يا ذا الجلال.

وإذا كنت بصدد حديثي عن الجمال والجلال في الصيام، فإنه والقرآن قرينان لا ينفك أحدهما عن الآخر، يقول الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون[6] وقوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْر[7] فقد نال هذا الشهر الكريم هذه المكرمة العظيمة، وهذه المنحة الجليلة، إنه الزمن الذي اجتباه الله تعالى ليجعله ظرفا لإنزال الهدى والنور، من عالم الأسرار إلى عالم الناس.

“أجل، ففي هذا الشهر أشرقت شمس القرآن على العالم، ونزل جبريل ملك الوحي على قلب الرسول الكريم بأيات الله الندية على قلب الرسول الحبيب، لينطلق كالغيث ناشرا النور والخير في الأرض، بعد أن كانت مظلمة مقفرة، فحري بهذا الشهر وبهذه العبادة أن تكون منبع الجمال، فقد أودع فيها من أسرار ذي الجلال، ما تندك من شدة أنواره الجبال”[8].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1]– إشارة إلى قوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون”.

[2]– سورة البقرة الآية 186.

[3]– التسهيل لعلوم التنزيل لأبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي (المتوفى: 741هـ) تحقيق الدكتور عبد الله الخالدي، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم – بيروت، ط 1/ 1416 هـ، ج 1 ص 97.

[4]– سورة البقرة الآية 186.

[5]– سورة البقرة الآية 184.

[6]– سورة البقرة الآية 184.

[7]– سورة القدر الآية 1.

[8]– القرآن الكريم والدعوة إلى تنمية الحس الجمالي للدكتور سعيد بن أحمد بوعصاب، مطبعة ليتوغراف طنجة، ط 1/2012. ص 90.

The post في جماليات الإحساس بصيام شهر رمضان وجلالياته appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام http://bit.ly/2HOszh1
via IFTTT

خطاب الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي

خطاب الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي  

الدم والتربة: كيف يدمر خطاب الكراهية الخطاب السياسي؟

مارتن لينج ، 7 سبتمبر ، 2018

ترجمة: د. سعيد سلمان الخواجة

المصدر: https://www.euractiv.com/section/digital/opinion/blood-and-soil-how-hate-speech-is-destroying-political-discourse/

مارتن لينج هو منسق الاتصالات لمجلس الكويكر للشؤون الأوروبية (QCEA) ، ومقره بروكسل. تدافع QCEA عن بناء السلام وحقوق الإنسان في أوروبا نيابة عن عشرات الآلاف من الكويكرز في جميع أنحاء القارة. نشرت المجموعة مؤخرًا تقريرًا بعنوان خطاب الكراهية ضد المهاجرين ، والذي يحتوي على مزيد من المعلومات حول مبادرات المجتمع المدني الممتازة التي تعمل على معالجة كراهية الأجانب عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

إن مثل هذا الكراهية يجلب إلى الذهن أسوأ فصول التاريخ البشري.

وفي الواقع، ففي أوروبا مثلا، فإن مثل هذه المواقف الغاضبة والخوف ليست جديدة – وقد استخدمت مرارًا وتكرارًا لخدمة الديماغوجيين والديكتاتوريين. وهم الشرارة التي أشعلت آلاف المذابح. إنهم يمهدون الحجارة على الطريق إلى أوشفيتز.

ولذلك، فمن المحزن رؤية مثل هذه الكلمات على صفحات Facebook و Twitter – إنها أدوات الانفتاح والحوار الحديثة في خدمة التحيز القديم المتعب. ليس فقط لأنهم يذكروننا بأسوأ الإنسانية ، ولكن لأن كلمات كهذه لها عواقب وخيمة.

 استخدام Facebook الألمانية مرتبط بعنف اللاجئين كما يعزز وجود هذا الخطاب من خلال وسائل التواصل الاجتماعي

كشفت الأبحاث المنشورة مؤخرًا عن أوجه التشابه بين نشرات Facebook التي تغذيها الكراهية وزيادة الهجمات ذات الدوافع العنصرية على اللاجئين في ألمانيا، مع وجود مواد من صفحة حزب German Alternative für Deutschland (AfD) تحت الأضواء.

وقد تم توضيح ذلك بشكل صارخ من خلال بحث جديد أبرزته مجلة EurActiv في أغسطس. وقد وجد ارتباطًا بين حالات تعليقات كراهية الأجانب على وسائل التواصل الاجتماعي والعنف الواقعي الذي يستهدف اللاجئين والمهاجرين.

وهذا يشمل الحوادث الأكثر شيوعًا من حيث الأضرار التي لحقت بمساكن اللاجئين، والاعتداءات عليهم، والمظاهرات المناهضة للاجئين، والهجمات المتعمدة.” وبينما ركز هذا التحليل الخاص على ألمانيا، إلا أن المشكلة الحقيقية تتجلى في أوروبا.

وهذا يطرح السؤال التالي: هل يجب أن تكون الاستجابة أوروبية أيضًا؟ للأفضل أو للأسوأ؟ يرتبط الاتحاد الأوروبي ارتباطًا وثيقًا بسياسة الهجرة،  وبالنظر إلى الخطاب السياسي الحالي “الدم والتربة” في العديد من الدول الأعضاء فيه، لا يمكن لبروكسل الاعتماد على بعض العواصم الوطنية لمعالجة خطاب الكراهية بجدية صادقة. وقد اتخذ الاتحاد الأوروبي بالفعل بعض الخطوات الأولية نحو معالجة هذه القضية.

ففي مايو 2016، تم نشر اتفاقية “قواعد السلوك لمكافحة خطاب الكراهية غير القانوني عبر من خلال وسائل التواصل الاجتماعي “، الموقعة من Microsoft و Facebook و Twitter و YouTube.

ومنذ ذلك الحين، أضاف عمالقة رقميون آخرون أسمائهم، وشهدت المبادرة بعض التقدم، حيث تمت إزالة 70٪ من خطاب الكراهية بواسطة المستخدمين.

كما وفرت اللجنة (دعما) محدودا لتمويل مشاريع المجتمع المدني التي تهدف إلى مواجهة خطاب عنيف ولا إنساني على شبكة الإنترنت.

لكن التحدي يدور حول أكثر من مجرد تأمين إشراك القطاع الخاص، أو منح الأمل. إن ظهور خطاب الكراهية عبر الإنترنت هو أحد الأعراض الأوسع نطاقًا في الحياة العامة، والذي يتجلى في التراجع إلى غرف الصدى الحزبية وعدم الثقة الجماعية في “المؤسسة المدنية”.

وبشكل متزايد، نسمع صرخات على أولئك الذين يحملون وجهات نظر مختلفة ويعتبرون الحقائق غير المريحة منحازة أو حتى متآمرة.

وقد التزمت مفوضية العدل في الاتحاد الأوروبي (فيرا يوروفا Věra Jourová) بمبادئ الاتحاد الأوروبي القائلة بأن حرية التعبير لم تكن مطلقة في حلقة نقاش عقدت في بروكسل، مشيرة أن محاولات تنظيم خطاب الكراهية لها ما يبررها، لكن تعليقاتها أثارت جدلاً حاداً.

ومن ناحية أخرى، فإن هذه الدوافع ليست بالأمر الجديد، لكن الخوارزميات وعدم الكشف عن هوية الأشخاص عبر الإنترنت أدت إلى تفاقم الوضع بشكل كبير.

ومن واجب العلماء والباحثون في مجال علم الاجتماع تحديد ما إذا كان Facebook و Twitter قد تسببت في هذا التدهور في حياتنا العامة، أو مجرد تسهيل للعفن.

وعلى أي حال، تم فتح صندوق Pandora ولا يمكننا إعادة عقارب الساعة إلى عصر الحفاوة التماثلية. إذا ما العمل؟

في تقريره الأخير ، يقترح David Kaye – (مراسلو الأمم المتحدة لتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير) – الابتعاد عن ما يسمى بـ “تنظيم وجهات النظر” عبر الإنترنت.

نعم، إن الدعوة إلى قتل اللاجئين على Facebook أمر بغيض- ولكن هناك قدر كبير من الكراهية للأجانب يظهر على الإنترنت أقل وضوحًا ، ومن الصعب رسم خط واضح بين العديد من درجات اللون الرمادي.

تعريف خطاب الكراهية:كل قول أو فعل من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات الدينية أو الطائفية أو العرقية أو الإقليمية أو التمييز بين الأفراد أو الجماعات” (الصرايرة، 2018، صحيفة الغد الأردنية،

ويحذر ديفيد كاي (David Kaye) من أننا نواجه خطر الرقابة من خلال إلقاء الشباك على نطاق واسع.

وبالمقابل، فهو يجادل بمزيد من الوضوح حول ما هو مقبول وغير مقبول، ويشجع الاتحاد الأوروبي على زيادة الاستثمار في منظمات المجتمع المدني التي تدعم “تطوير الروايات الإيجابية والتفكير النقدي”.

الفكرة إذن هي الفوز بالحجج بدلاً من خنقها. ومن أهم الأمثلة على ذلك حركة # jagärhär السويدية (وتعني: “أنا هنا”)، وهي شبكة تضم آلاف المتطوعين الذين “يغرقون” خطاب الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي مع رسائل إيجابية وروابط لحقائق تدحض تصريحات كراهية الأجانب.

إن دحض خطاب الكراهية بأدلة تجريبية وحوار لن يضع حداً للكراهية المعادية للمهاجرين – لا فيما ينشر عبر  Twitter ولا في الحياة الحقيقية.

ويمارس الاتحاد الأوروبي ضغطًا على المنصات عبر الإنترنت مع خطة للإزالة السريعة للمحتوى الإرهابي.

ويجب على منصات الإنترنت إزالة المشاركات التي تروج للإرهاب في غضون ساعة واحدة بعد تلقي الشكاوى (وفقًا لمسودة وثيقة المفوضية الأوروبية التي تسربت يوم الثلاثاء 13 فبراير).

وبالنظر إلى الدور الذي تلعبه “الأخبار المزيفة” والاستقطاب في خطابنا العدائي، يمكن أن يكون التعليم والمشاركة استجابة أكثر استدامة من مجرد حذف التعليقات التي تسيء إلى مشاعرنا.

وعلى أية حال، يجب ألا ننسى دروس التاريخ الرهيبة، ولا النتائج الحقيقية للغة البغيضة في الوقت الحاضر.

ولا يتطلب الأمر سوى شخص واحد غاضب، مشوه بالتغذي المستمر لكراهية الأجانب عبر الإنترنت، لارتكاب أعمال وحشية بينما يصرخ بشعارات اليمين المتطرف. وهذا درس جديد نتعلمه بصعوبة من ملاجئ اللاجئين المدمرة في برلين إلى شوارع سبين و باتلي Batley و Spen. وبغض النظر عن استجابة أوروبا، فلا يجب أن نكون شديدو الحماس – فالحياة معرضة للخطر.

The post خطاب الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام http://bit.ly/2MkzB1u
via IFTTT

خطاب الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي


via منار الإسلام http://bit.ly/2MkzB1u

Thursday, May 30, 2019

تحرير السياسة التعليمية مدخل لتحرير الأمة


via منار الإسلام http://bit.ly/2YUXbTH

تحرير السياسة التعليمية مدخل لتحرير الأمة

 التعليم عامل أساس في البناء الحضاري والتغيير الاجتماعي، وهو مؤشر مركزي على تقدم الأمم وتأخرها. فلا نتصور قيام أمة أو نجاحا لأي مشروع تغييري دون أن يكون المنطلق من التربية والتعليم. لأن الاستثمار في مجال التعليم هو استثمار في الحاضر وإثمار  في المستقبل.

  وقد اهتمت الأمة بهذا المجال الحيوي في عهدها الزاهر حضاريا ، وانتبهت إليه بعض الدول الصغيرة حديثا فصارت عملاقة اقتصاديا وتنمويا رغم قزميتها الجغرافية والسكانية وفي مقدمتها سنغفورة .

أهمية التربية والتعليم في القرآن الكريم:

  إن القرآن الكريم باعتباره شامل لشؤون الحياة الانسانية[1]، لم يكن ليغفل قضية التعليم، فقد أولاها اهتماما بالغا، حيث وردت فيه نصوص كثيرة تحض على التعليم والتعلم، حتى باتت المسألة فرضا على كل مسلم ومسلمة. بل إن القرآن الكريم جعل التعليم منطلق تشييد البناء الراسخ للأمة الاسلامية. ويتجلى ذلك في كون أول ما نزل منه قوله تعالى ” اقرأ باسم ربك الذي خلق” (سورة العلم الآية 1 ) آية شاهدة على الاعتناء والحرص الشديد للقرآن على التعلم. ثم نزلت بعدها آيات أخرى تؤكد على هذه الأهمية بل وتبين الطرق والأساليب المعتمدة في ذلك. ونذكر من الآيات مثالا لا حصرا:

  • قوله تعالى: “يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ‏”[2]
  • قال تعالى: “قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ”[3]
  • قال تعالى: “وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً”[4]
  • قوله تعالى: “وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ”[5]
  • قال عز وجل:”هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ”[6]

وغيرها من الآيات الكريمة التي تدعو إلى تعليم وتعلم كل “علم نافع يرفع من قدر الإنسان وينمي عقله ويجعله أكثر خبرة بالحياة واطلاعا على أحوالها”[7] لتحقيق الاستخلاف فيها.

أهمية التعليم في السنة النبوية:

    تكمن أهمية التعليم في الهدي النبوي الشريف كونه عليه الصلاة والسلام بعث معلما ومربيا، فكانت أعظم وظيفة حباه الله تعالى بها هي أن جعله معلما للمسلمين وللناس كافة، قال سبحانه عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيٰتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتٰبَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [الجمعة: 2.

 وعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله لم يبعثني معنِّتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً”. رواه مسلم 1478

وهذه بعض الأحاديث النبوية التي حث في المعلم الكريم صلى الله عليه وسلم على التعليم والتعلم وفضلهما:

  • عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طلبُ العلم فريضةٌ على كل مسلمٍ))[8].
  • عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ألا إن الدنيا ملعونةٌ، ملعونٌ ما فيها، إلا ذكرُ الله، وما والاه، وعالمٌ أو متعلمٌ))[9].
  • عن أبي هريرةرضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إذا مات الإنسان انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ يُنتفَع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له))[10].
  • عن حذيفة بن اليمانِ – رضي الله عنهما – قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:((فضل العلم خيرٌ من فضل العبادة، وخير دِينكم الوَرَع))[11].
  • عن أبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((سيأتيكم أقوامٌ يطلبون العلم، فإذا رأيتموهم فقولوا لهم: مرحبًا مرحبًا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، واقْنُوهم))، قلت للحكم: ما اقْنُوهم؟ قال: علِّموهم[12].
  • عن محمد بن جُبَير بن مُطعِم، عن أبيه رضي الله عنه، قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيفِ مِن منًى فقال: ((نضَّر اللهُ امرأً سمع منا حديثًا فحفِظه حتى يُبلِّغَه غيره؛ فرُبَّ حامل فقهٍ إلى مَن هو أفقه منه، ورُبَّ حامل فقهٍ ليس بفقيهٍ))[13].

 

أهمية التربية والتعليم في التراث الإسلامي:

 أوفى علماء الإسلام خلال عصور ازدهار حضارتهم، قضية التربية والتعليم حقها. فقد خلفوا في ذلك تراثا هائلا ما يزال في حاجة إلى كشف الغطاء عنه من خلال الدراسات والتمحيص والجمع. وما كان ذلك الازدهار الحضاري الإسلامي إلا دلالة على متانة النظم التعليمية التربوية المتبعة آنذاك.

فمعظم العلماء من فقهاء ومحدثين وغيرهم من المتخصصين  في مجالات أخرى، أفردوا كتبا وأبوابا وضعوا فيها أسس وقواعد أساسية لسيرورة العملية التعليمية التعلمية.

يأتي هذا الاهتمام بقضية التربية والتعليم عند علماء المسلمين في فترة مبكرة من تاريخ الأمة، وللتمثيل على ذلك يمكن الإشارة إلى بعض هؤلاء الأعلام مع تواريخ وفياتهم، وكتبهم التي تناولت قضية التربية والتعليم بالدرس والتحليل والتنظير :

  • ابن مسكويه المتوفى سنة 241ه له كتابه “تهذيب الأخلاق” الذي حث فيه على التعليم المستمر.
  • ابن سحنون المتوفى سنة 256ه وأهم مؤلف في فكره التربوي كتاب “آداب المعلمين” وضع فيه منهجا قويما للعملية التربوية.
  • القابسي توفي سنة 324ه وقد أفرد المسألة بكتاب “الرسالة المفصلة لأحوال المتعلمين وأحكام المعلمين والمتعلمين” الذي نادى فيه بإلزامية التعليم ووجوبه للجميع، مع البنين عن البنات في العملية التعليمية.
  • ابن سينا المتوفى سنة 370ه، من أهم آرائه التربوية التي نجدها في كتابه “السياسة” أن الانسان هو محور العملية التربوية وبالتالي لا بد في الممارسة التعليمية أن نتبين ماهية هذا الانسان وخصائصه، وإلا باءت العملية بالإخفاق.
  • ابن جماعة توفي سنة 373ه نظر للعملية التربوية من خلال كتابه “تذكرة السامع والمتكلم بآذاب العالم والمتعلم” من كل جوابها.
  • أبي حامد الغزالي المتوفى سنة 505ه يمكن أن نستخلص آراءه التربوية التي يمكن أن نقول عنها مثلت نظاما تربويا متكاملا، من خلال كتبه ” إحياء علوم الدين” و “رسالة الأخلاق” و “أيها الولد”.
  • رائد التربية وعلم الاجتماع عبد الرحمان بن خلدون المتوفى سنة 809ه الذي أبرز في “مقدمته” منهجه التربوي في تعليم الناشئة، وآداب وشروط المعلم والمتعلم.

 

نماذج معاصرة:

سنغافورة :

   هذا مثال واقعي يتبين من خلاله ما للتعليم من أهمية في النهضة والتقدم. فبعد استقلال سنغافورة بأعوام معدودة، أصبحت اليوم واحدة من أسرع الاقتصادات نموا في العالم، بنسبة لا تزيد عن 2٪ من معدل البطالة، ونسبة 60 ألف دولار أمريكي كناتج محلي إجمالي للفرد الواحد. فما هو السر الخفي في قصة هذا النجاح الاقتصادي، خاصة إذا ما علمنا أن سنغافورة بلد فقير من ناحية موارده الطبيعة ومحدود المساحة جغرافيا؟

     يمكن أن نجيب عن السؤال بما أشار إليه لي كوان يو[14] غير ما مرة، بأن استراتيجيته هي تنمية مورد البلاد الطبيعي الوحيد المتمثل في الشعب. فكانت الخطوة الأولى والرئيسة، تصميم نظام التربية والتعليم على أسس متينة، حيث تم  تطوير وتحسين المناهج التعليمية، ورفع أجور المعلمين، وبناء المدارس وغير ذلك من السياسات والمبادرات للارتقاء بالعملية التعليمية، جعلت سنغافورة تمتلك نظاما تعليميا عالميا، فهي الآن صاحبة جامعتين محليتين هما  من أفضل 75 جامعة في العالم، كما تتصدر حسب تصنيف [15]OECD قائمة البلدان ذات أفضل المدارس وأعلى مستوى في التحصيل العلمي.  

ماليزيا:

بعد أن كان بلدا زراعيا فقيرا جل اعتماده تصدير القصدير والمطاط إلى الدولة الصناعية المتقدمة، أصبحت ماليزيا اليوم، بفضل نهضتها التنموية في المجال التعليمي، واحدة من أقوى الدول في العالم من حيث النمو الاقتصادي. فقد استطاع مهاتير[16] من خلال تركيزه على التعليم بجميع مراحله (ما قبل المدرسة، الابتدائي، الثانوي) عن طريق مناهج تعليمية واضحة المعالم والأهداف، تحقيق نقلة علمية واقتصادية حقيقية لبلاده. حيث تم إنشاء نسبة كبيرة من المدارس التي تدرس التكنلوجيا لاستيعاب التقنيات المتطورة. فعلى سبيل المثال: في سنة 1996م رسمت خطة تنموية هدفها إدخال الكمبيوتر وشبكة الأنترنيت إلى كل المدارس، فكانت نتائج المشروع في سنة 1999م ربط المدارس الماليزية بشبكة الأنترنيت بنسبة 90%.

الواقع المتردي للتعليم بالعالم العربي الاسلامي:

قصور التعليم وضعفه عد عاملا أساسا في تخلف المجتمعات الاسلامية علميا وتقنيا…، الأمر الذي جعله عاجزا عن مواجه متطلبات الواقع الاسلامي اقتصاديا وعلميا واجتماعيا، وفقط تكفي نظرة سريعة على الأرقام الصادرة عن المؤسسات التي ترصد واقع التعليم بالعالم، لنعرف الشرخ المهول الذي سببه واقع التعليم في جسم الأمة. على سبيل المثال جاء في تقرير الأمم المتحدة حول الأمية والمستوى التعليمي العربي، أن 27 في المائة من إجمالي سكان المجتمع العربي أميين، كما أكد التقرير ذاته أن 6,5 مليون طفل عربي غير ملتحقين بالمدارس.

تعليم في أحضان الأمة:

  إذا ما قمنا بنظرة فاحصة لتاريخ الأمة الإسلامية قبل سقوطها السياسي والاقتصادي المدوي، وجدنا أن قضية التعليم ما كانت يوما شأنا من شؤون الدولة ولا عاكسا لنظرة السلطة وتوجهاتها، بل كانت المسألة من شأن العلماء والمربين. أما الأمراء في القرون الوسطى وما تلاها فقد اقتصر دورهم – وهو واجبهم  المباشر – على تشييد المدارس وتخصيص الأوقاف لها.  أما في القرون الأولى لم تكن هناك مؤسسات تعليمية رسمية، بل كان المسجد هو مركز إشعاع التعليم، داخله تلقى المحاضرات وتقرأ الكتب وتكتسب المعرفة. وحتى إذا ما بحثنا في طرق وأساليب ومناهج التدريس عند المسلمين قديما، لا نقف في ذلك على برامج ومناهج جاءت تبعا لسياسة الدولة العامة، وإنما يتجلى ذلك في نظريات تربوية اشتغل عليها العلماء مراعين في ذلك متغيرات الواقع ومستجداته.  فأنتجت لنا تلك النظريات أعظم العلماء في التاريخ الإنساني في مجالات عدة ، ازدهرت على أيديهم الحضارة الإسلامية وسادت، واستفادت من علومهم الحضارة الغربية اليوم.

ولما أصبحت  العلاقة عندنا بين النظام التعليمي والسياسي علاقة مؤدلجة بحيث سار التعليم أداة وظيفية في يد السلطة السياسة تبث فيه إديولجيتها وتدعم به توجهاتها السياسية والاقتصادية والثقافية، من خلال المقررات الدراسية، تذيلنا سلم الترتيب الدولي في جودة التعليم.

وبالتالي لا ننتظر قفزة نوعية في قطاع التربية والتعليم نتقدم بها في ترتيب الدول، ما لم يتحرر التعليم من هيمنة الدولة واحتكارها له، وجعله في كنف علماء الأمة يرعونه في مؤسسات خاصة، ينظرون فيها للعملية التربوية التعليمية، بما يتماشى ومتطلبات الواقع الإسلامي والعربي الفكري والسلوكي والعلمي ضمن تغيير جذري للمشروع المجتمعي السائد .

[1]  قال تعلى في سورة الأنعام الآية 38:” مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ “

[2]  ‏المجادلة‏:‏ 11‏

[3]  الزمر: 9

[4]  طه: 114

[5]  التوبة: 122

[6]  الجمعة: 2

[7]  التربية في الاسلام، محمد أسعد أطلس، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة القاهرة، طبعة 2014م،  ص 39

[8]  رواه ابن ماجه (224)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (1/ 8 – 9)

[9]  رواه الترمذي (2322) وقال: حسن غريب

[10]  رواه مسلم، باب ما يلحق الإنسانَ مِن الثواب بعد وفاته (1631)

[11]  ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (وقال: رواه الطبراني في الأوسط (3960)، والبزار بإسناد حسن (2969

[12]  رواه ابن ماجه (247)، وحسنه الألباني، الصحيحة (280)

[13]  رواه الترمذي رقم (2795

 من مواليد 1923 وفي سنة 2015 وهو أول رئيس وزراء جمهورية سنغافورة [14]

منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الدولية، تأسست سنة 1961 [15]

[16]  مهاتير بن محمد وأصلها بالعربية محاضر بن محمد، ولد سنة 1925م، رئيس وزراء ماليزيا الحالي، وسبق أن تولى رئاسة الوزراء فكان رابع رئيس وزراء لماليزيا في الفترة من 1981 إلى 2003

The post تحرير السياسة التعليمية مدخل لتحرير الأمة appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام http://bit.ly/2YUXbTH
via IFTTT

التعصيب في الارث بين دعوى الالغاء وواجب الابقاء

 

شهد بلدنا الحبيب نقاشا حادا بخصوص نظام الإرث عموما ومسألة التعصيب خصوصا، وقد اتخذ النقاش أشكالا ومسارات مختلفة، ونتج عنه مواقف متباينة.

وإجمالا يمكن التمييز بين دعاوى إديولوجية مغرضة تتقمص زورا ثوب “المنقذ المخلص” وتختبئ خلف مقولات “المساواة” و”الإنصاف” و”الحرية”…

وبين دعاوى غاضها “وضع بئيس” و”فقه حبيس”…لكنها أخطأت الطريق وخانها التوفيق.

سياق الدعوى ومبرراتها:

لم تكن دعوى “ظلم” نظام الإرث في الإسلام في نسختها المغربية بدعا من الدعاوى التي شهدتها دول مجاورة مثل مصر وتونس…، فما فتئ دعاة “التحرير” يوجهون سهامهم السامة إلى شريعتنا السمحة، باذلين جهدهم غير مقصرين، مسخرين كل ممكن ومتاح…

وقد بدأ النقاش حول مسألة الإرث بشن حملة تحريفية تضليلية ضد قوله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فلما ووجهت بالدلالات القاطعة والردود الدامغة، انتقل الطعن إلى السنة النبوية وإلى التعصيب في الإرث، ظنا أن هذا الحائط أقصر ومسلكه أيسر.

  • العريضة المطالبة بإلغاء نظام التعصيب:

وفي هذا السياق وقعت مجموعة من الفعاليات الحقوقية والجمعوية والإعلامية لائحة تدعو فيها إلى “إلغاء نظام الإرث عن طريق التعصيب من قانون المواريث المغربي”، ومن ضمن الأسماء التي ضمتها اللائحة شخصيات إسلامية وليبرالية ويسارية. ومن أبرز تلك الأسماء آيت إيدر محمد بنسعيد، والأشعري محمد، ومفيد خديجة، مديرة مركز دراسات الأسرة والبحوث في القيم والقوانين، ورفيقي محمد عبد الوهاب، والرياضي خديجة، وجبرون امحمد، والطوزي محمد، والمرابط أسماء.

  • مبررات الدعوة إلى إلغاء نظام التعصيب:

قدم دعاة “الإلغاء” مبررات زعموا لها “الحجية” و”الموضوعية” و”الصواب” لكي يخلصوا إلى مرادهم، ويحققوا مقصودهم.

فالأستاذ (أبو حفص) يرى أن هذا النظام الظالم(يقصد بعض صور التعصيب) ليس له من سند في القرآن النص المؤسس والأول للإسلام. وأن الشريعة ليست نصوصا تفصيلية ولا جزئية، بل الشريعة هي العدل، وبالتالي كل من يقف أمام تحقيق العدل بين الناس، ويمنع تطور القوانين بما يتناسب مع دوام هذه القيمة واستمرارها، فهو يعادي الشريعة ويعرضها للتهمة.

وأوضح رفيقي، أن التعصيب المقصود بالنداء والعريضة، لا يشمل كل أنواع التعصيب، وإنما المقصود حالات التعصيب التي يقع فيها على المرأة ظلم بين لا يمكن قبوله، ولا التبرير له باجتهادات قديمة تغيرت كل السياقات المحيطة بها تغيرا جذريا وكبيرا.

ومن صور ذلك:

‑ وفاة الميت تاركا خلفه بنتا أو عددا من البنات دون وجود ذكر معهن، فيأتي أي قريب من جهة الأب دون الأم ولو كان بعيدا كعم أو ابن عم أو ابن ابن عم ولو نزل، فيقاسم البنت أو البنات تركة والدهن، مع أنه لم تكن له أي رابطة بهن سوى تلك القرابة النسبية، لم ينفق عليهن يوما ولا تحمل من أجلهن درهما، ولا شارك في تكوين تلك الثروة ولا حضر جمعها، ليكون له هذا كل هذا النصيب من التركة.

‑ إرث أخت الميت نصف التركة حال موته عن بنت واحدة، وثلثها حالة موته عن بنتين فأكثر، مع أن تلك الأخت قد أسست أسرتها المستقلة، وانفصلت معيشيا وحياتيا عن ذلك الميت، ولم تكن لها أي مساهمة في تكوين أسرته…

واحتج بقول الله تعالى في حق الأخ:) وهو يرثها إن لم يكن لها ولد(، أي أن الأخ يرث تركة أخته بشرط عدم وجود الولد، فإن وجد الولد فلا شيء له، والولد يشمل الذكر والأنثى خلافا للفقه الذكوري الذي حصره في الذكور دون الإناث.

أما امحمد جبرون فيرى أن الاجتهاد في الشريعة وبخاصة في باب المعاملات مما درج عليه المسلمون منذ القدم، وهو علامة صحة وعافية، وأمثلة الاجتهاد مع وجود النص كثيرة ومتعددة من زمان الخليفة عمر رضي الله عنه إلى يومنا هذا، وأن الاجتهاد في قضايا الإصلاح والتحديث منذ القرن 19م، لم يعد مسألة خاصة بعلماء الشريعة بالمعنى الضيق بل يحتاج إلى فقهاء السوسيولوجيا والتاريخ والاقتصاد والقانون.. بالإضافة إلى علماء الفقه والأصول.

ويرى ابن الأزرق أن منظومة الإرث الموروثة هي خليط من أحكام قرآنية وتعليمات نبوية وعادات جاهلية تحوّلت شريعة نهائية. وأن واقعنا غير واقع جيل تأسيس منظومة الإرث، حيث كان الأصل عندهم العرف العشائري جنبا إلى القرآن والسنة بل مقدما عليهما في كثير من الحالات، بدليل أنهم حرموا الجدّ لأم وأبناء البنت والعمة وبنت الأخ والخال وعمومة الأم بلا حجة من الكتاب والسنة. ويرى بأن قاعدة “كل من أدلى إلى الميت بأنثى لا يرث” بدعة وقاعدة جاهلية، بدليل توريث الإخوة لأم والجدة لأم.

  • العريضة المضادة:

وقعها باحثون وحقوقيون وسياسيون وأساتذة جامعيون وإعلاميون وناشطون مدنيون، واعتبروا الدعوة إلى إلغاء حكم التعصيب خطوة يرمي أصحابها إلى الإلغاء التام لنظام الإرث، وطالبوا من خلالها مؤسسات الدولة العلمية بالتدخل لرد ما سمّوه بـ”الاعتداء الصريح” على الدين والهوية.

وجاء على رأس الموقعين حماد القباج وبلال التليدي، وإدريس الخرشاف، ومولاي عمر بنحماد، ومحمد بولوز، وأحمد الشقيري الديني، ولطفي الحضري أستاذ جامعي ورئيس مركز علم النفس الفطري، و محمد خليدي الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة.

  • مواقف العلماء من عريضة “الإلغاء”:
  • موقف د.أحمد الريسوني: “ المساواة في الإرث: العرائض لا تلغي الفرائض”

رفض التوقيع على العريضة المضادة على الرغم من اتفاقه المبدئي على مضمونها، وذلك لأسباب:

‑ الإرث فريضة شرعية، والفرائض لا تلغى أو تعدل بالعرائض.

‑ المسائل العلمية لا ينبغي إخضاعها للغوغائية والشعبوية والحزبية…

‑ عدد الموقعين على العريضة الأصلية (100) لا قيمة له بالمقارنة مع عموم الشعب المغربي(35مليون).

‑ ضرورة اعتماد المنهج العلمي في دحض دعاوى المطالبين بإلغاء التعصيب.

  • موقف د. مصطفى بن حمزة:

طالب د. مصطفى بن حمزة، بضرورة إبعاد إرث المرأة عن التوظيفات الإيديولوجية والسياسية.

وبين أن “من يتم توريثهم في أكثر النظم هم الزوجة والأبناء غالبا” وأن “قاعدة إرث النساء في نظام الإرث في الشريعة واسعة جدا، والوارثات من النساء في الإسلام عشر، ولسن امرأة أو امرأتين”. وأن من تتبع أبواب الفقه من حضانة ونفقة… يجد “العدل” مقصدا واقعا.

  • موقف د. محمد الروكي: “المطالبة بالتسوية بين الرجل والمرأة في الإرث تمرد على الشريعة وتطاول على الله”

قال د. الروكي: “إن أصول نظام الإرث هي من قطعيات الشريعة، وهي داخلة فيما يسميه الفقهاء بالمقدرات الشرعية التي لا مجال فيها للرأي والاجتهاد؛ لأن النصوص الشرعية بينتها وفصلتها وقررت أحكامها على وجه لا يختلف فيه عالمان، ولا يتنازع فيه عاقلان”.

ودافع الروكي على قاعدة “للذكر مثل حظ الأنثيين”، واعتبر المفاضلة بين الذكر والأنثى من أمهات أصول الدين التي يقوم عليها نظام الإرث، وأوضح أن هذه المفاضلة مقصودة من الشرع ومطلوبة الفعل من جهة، ومن جهة ثانية فهي عين العدل، لأنها مبينة على أسباب وعلل توجبها عقلا وطبعا، فضلا عن أنها توجبها شرعا، ومن جهة ثالثة فهذه المفاضلة لا تنافي مبدأ المساواة وتقررها على مستوى أوسع وأعمق.

  • موقف د. عبد الصمد الرضى:

يرى بأن التعصيب لا يختص بالذكور فقط كما تدعي العريضة، بل هو أنواع ثلاثة: تعصيب بالنفس(خاص بالذكور)، وتعصيب مع الغير(ذكور مع إناث)، وتعصيب بالغير(إناث مع إناث).

وأن في الشريعة مخارج شرعية وقانونية لصون حق البنات في ثروة أبيهم (هبة، عمرى، عقبى… ).

وأن التعصيب لم يفرضه الواقع الاجتماعي التاريخي، بل هو حكم منصوص في الكتاب والسنة.

وختم بالدعوة إلى حل مشكلاتنا الاجتماعية والقانونية والسياسية والثقافية من صميم انتمائنا الحضاري والتاريخي العميق في الزمن الماضي، والممتد في آفاق المستقبل المشرق للإنسانية ببشارة الإسلام.

  • موقف د. محماد رفيع: “ظاهرة المطالبة بالمساواة بين الذكر والأنثى في الميراث.. بين دعوى الاجتهاد وحقيقة الاعتراض”

يرى بأن القول بالمساواة مظهر من مظاهر التبعية والاستلاب للآخر، وأن المساواة بمعناها الميكانيكي لا توجد إلا في الأذهان، ثم استغرب لحصر المطالبة بالمساواة في شريعة الإسلام دون غيرها من الشرائع، وأكد أن مسألة الإرث من القطعيات التي لا تقبل التأويل، ثم بين الحالات المتعددة التي ترث فيها المرأة، وختم ببيان عدالة نظام الإرث وأسسه الدقيقة التي قام عليها.

ملاحظات:

‑ دعاة “الإلغاء” ليسوا على قلب رجل واحد، فمنهم الحاقد الناقم، ومنهم الغيور المغفل.

‑ خلط فظيع وجهل قبيح لدى البعض بحقيقة الإرث وأسسه، ومقاصده، وأحكامه.

‑ محاولة البعض استمالة المشاعر بذكر أمثلة وصور خادعة لا ترقى لإلغاء القواعد المطردة.

‑ المسائل العلمية لا ينبغي تأجيل النقاش فيها، بل يتعين تحرير القول فيها من ذوي الأهلية والاختصاص.

The post التعصيب في الارث بين دعوى الالغاء وواجب الابقاء appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام http://bit.ly/2EUIxVd
via IFTTT