Tuesday, May 21, 2019

وقفات نقدية مع مسلسل “قيامة أرطغرل”، 4/-النّزعة القومية تناقض عالمية الإسلام-

الإسلام دين عالمي، دين (رب العالمين)، (رب النّاس) أجمعين. فمتى حصر في قبيلة أو جنس انحسر المسلمون..
وإنّ من أسباب فشل المشروع الإسلامي وجود النزعة القومية العصبية، فمتى ما أحست دولة بأنها عربية أو تركية أو بربرية أو إيرانية أو غير ذلك، أكثر مما تحس بأنها مسلمة فلن تساهم أبدا في إقامة العدل والحريات والسلام، بل ستزيد بلقنة كما علمنا التاريخ عوض أن تتسع دعوتها.

عند قيام الدولة الإسلامية الأولى آخى الرسول صلى الله عليه وسلم  بين قبيلتين ألفتا القتال لأسباب قومية. فقويت جماعة المسلمين وانتصرت ولم نعد نسمع عن أوس وخزرج ومكيين وقرشيين.. إلخ.

 وقع خلاف عابر بعدها بين بعض الأنصار والمهاجرين.. فقام رجلان يناديان بالعصبية القبلية.. فنهرهم النبي ﷺ قائلا: “دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ”[1].

وإن النزعة “التركية” ظاهرة بشكل كبير في مسلسل “قيامة ارطغرل”، استعلاء وتفاخر بالأباء “الأوغوز” وبقبيلة “الكايي” وبالعنصر التركي. بقوته وشجاعته “المتميزة” بحسب المسلسل.. وبالأعراف التركمانية.. كما يظهر في الأغاني والملاحم.. ولا يهمني تغييب العرب والأجناس الأخرى أو تبخيسهم دورهم في المسلسل.. لأنني يهمني المسلمون.

نعم هناك صور للإسلام الفردي الطقوسي والصحبة الفردية (غير المؤكدة) للقائد وللمسجد المحدود إشعاعه.. لكن لا يظهر أن الإسلام هو محرك الجماعة بل لا يرى أثر لجماعة جمعها الإسلام وألّف بين قلوبها.. بل هو مجتمع جمعته صلة الدم والقرابة والخوف على جفاف النسل… والتقاليد بما فيها “عيد النيروز” الأسطوري[2] الجاهلي. 
لا تجد في حلقات المسلسل ذكرا لباقي المسلمين في تلك الحقبة، إلا ما كان “تركيا” ولو تعسفا.. مثلا عندما يذكر الظاهر بيبرس (السلطان المملوكي على مصر والشام هازم المغول) يضاف الى اسمه تذكير بأنه “تركي” مرارا ومن غير داع لأن دولته لم تكن تركية، فهو مسلم.. والأهم أن المؤرخين اختلفوا في أصوله بل استبعد بعضهم أن يكون “تركيا” لزرقة عينيه.

بل لم يسلم حتى القرآن الكريم من محاولة “التتريك” فلا تقرأ الآيات كما أنزلت بلسان “عربي” مبين ثم تترجم.. بل تقرأ مباشرة “مترجمة” إلى التركية.. عدا في أحزان الجنائز.

لم يلغ رسول الله تميز القبائل لكنه أدخله تحت ولاء أكبر وهو راية الإسلام، و ذمّ التفاخر بالآباء وعدّه من أمر الجاهلية.
ورد في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ اللهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَفَخْرَهَا بِالآْبَاءِ، إِنَّمَا هُوَ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ، النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ”.. العبية الكبر والنخوة. (سنن أبي داود) 
وقال صلى الله عليه وسلم: “أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الأَنْسَابِ، وَالاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ”. (صحيح مسلم).
وقال فيما رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة: “ليَدَعَنَّ الناسُ فخرهم في الجاهلية أو ليكونُنَّ أبغض إلى الله عز وجل من الخنافس”..

إنّنا نحن المسلمين غثاء منذ قرون.. وعوامل مرضنا أربع:
1- انهيارُ التربية على الإسلام كاملا (إسلام، فإيمان، فإحسان)
2- قوة الولاء للقومية
3- استفحالُ الطبقية
4- فسادُ الحكم.

وكل هذه العواملِ تعشش في “الدولة القومية”

وحتى لا نعاود الخطأ، إليكم مثالا “سريريا” تاريخيا واقعيا لكي تتجنب الدول ذات “مشروع إسلامي” الكارثة القومية العنصرية مستقبلا.

كانت دولة باكستان تأسست على مطلبٍ إسلامي. وتحمس المسلمون في الدنيا لقيام هذه الدولة. بعد خمس وعشرين سنة تقاتل البنغال المسلمون مع بقية شعوب باكستان لتتكون دولة قومية هي بنجلادش. دولة تعيش على الصدقات. 
حدثت بعد ذلك مذابح بين مسلمي الهند الأصليين وبين “المهاجرين” الذين هربوا من الهند بعد التقسيم واستوطنوا مدينتي حيدرآباد وكراتشي منذ تأسست باكستان. 
لا يمكن إحصاء الفواجع المخبِـرة عن فرقة المسلمين ووحشة ما بينهم…حارب البنغال المسلمون ليستقلوا بدولتهم، لأن القسمة في دولة باكستان يومئذ لم تكن عادلة، ولأن البنغاليين يحسون أنهم بنغال أكثر مما يحسون بأنهم مسلمون.
ويقتل القوميون السِّنْد مواطنيهم “المهاجرين” لأنهم لا يشعرون إزاءهم بأخوة لأنها لم تتألف قلوب على أخوة الإيمان ولم تترب عليها، فهي لا تتدين بها. إنما تتدين بقوميتها ومصالحها الأنانية.

هكذا حصل للعرب من قبيلة الأمويين وللفرس والترك الشعوبيين[3]“العباسيين” وللتركمان سلاجقة وأغوزا وعثمانيين.. ولو بعد حين.

في الصورة من الحلقة 121 يظهر من يقوم بدور أرطغرل وهو يقول “إن كان العالم يريد الصلح والسلام فسيتعلم أنه عليه أن لا يعادي الأتراك”.. 
سؤال..
أما كان أولى بالسيناريست أن يقارن العالم بما هو أكبر من قبائل تركمانية متفرقة محدودة.. بالمسلمين مثلا؟.

وهذا المشهد غيض من فيض أمثلة الاستعلاء القومي الضيق الأفق..

[1]  من حديث رواه البخاري عن جابر رضي الله عنه

 

[2]  تقول أسطورة فارسية أن ملكا كان اسمه “جمشيد” أوتي سلطانا واسعا على الجن والإنس، ونقل إلى جميع ممالك حكمه على عرش ذهبي مرصع بالجواهر في يوم حلول الشمس في برج الحمل، فتم تقديس ذلك اليوم. وفي أسطورة أخرى أنّه حين جلس على عرشه أشرقت الشمس وسطع نورها على تاج وعرش الملك فابتهج الناس، وقالوا: هذا يوم جديد (“نو” بمعنى جديد و”روز” وتعني يوم). ويذكر كتاب “أفيستا” الكتاب المقدس لدى الديانة الزرادشتية أن الإنسان قد خلق في ذلك اليوم. يوافق رأس السنة وفق التقويم الشمسي. وتعود الاحتفالات بعيد النيروز إلى أكثر من 2000 سنة.

[3]  الشعوبية حركة قومية ظهرت بوادرها في العصر الأموي، وخاصة في بدايات العصر العباسي. وهي حركة من يرون أن لا فضل للعرب على غيرهم من العجم. وقد تصل إلى حد تفضيل العجم على العرب والانتقاص منهم.

 

The post وقفات نقدية مع مسلسل “قيامة أرطغرل”، 4/-النّزعة القومية تناقض عالمية الإسلام- appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام http://bit.ly/2LZCWmn
via IFTTT

No comments:

Post a Comment