Wednesday, July 31, 2019

التصوف: عموم الإصطلاح و خصوصية الممارسة (1)


via منار الإسلام https://ift.tt/2Oznxue

التصوف: عموم الإصطلاح و خصوصية الممارسة (1)

 

تقديم
إن موضوع التصوف بشكل عام قد أسال الكثير من المداد، و أفردت له العديد من الدراسات، سواء من حيث التعريف به و برجالاته، أو من خلال الدراسات التاريخية التي ألقت الكثير من الضوء على الدور الذي قام به في مختلف تقاطبات علاقاته مع السلطة و المجتمع. لكن رغم ذلك علينا أن نعترف أن موضوع التصوف لا يمكن الإلمام به بشكل كلي، أو الإحاطة بمفاهيمه المتعددة، و اصطلاحاته المختلفة باختلاف توجهات أقطابه، -على الأقل في هذه المساحة الضيقة-، بما أثاره و لا يزال من إشكالات متناثرة و متنافرة لكل من اقترب من ساحته محاولا استشفاف متاهاته، أو مراوغة حقيقته، أو تثبيت وهمه، رغم كل المحاولات الجادة التي بذلت لسبر أغواره، ربما لخصائصه المتفردة النابعة من تسربله بالغيب، و تدثره بالميتافيزيقيا..
نعم ! فالتصوف هو الحقيقة والوهم، هو الصدق والادعاء، أو بشكل مجمل: هو النقيض ونقيضه، حسب موقع الدارس ووجهته، وتوجهه.
فإذا كان للمتصوفة دائما تلك النظرة الخاصة للحياة والوجود، من خلال رؤية فلسفية متفردة توحي بالإنعزال، فإنهم من جهة أخرى امتلكوا أدوات التفعيل الاجتماعي، من خلال وظيفة فعلية ذات بعد مجتمعي أفقي، في علاقة عمودية مع السلطة، متأثرة ومؤثرة.
و حسبنا من الموضوع أن نعرّف في هذا العرض، بالتصوف كفاعل أثر في مجريات الأحداث في علاقاتها بالمجتمع و السلطة و المجال، في مختلف البلاد الإسلامية، و خاصة بلاد المغرب الأقصى و امتداداته.. من خلال الإجابة على مجموعة من الأسئلة ذات الصلة:
المفهوم العام للتصوف؟ مفهومه الاصطلاحي لدى أهله من المتصوفة على اختلاف مشاربهم؟ سياقات ظهور التصوف في البلاد الإسلامية وفي المغرب؟ أنواع التصوف الإسلامي وعلاقته بالفكر الفلسفي؟ ثم الوظيفة الاجتماعية التي كان يمارسها المتصوفة بشكل عام، و دور آليات التصوف –إن صح التعبير_ في حشد الأتباع –المريدين- كالكرامات الخارقة للعادة، و الممارسات الجالبة للتعاطف والتأييد..الخ

المحور الأول: مفهوم التصوف
1. في اللغة
عرف مفهوم التصوف اختلافا كبيرا بين كل من حاول التأصيل لجذره اللغوي، فمن قائل بأن الكلمة يرجع أصلها إلى أهل الصفة، من فقراء المهاجرين في عهد الرسول عليه الصلاة و السلام، الذين كانوا يسكنون صفة المسجد، و ليس لهم من عمل إلا التعبد، و انتظار وقت الجهاد، إلى آخرين ينسبون الكلمة إلى الصوف، على اعتبار أن المتصوفة كانوا زهادا في الغالب، و الصوف هو رمز التقشف و الابتعاد عن الدنيا، فسموا باسمه، و هناك فريق آخر يرجع الكلمة إلى أصل يوناني، و تحديدا كلمة صوفيا SOPHIA و التي يدل معناها على الحكمة و المعرفة، و منها اشتقت كلمة PHILOSOPHIE “الفلسفة”، إلى غير ذلك من الاشتقاقات اللغوية الكثيرة التي عرفها المفهوم. لكن في كثير من الأحيان يختزل الاختلاف حول أصل المصطلح في تعريفين اثنين: الصوف أو الصفاء.
يقول “خالد زهري” في استنتاجه حول تعريف التصوف في مقاله “التصوف قراءة في الاصطلاح والتنظير” : ” ومهما يكن من أمر، فقد كان التكلف واضحا في اشتقاقهم ولم يساعدهم القياس اللغوي في ضبط أصل عربي للمصطلح، فلم يبق إلا أنه لقب وضع لطائفة المتصوفة علَما لهم يتميزون به، ثم تصرف في ذلك اللقب بالاشتقاق منه”.
يقول ابن خلدون في المقدمة:” قال القشيري رحمه الله: ولا يشهد لهذا الاسم اشتقاق من جهة العربية ولا قياس، والظاهر أنه لقب ومن قال اشتقاقه من الصفاء أو من الصُّفّة فبعيد من جهة القياس اللغوي، قال: وكذلك من الصوف لأنهم لم يختصوا بلبسه… قلت: والأظهر إن قيل بالاشتقاق أنه من الصوف، وهم في الغالب مختصون بلبسه لما كانوا عليه من مخالفة الناس في لبس فاخر الثياب إلى لبس الصوف”.
ويتجاوز الاختلاف حول مفهوم التصوف الاشتقاقات اللغوية، ليصل إلى المضمون واصطلاحات التنزيل، بحكم اختلاف مدارسه ومذاهبه وسياقاته التاريخية.

2. في الاصطلاح
ظهر التصوف كمنهج وطريق تعبدية عند المسلمين، منذ القرن الثاني الهجري، الثامن الميلادي، من طرف من سموا بالمتصوفة، وهم أناس مختلفون في سياقات ظهورهم، و دواعي انتهاجهم لهذه الطريق. وقد لا نأتي ببدع من القول إن جزمنا أن التصوف لا يمكن إفراده بتعريف واحد، حتى مع تأكيدنا على توحد الهدف من سلوكه. باعتبار أن التصوف مدارس متعددة الطرق ومختلفة المنهج، ولها هدف واحد اصطلاحي هو الوصول إلى الحقيقة، إما متجلية في معرفة الله عز وجل، عند المتصوفة من أهل الشريعة، وما يرافق هذا من مجاهدة للنفس، و تقوية للروح، من خلال الصبر على العبادة و التعبد، سيرا و سلوكا، و حبا للخلائق، و عشقا للذات الإلهية. أو حقيقة الوجود عند أهل التصوف الفلاسفة كأمثال “ابن رشد” و “الفارابي” و “ابن طفيل” و غيرهم.
و انطلاقا من هذا الغموض الذي يمكن أن يشكله مفهوم التصوف عموما، ارتأينا أن نعتمد في هذا المحور على أمرين أساسيين يمكن اعتمادهما في إدراك جيد لمفهوم التصوف، و إستكناه واف لحقيقته:
الأول هو الأقوال و التعاريف التي قدمها بعض أقطاب التصوف أنفسهم، أو ما جاء في تصانيف مختلفة الاختصاص و التخصص، ممن خاض في الموضوع من جهابذة الفقهاء و المؤرخين أو العلماء.
و الثاني هو بعض المصطلحات و المفاهيم التي لها علاقة بالظاهرة، و التي صبغت التجربة الصوفية، بحيث لا يمكن ذكرها إلا مقرونة أو لصيقة بها.
*أقوال و تعاريف
ابن القيم الجوزية في كتاب “طريق الهجرتين و باب السعادتين” :
“…جملة أمرهم أنهم قوم قد امتلأت قلوبهم من معرفة الله، وغُمِرت بمحبته وخشيته وإجلاله ومراقبته. فسرت المحبة في أجزائهم، فلم يبق فيها عرق ولا مفصل إلا وقد دخله الحب. قد أنساهم حبه ذكر غيره. وأوحشهم أنسهم به ممن سواه. قد فَنُوا بحبه عن حب من سواه، وبذكره عن ذكر من سواه، وبخوفه ورجائه والرغبة إليه والرهبة منه والتوكل عليه والإنابة إليه والسكون إليه والتّذلل والانكسار بين يديه عن تعلق ذلك منهم بغيره”.
“ابن خلدون” في مقدمته:
“..هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة، و أصله أن طريقة هؤلاء القوم، لم تزل عند سلف الأمة و كبارها من الصحابة و التابعين، و من بعدهم، طريقة الحق و الهداية و أصلها العكوف على العبادة و الانقطاع إلى الله تعالى، و الإعراض عن زخرف الدنيا و زينتها، و الزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة و مال و جاه، و الانفراد عن الخلق في الخلوة للعبادة..”
“أحمد زروق” في كتاب قواعد التصوف:
“..التصوف علم قصد لإصلاح القلوب و إفرادها لله تعالى عما سواه، و الفقه لإصلاح العمل و حفظ النظام و ظهور الحكمة بالأحكام و الأصول، و علم التوحيد لتحقيق المقدمات بالبراهين و تحلية الإيمان بالإيقان كالطب لحفظ الأبدان، و كالنحو لإصلاح اللسان إلى غير ذلك..”
*مفاهيم و مصطلحات
يذكر القشيري في رسالته: “باب في تفسير ألفاظ تدور بين هذه الطائفة”: مفاهيم عديدة و غير متداولة خارج المؤسسة الصوفية إلا بشكل نادر، منها الحال و المقام، و القبض و البسط، و الهيبة و الأنس، و التواجد و الوجد و الوجود، و الجمع و الفرق، و الفناء و البقاء، و الغيبة و الحضور، و الصحو و السكر، و الذوق و الشرب، و المحو و الإثبات، و القائمة طويلة. و كما يعرف أصحاب هذا الميدان بأنه يصعب الإحاطة بالمعاني الكاملة لهذه الثنائيات المبهمة، بل قد تستحيل إلا على من يلج هذا الميدان و يغرف و يذوق.
يقول الإمام أبي حامد الغزالي في هذا السياق :
” ظهر لي أن أخص خواصهم، ما لا يمكن الوصول إليه بالتعلم بل بالذوق والحال وتبدل الصفات .. فعلمت يقيناً أنـهم أرباب الأحوال، لا أصحاب الأقوال، وأن ما يمكن تحصيله بطريق العلم فقد حصلته، ولم يبقَ إلا ما لا سبيل إليه بالسماع والتعلم، بل بالذوق والسلوك”.
من خلال ما سبق يتبين أن للصوفية قاموسهم الخاص، الذي يستنبطون منه مفاهيم لها علاقة بالممارسة الصوفية، و التي من خلاله يمكن لكل دارس لهذا المجال أن يلم بقدر غير ضئيل من المعلومات حوله، فكل مصطلح له حمولته الخاصة، المليئة بالمعاني ذات الدلالة الكامنة وراء ثناياه.
المحور الثاني : نشأة التصوف
كما هو الحال الحاصل في مفهوم التصوف، نجد هناك اختلافا واضحا حول أصله و نشأته، بين مختلف من تناولوا الموضوع، قديما و حديثا، فعند ابن خلدون، و ابن الجوزي، و ابن تيمية، أن التصوف لم يكن معروفا في القرون الثلاثة الأولى من الهجرة، و إنما جاء ذكره بعد ذلك.
يقول ابن تيمية : ” إن لفظ الصوفية لم يكن مشهورا في القرون الثلاثة، و إنما اشتهر التكلم به بعد ذلك”
و يقول السهروردي: ” و هذا الاسم لم يكن في زمن الرسول صلى الله عليه و سلم، و قيل : كان في زمن التابعين….و لم يعرف هذا الاسم إلى المائتين من الهجرة العربية”
و بالمقابل نجد مثلا “ابن عجيبة الحسني” في كتابه الفتوحات الإلهية يقول:
“و قد ذكر في الكتاب الذي جمع فيه أخبار مكة عن محمد بن إسحاق بن يسار، يذكر فيه حديثا : أنه قبل الإسلام قد خلت مكة في وقت من الأوقات، حتى كان لا يطوف بالبيت أحد، و كان يجيء من بلد بعيد رجل صوفي فيطوف بالبيت و ينصرف، فإن صح ذلك فإنه يدل على أنه قبل الإسلام كان يعرف هذا الإسم، و كان ينسب إليه أهل الفضل و الصلاح، و الله أعلم”
نستنتج من خلال الأقوال السالفة أن هناك تضاربا حول نشأة التصوف، و إذا أضفنا إلى هذا الاختلاف التفسيرات التي ترجع أصله إلى حضارات أخرى، و ديانات خارج الإسلام، فالأمر يزداد غموضا. غير أن أغلب من تناولوا ظاهرة التصوف الإسلامي، قد أرجعوا نشأته إلى القرن الثالث الهجري.
المحور الثالث : أنواع التصوف
عند الخوض في البحث عن التصوف يتضح لنا وجود نوعين، كل واحد منهما يتسم بصفات إما ذات طابع شرعي تحتكم للكتاب و السنة، أو ذات طابع مبتدع تداخلت مع مؤثرات المجتمع لتخلق تصوفا لا يمت إلى الشرع الإسلامي بصلة.
1. التصوف الشرعي (السني):
التصوف السني هو ما كان قرين الزهد و التقليل من متاع الدنيا وملذاتها، وهو امتداد لما كان عليه رسول الله عليه الصلاة و السلام، وصحابته رضي الله عنهم، و إذا كان هذا الزهد لم يعرف باسم التصوف إلا في أواخر القرن الثاني الهجري فإن أصله ومعناه وحقيقته كان معروفا في زمن النبوة.
فالتصوف السني الإسلامي يستمد أصوله من الكتاب و السنة وسيرة الصحابة، فلو رجعنا إلى الكتب الأصلية في التصوف مثلا، لوجدناها لا تترك مفهوم أو اصطلاح أو معنى مهما كان إلا استدلت على مشروعيته بآية أو حديث. كما أنه مضبوط بالفرائض و الشعائر. مع الإكثار من ذكر الله و هو السمة البارزة في السلوك الصوفي، وهو النافدة الروحية التي يطل منها على الكون الفسيح بالاستغراق مع التأمل و التدبر.
و نجد ابن خلدون يتحدث في مقدمته عن التصوف الإسلامي الشرعي حين يقول واصفا إياه بالعلم – وهذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة، و أصله أن طريقة هؤلاء القوم لم ينزل عند سلف الأمة و كبارها في الصحابة و التابعين ومن بعدهم طريقة الحق و الهداية، و أصلها العكوف على العبادة، و الانقطاع إلى الله تعالى، و الإعراض عن زخرف الدنيا و زينتها، و الزهد في ما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال و جاه، و الإنفراد عن الخلق و الخلوة للعبادة، وكان ذلك عاما في الصحابة و السلف، فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية…)
2. التصوف الغير الشرعي (المبتدع):
التصوف المبتدع أو الغير شرعي خليط من التصوف الإسلامي و التصوف الجاهلي، وقد يكون رجاله أهل علم و أصحاب نوايا حسنة، و أثرت فيهم العادات السائدة في عصرهم. و النماذج كثيرة لهذا النوع نأخذ منها مثلا في بلاد المغرب كما يصف لنا “محمد داود” صاحب تاريخ تطوان عوائد الطائفة “الحمدوشية” و “العيساوية”، التي أصبحت أعرافها تمارس في المواسم و الأعياد الدينية، فأصحاب هذه الطريقة يخرجون مصحوبين بأدواتهم من طبول و غيرها، ويطوفون بالمدينة يبقروا بطون المعز و يمزقون أحشائها … فتلوث أيديهم و ثيابهم بالدماء و يأكلون تلك اللحوم الملوثة بها و بغيرها من الفضلات.
كما نجد نفس مظاهر العنف و الابتداع تتكرر مع الطريقة “الحمدوشية”، حيث يتفنن الأتباع في شذخ رؤوسهم بالشواقير و الكور الحديدية أو الخشبية المسمرة بالمسامير، فتسيل دماء رؤوسهم على وجوههم و ثيابهم و يقطعون النهار بأكمله يطوفون بالمدينة و يعتقدون أنهم يعبدون الله.
والغريب في كل ذلك ليس فقط هذه الممارسات الشنيعة والانحرافات ، و لكن هو أن بعض العلماء و الفقهاء و الأعيان ينظرون بل و يتفرجون- كما يصف محمد داود- على هذه المظاهر التي تمارس باسم الدين من طرف “العيساويين” و “الحمدوشيين”، كأنهم لا يرون فيها شيئا مخالفا للدين و للمروءة و لا للإنسانية.
أما المستشرق “روني برونيل”، فيعطينا صورة أخرى عن أحوال طائفة “هداوة” التي ظهرت في شمال المغرب متزامنة مع “الدرقاوية” و قد ارتبط ذكر هذه الطائفة الشعبية بأخطر آفة اجتماعية، وهي تعاطي الحشيش أو المخدرات، و اعتبارها مقوما من مقومات طقوسها، فكان (الحال الهداوي) يبدأ بالذكر و الجذبة ويكتمل بتدخين الكيف و أكل الحشيش.
كما أن هنالك العديد من الأمثلة في المغرب خاصة، التي تبرز لنا هذا النوع من التصوف المبتدع، تختلف ممارساتها الطقوسية باختلاف الطرق الصوفية التي تنتمي إليها، لكن اقتصرت على هذه الأمثلة لأن الموضوع بمجمله أكبر من أن يكتب فيه مقال أو ينجز فيه عرض بهذا الحجم.

The post التصوف: عموم الإصطلاح و خصوصية الممارسة (1) appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2Oznxue
via IFTTT

Friday, July 26, 2019

الدّعوة غاية الخلق (الحلقة 14): نور الدّاعية المورَّث بالصّحبة


via منار الإسلام https://ift.tt/2YrbjaM

الدّعوة غاية الخلق (الحلقة 14): نور الدّاعية المورَّث بالصّحبة

 

الدّعوة نور وطاقة ينبعثان من الدّاعي.. لا كلمات فقط..

فمن أين يستمدّهما ؟

نتحدث اليوم عن شرط أساسي للدّعوة –وفي الدّعوة- إلى الله.. ألا وهو الصّحبة الممتدّة إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عبر سلسلة من الأفراد والجماعات غبر الأجيال والقرون..

ولقد تأبى الأنانيّة أن يأخذَ الرّجلُ نورَ العلم النبويِّ عن بَشَرٍ يراه مثلَه.. رأيَ العين.. مع أن اتّباع “الوليّ المرشد” عنصر آكدُ في الهداية كما جاء في سورة الكهف.. ﴿..مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ، وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا[1]. وكانت تربية سيّدنا موسى على عين ربّه، فلم تترك لنفسه حظّا من الأنانية يمنعه من أن يهاجر للبحث عن صحبة وليٍّ لله وأن يقول له في تواضع وتقدير وانفتاحٍ أمام ما لا يَعلمُه: ﴿هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا﴾[2]. فإنّه لا تُغلب الأنانية إلا بهداية ولا هدايةَ إلا من الله، فمن لم يكن له وليّ مرشدٌ فهو عرضةٌ للضلال”[3].

وعلى كثرة ما كتب عن الإسلام، لا تكاد تجدُ تركيزاً على نقطة البدء في حركة الإسلام الأولى، ألا وهي لقاء الإنسان بنور الهداية في شخص حامل الهداية.. شخصا كان أو جمعاً[4].. “يبدو الأمر وكأن مفكري الإسلام نَسُوا هذه الظاهرة التي فتنت مُعاصري الرّسول الكريم، ظاهرةِ الاهتداء المفاجئ والتحوّل الغريب الذي يطرأ على المرء بمجرّد اتِّصاله بحامل الرّسالة الإلهية. فقال الناس “ساحر”، وحُقَّ لهم أن يلتمسوا وجه الشبه لما لا يعرفونه بما يعرفونه”[5].

هذه الطّاقة تَكمُن في شخص الدّاعي إلى الله بإذنه الذي أُنزل معه نورٌ.. النّورُ الذي أوتي به الصحابةُ الإيمانَ قبل القرآن..

هذه الطّاقةُ-النّورُ، هي المحرّك الأول للإسلام، وهي نفسُها التي تُعيد إلى الإسلام حيويّتَه كلّما برز إلى النّاس وارثٌ أو وُرّاثٌ للنبوّة من جملة «العلماء ورثة الأنبياء».. وهذه الطاقة هي مناط هذه الوراثة النبوية..

فقد روى أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ضمن حديث طويل: “إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلم، فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافر”.

وكلُّ حركات الإسلام المثمرة بدأت بصحبة رجلٍ قام يدعو إلى الله بصدق واتّبَعه المؤمنون.. فاتّبعهم بدورهم مؤمنون.. فنصرهم الله.. كما نصر الصّحابة من قبلهم.. وكما نصر من رأى من صحب[6] أو صاحب من صاحب أصحاب رسول الله (كما روى البخايّ في الحديث الذي سنورده).. وكما سينصرنا إن سِرنا على منهاجهم رضي الله عنهم، إن شاء الله ربّ العالمين..

فقد روى الشيخان -واللفظ لمسلم- عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يأتي على الناس زمان يغزو فئام (جماعة) من الناس. فيقال لهم: فيكم من رأى رسول الله صلى عليه وسلم؟ فيقولون: نعم! فيفتح لهم. ثم يغزو فئام من الناس، فيقال لهم: فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم! فيفتح لهم. ثم يغزو فئام من الناس، فيقال لهم: هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم! فيفتح لهم“.

وبلفظ البخاري نقرأ الحديث على هذا النّحو:”يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقولون فيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم

 سورة الكهف – من الآية 17[1]

[2] سورة الكهف – من الآية 66

[3] “الإسلام غدا” – عبد السلام ياسين –  ص 51

[4]  “المنهاج النّبوي: تربية وتنظيما وزحفا” – عبد السلام ياسين – صفحة 35

[5]  الإسلام بين الدّعوة والدّولة – عبد السلام ياسين –  صفحة 18

[6]  من حديث رواه الشيخان -واللفظ لمسلم- عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

فقد روى أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ضمن حديث طويل: “إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنَّما ورَّثوا العلم، فمن أخذَه أخذ بحظٍّ وافر”.

وكلُّ حركات الإسلام المثمرة بدأت بصحبة رجلٍ قام يدعو إلى الله بصدق واتّبَعه المؤمنون.. فاتّبعهم بدورهم مؤمنون.. فنصرهم الله.. كما نصر الصّحابة من قبلهم.. وكما نصر من رأى من صحب[1] أو صاحب من صاحب أصحاب رسول الله (كما روى البخايّ في الحديث الذي سنورده).. وكما سينصرنا إن سِرنا على منهاجهم رضي الله عنهم، إن شاء الله ربّ العالمين..

فقد روى الشيخان -واللفظ لمسلم- عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يأتي على الناس زمان يغزو فئام (جماعة) من الناس. فيقال لهم: فيكم من رأى رسول الله صلى عليه وسلم؟ فيقولون: نعم! فيفتح لهم. ثم يغزو فئام من الناس، فيقال لهم: فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم! فيفتح لهم. ثم يغزو فئام من الناس، فيقال لهم: هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم! فيفتح لهم“.

وبلفظ البخاري نقرأ الحديث على هذا النّحو:”يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقولون فيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون نعم فيفتح لهم

[1]  من حديث رواه الشيخان -واللفظ لمسلم- عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يأتي على الناس زمان يغزو فئام (جماعة) من الناس. فيقال لهم: فيكم من رأى رسول الله صلى عليه وسلم؟ فيقولون: نعم! فيفتح لهم. ثم يغزو فئام من الناس، فيقال لهم: فيكم من رأى من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم! فيفتح لهم. ثم يغزو فئام من الناس، فيقال لهم: هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم! فيفتح لهم“.

 

The post الدّعوة غاية الخلق (الحلقة 14): نور الدّاعية المورَّث بالصّحبة appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2YrbjaM
via IFTTT

Wednesday, July 24, 2019

كن مع الله


via منار الإسلام https://ift.tt/2Md22fS

كن مع الله

يتصور معظم البشر أن وحدة تواصلنا بالعالم الخارجي، تكمن في شخصيات وأفكار ومصطلحات، نعتقد جازمين أنها تمثلنا ولكن كل ذلك في حقيقة الأمر، هو عبارة عن كم متراكم مما هو موروث ومكتسب من عادات وأعراف غريبة عن حقيقتنا، وعن ذواتنا، لم يكن لنا الحق في اختيارها، بل فرضت علينا فرضا. غابت عنا هذه الحقيقة تحت قناع الوهم والقناعة الزائفة، فتأرجحنا بين السعادة والبؤس، وما دام السبب وهما ليس حقيقة، فالنتيجة تبقى أيضا وهما، فلا سعادة ولا حزن حقيقيين، فما هي الحقيقة يا ترى؟ 

الحقيقة هي ذلك الثابت واللامتغير، هي الحب الإلهي المتجذر في أعماقنا، سواء وعيناه أم لا. هو الحب في أسمى وأبسط معانيه، لكن بلوغه يحتاج منا إلى جرأة وشجاعة، شجاعة التخلي عن العادات والموروثات المكبلة لعقولنا وقلوبنا، بل يتطلب إرادة قوية لاقتحام العقبة، عقبة الأنا الفردية المستعلية.

إن الحب الإلهي موجود في كل كائن، إنه ذلك الصمت والسكون الذي نحسه بداخلنا كلما خلونا بأنفسنا وابتعدنا عن مدلهمات الحياة وخطوبها، حينها نشعر برحابة الكون وتسبيح المخلوقات كلها إلى درجة الإحساس بالمعصية الإلهية. كيف لا وقد انتبذنا بذواتنا مكانا شرقيا لنصغي لصوت الصمت الهادئ، وفتحنا قلوبنا لنور الله، معرضين عن أشباح الآلهة المزيفة.

فيا من استبدت به الأنا، فأصبح يعيش في جحيم الأنانية المستكبرة الغزيرة، متسائلا حائرا بين الاتصال والانفصال، اعلم أن الله قد خلقك على الفطرة وأنت لم تزل في صلب أبيك، والفطر ليست سوى حب الإله، فإن أنت تمسكت بهذا الحب المقدس وأدرت ظهرك للأغيار اتصلت بالاله الحق سبحانه وتعالى، وإن أنت انشغلت بالدنيا الفانية وشواغلها الفاتنة انفصلت، مصداقا للقول الحكيم: “كن مع الله ترى الله معك”.

The post كن مع الله appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2Md22fS
via IFTTT

Monday, July 22, 2019

أفيون الجماهير


via منار الإسلام https://ift.tt/2JLdC0k

اعتناق التميز عندما ترتقي مؤسساتنا وتعتلي منصات التتويج الحضاري


via منار الإسلام https://ift.tt/2M3PfMM

أفيون الجماهير

أفيون العصر

عندما أطلق “كارل ماركس” قولته الشهيرة “الدين أفيون الشعوب” أو “الدين أفيون الجماهير” كما في ترجمات أخرى عن العبارة الأصلية باللغة الألمانية Die Religion … ist das Opium des Volkes”  التي حاول أن يختزل من خلالها دور الدين في المساهمة القوية في خنوع الفئات الإجتماعية المسحوقة،  و عدم تحركها و مجابهتها للظلم و استبداد الدولة الدينية.. فهو لم يقصد فقط فعل الدين نفسه في أفراد المجتمع، كوسيلة تدميرية ذاتية، من حيث استفراد المعتقد الغيبي بالذات البشرية، و تحييدها عما يمكن أن يكون سببا في أي تطور أو تقدم. بل أكد أيضا–و هو ما نجده مدبجا بوضوح على طول فقرات مقدمة كتابه “في نقد فلسفة الحق عند هيغل”- أن الدين يستخدم حصريا من طرف الدولة الحاكمة المستبدة لتخفيف الآلام و تهدئة الشعوب، و كبح ثوراتها و مطالبها في التغيير.

إن “كارل ماركس” تناول المسألة الدينية باعتبارها الوسيلة المعتمدة من طرف الدولة الحاكمة المستبدة القاهرة لشعبها، في حيز زمني و مكاني محدد، لبسط سيطرتها السياسية و تسخير الكنيسة إذاك كمرشد فكري و أيديولوجي لديمومة الاستغلال الطبقي، و وضع الشعوب بموضع المتلقي الخاضع بشكل سلبي، و ليس باعتبارها المحرك الأساسي للتغيير.

لست هنا بصدد مناقشة أفكار “كارل ماركس” حول الدين، و لست مؤهلا للدفاع لا عن الدين، و لا لمناكفة و دحض ما يعتقد هذا الفيلسوف الكبير أنه صحيحا. لكن ! أعترف أني معجب بشكل كبير بعمق الفكرة، من حيث كونها تجسد واقعا عابرا للزمان، و غير مرتبط إلى الأبد ببيئة أو مكان محدد. و عمق ما تقدم به “كارل ماركس ” هنا هو فضح المحاولات الدائمة عبر التاريخ لقوى الإستبداد بشغل الناس عن همومهم الاستراتيجية، بأمور تجد لها صدى في خواطرهم، و تكون حاجزا بينهم و بين تحقيق الإزدهار الجماعي، في نفس الوقت الذي تخدم فيه بشكل قوي مصالح الحكم المستبد، و ليس الدين هنا هو القادر فقط على لعب هذا الدور في كل العصور.

إن تعميم الحديث عن أن الدين  أفيون للشعوب بدون تحديد أي دين هو المقصود، و بدون الـتأكيد على الاختلاف الجوهري بين السياقات التاريخية، و البنيات الذهنية، و المقومات الحضارية للبيئة التي نشأ فيها رواد هذا الطرح الفلسفي، و بين نظيره في بلدان الشرق الإسلامي و مغاربه، و بدون التأكيد على أن عمق الفكرة أوسع من أن يتم الحجز عليها في قفص فاعل واحد، هو نفس التعميم المخل الذي يمكن أن يحصل إن تمت المقارنة في هذا العصر بين ممارسة كرة القدم، و سياسة كرة القدم، و عشق كرة القدم في الدول المتقدمة، و تعلق شعوب هذه الدول بها، و بين الممارسة و السياسة و العشق لنفس الرياضة عند مجتمعات الجنوب المتخلف، فهؤلاء كرة القدم عندهم مختلطة بالعقد الاجتماعية و الأزمات الاقتصادية و السياسات العمومية المنخورة بالفساد المطلق، و مؤشرات في الحضيض للتنمية البشرية. و أولئك يميزون بشكل واضح بين ما هو أساسي ضروري، و بين ما يعتبر كمالي جزئي يهم الحياة الموازية المجتمعية، و حكومات تسعى راغبة و راهبة لإرضاء شعوب تعي جيدا ما معنى الفصل بين السلط، و أهمية وجود أنظمة قانونية متطورة يلتزم الجميع بتطبيقها، و مؤسسات موازية للمتابعة و المحاسبة.  و حقوق و واجبات المواطنة مسألة حجزت لها مكان عميقا في الوعي الجماعي لهذه الشعوب.

فالدين شأنه في ذلك شأن جميع المجالات الأخرى التي تهم المواطن أو يتهمم بها في حياته اليومية، قد تم الاستيلاء عليه من طرف الدولة المستبدة، و استخدمته بمكر و فجاجة، من خلال لي أعناق نصوصه لخدمة مصالحها. فإذا كان الدين في عصر “كارل ماركس” و العصور التي سبقته في أوروبا، قد لعب بشكل خطير و متميز هذا الدور، من خلال ما كانت تقوم به الكنيسة، و تغلغلها في مفاصل المجتمع تأثيرا بدون تأثر، فإنه في عصرنا هذا و في مكان آخر غير أوروبا، قد تنازل عن جزء من أدواره، لصالح فاعلين آخرين، أشد تأثيرا في المجتمعات المتخلفة، و لعل أخطرها الرياضة الأكثر شعبية في وقتنا الحاضر كرة القدم.

قبل عصر الأنوار في أوروبا عرفت هذه القارة ما يسمى تاريخيا بعصر النهضة، لكن ما سبق هاتين الفترتين التاريخيتين، و باتفاق جميع المؤرخين، كان تاريخا طويلا من الظلام و الهمجية و التوحش، لعبت فيه الكنيسة دورا محوريا في استمراره و تدثره بدثار الدين من خلال ممارسات أخذت من الوثنية اليونانية القسط الأكبر، و لسنا هنا بصدد التفصيل في هذا الموضوع، لكن فقط للتأكيد على أن مفكري التنوير كانت لهم دوافع قوية لاعتبار الدين- و هم يقصدون أساسا الدين الكنسي- مصدرا للتخلف الطويل الأمد، في وقت كان الإسلام في بعض الفترات التاريخية الموازية، يعرف ازدهارا –أو مساهما على الأقل- في مختلف المجالات الفكرية و المعرفية و العلمية، و لم يكن للمسجد نفس الدور السلبي الذي كان للكنيسة.

إذن فأي مقارنة بين سياقات ديانتين مختلفتين على مستوى الأداء الحضاري، هي مقارنة مجحفة، و أي محاولة لإسقاطات غير مرتبة زمنيا و جغرافيا، هي محاولة ركيكة في تمفصلاتها التاريخية الإجتماعية.

و هي الركاكة ذاتها التي يمكن نعتها بأي محاولة للربط بين الممارسة الكروية بأوروبا مثلا، و نظيرتها بالدول المتخلفة.

الدين كان أفيونا للشعب الأوروبي، استغلته الدولة لممارسة استبدادها في القرون الوسطى، و كان يعني الجمال و الفكر و التقدم في العالم الإسلامي في نفس الفترة التاريخية أو بالموازاة معها.”الأندلس مثلا”.

كرة القدم هي الآن أفيون الشعوب المتخلفة، تستغلها الدول لإدامة استبدادها و شرعنة وجودها، و هي تعني الجمال و الرياضة و الطاقة و جودة الحياة، في الدول المتقدمة بدون أن تكون حاجزا أمام أي فعل سياسي إيجابي.

فكيفما كانت الوسيلة المستخدمة من طرف الدولة الحاكمة المستبدة لتنويم و إلهاء شعوبها عن الإهتمام بالشأن العام، و إبداء رأيها في السياسات العمومية، و متابعاتها الذكية لأوجه صرف الثروات المشتركة، هي أفيون لهذه الشعوب، و لكل عصر أفيونه و مخدره. فالمشكل ليس في الوسيلة المستعملة بل في الهدف من استخدام الدولة لها، فسواء تعلق الأمر بدين من الديانات، أو معتقد من المعتقدات، أو مذهب من المذاهب، أو لعبة شعبية جامحة، فالأمر سيان إذا تعلق الأمر بتوجيه الدولة لها لخدمة أجنداتها.

كرة القدم هي أفيون هذا العصر، و أي أفيون؟ و إلا فما معنى أن تصل لعبة إلى هذه الدرجة من الإهتمام الرسمي و على أعلى مستوى بها؟ و أي تفسير يمكن أن نجده لكل هذه الأموال الطائلة التي تصرف على المنتخبات الوطنية، و بسخاء يعز أن نجد له نظيرا في المجالات الحيوية التي تهم المواطن بالدرجة الأساس، كالتعليم و الصحة و التشغيل الخ..هذه المجالات الثلاث و التي تعتبر أعمدة التنمية السوسيواقتصادية لكل بلد، قد لا نفاجأ بتوحد الدول المتخلفة، و تضامنها في احتلال المراتب المتأخرة في التصنيفات الدورية التي تصدرها الأمم المتحدة أو المؤسسات الموازية الأخرى، في الوقت الذي نجدها تتنافس و تبذل الغالي و النفيس، لاحتلال مرتبة متقدمة في منافسة قارية في رياضة كرة القدم، مع ما يصاحب هذا الهراء الجماعي من نفخ في عصبية حديثة تافهة، لاستجلاب متعة لحظية جماعية قد تنسي و لو إلى حين الإنهزامات المتتالية في مجالات التنمية البشرية.

إنها سياسة الإلهاء نفسها، قد يتغير الموضوع بدون تغير السياسة المتبعة، فما دامت كرة القدم تقدم نفسها بقدرتها دون غيرها على خدمة مشروع الاستبداد فلم لا؟

لم لا تستخدم كأفيون عالي التأثير كما استخدم الدين سابقا في أوروبا العصور الوسطى؟ لم لا ندعها تحمل مشعل الإلهاء ما دامت الجماهير قد اختارتها كدين و انتماء و عصبية، تتضاءل أمامها باقي الإنتماءات و العصبيات الأخرى، بكل زخمها التاريخي، و قوة حضورها في المخيال الجماعي الذي أصبح مهددا بلعبة تافهة.

 

The post أفيون الجماهير appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2JLdC0k
via IFTTT

اعتناق التميز عندما ترتقي مؤسساتنا وتعتلي منصات التتويج الحضاري

عندما ننظر بتمعن شديد وعبر مراجعة استراتيجية لواقع منظماتنا العربية تحديداً، نجد أننا بحاجة لعملية استراتيجية متكاملة من عملية المراجعة الدقيقة للظروف التي توقف عملية التوجه المتسارع ليس فحسب لمواكبة التطورات العالمية في العلوم  والمعارف والنهضة بل والمنافسة في تلك العملية وصولاً للريادة والتتويج الحضاري.

           إن من أبرز سمات التطورات الراهنة الحالية هي تنامي التطورات في المعارف الإنسانية، وما ترتب على ذلك من تبني ثقافة التغيير المستمر في أساليب أداء الأعمال، لمواجهة الطموحات المتنامية للمؤسسات بأعلى درجات ومعايير الجودة الشاملة، الأمر الذي يستوجب على قيادة المؤسسات العربية أن تقوم بعمليات سريعة من أجل التحليل والتطوير المستمر، وإعادة هندسة نظم الأعمال القائمة ونماذجها، إضافة للتنمية المستمرة للموارد البشرية، لمواجهة عمليات التحسين والتطوير والتكيف مع التحديات الواقعة، ولن يتأتى ذلك إلا بالتوجه نحو التميز كأسلوب حياة.

وهكذا نجد أن اعتناق التميز ضرورة من ضرورات التطوير الإداري في مؤسساتنا العربية لرفع مستويات الأداء والكفاءة من خلال توافر مقومات عدة أهمها توافر الخطط الاستراتيجية، وجود منظومة متكاملة من السياسات التي تحكم وتنظم عمل مؤسساتنا، واعتماد المرونة، والعمل وفق نظام متطور للجودة، نظام متطور لتنمية الموارد البشرية.

إن تبنى التميز كأسلوب حياة هو بمثابة منارة الخلاص من كل الأزمات والأمراض التي تعصف بمنظماتنا العربية، لنصل إلى مرحلة النهوض الحقيقية وتخطي الصعوبات وإحداث تفوق وتطوير في الأداء للوصول إلى القدرة على البقاء والمنافسة في بيئة تتحول فيها الأساليب والاستراتيجيات وتتطور التكنولوجيا وتتغير فيها العمليات بسرعة.

عندما ترتقي الأمم وتعتلي منصات التتويج الحضاري في مختلف ميادين الحياة؛ نعرف جيداً لحظتها أن هناك منظومة عمل متكاملة، أسست لهذا التميز كأسلوب حياة، وبذلت جهداً نوعياً احترافياً في ميادين العلوم المختلفة  وعبر عمل متواصل وجهد مخطط دقيق.

          إننا نقصد باعتناق التميز كأسلوب حياة في المؤسسات العربية هو الوصول لحالة من التفرد والتفوق في مجال العمل وظهوره بالصورة التي تميز المنظمة وتبرزها وتعلي شأنها بالنسبة للمنظمات الأخرى، وهذا الأمر يحتاج إلى توافر مقومات رئيسية ضمن هذه العملية الهامة، حيث أن وجود تنظيم فعال تسوده روح الفريق، والابتكار، والمبادأة، والمنافسة بحيث يشعر كل فرد من الأفراد العاملين بأن المنظمة ملكًا له، إن هذا الشعور يدفع العاملين إلى بذل طاقاتهم وجهودهم كافة وإعطاء كل ما لديهم من أجل تميز المؤسسات وتفوقها. 

           إن هذا المنظور الشامل يجب أن يدفع مؤسساتنا العربية إلى الارتقاء بمستوى أداءها لتمكينها من مواكبة التطورات المتلاحقة، وتعزيز قدراتها على تطبيق مفاهيم إدارية حديثة تشجع روح الإبداع وإطلاق الملكات والقدرات لبناء ودعم استراتيجية التميز كأسلوب ومنهج حياة متكامل، حتى يتم إحداث نقلة نوعية وحقيقية في مستوي أداء تلك المنظمات، من خلال توفير حافز معنوي وظروف عمل تشجع التعاون البناء وروح المنافسة الإيجابية في القطاعات المختلفة، ونشر مفاهيم التميز والإبداع في مختلف النواحي والجوانب، وتحسين الإنتاجية ورفع الكفاءة وترشيد الإنفاق وتقديم خدمات عالية المستوى.

          عبر هذه الرؤية تتجه مؤسساتنا العربية إلى السير على خطى الريادة والمنافسة والنهضة وصولاً إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية عبر فضاءات التميّز والإبداع، كذلك سعيها إلى استكشاف الطاقات الإبداعية، ودعم الأفكار والمشاريع الخلاّقة، وتكريم المتميّزين، وإبراز النماذج المشرّفة، ما من شأنه تعميم الفائدة ونشر ثقافة التميز أسلوب حياة.

          إن تبنى فلسفة التميز كأسلوب حياة هو استجابة منطقية للعديد من التغيرات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والتقنية والتي فرضتها التحديات الداخلية والخارجية للواقع المعاصر، حتى يتم تعزيز القدرات التنافسية ومواكبة المستجدات والتطورات العالمية في القيادة والتخطيط وتحسين جودة الخدمات والموارد البشرية، إنه الاختيار المهم الذي لا بد منه لمواجهة تحديات البيئة الراهنة.

 

The post اعتناق التميز عندما ترتقي مؤسساتنا وتعتلي منصات التتويج الحضاري appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2M3PfMM
via IFTTT

Sunday, July 14, 2019

الحاجة إلى التجديد في طريقة تدريس العلوم الإسلامية .(2) سبل تطوير التعليم الشرعي وتجديده

التطور سنة كونية :

        التطور سنة كونية، وتنطبق هذه السنة على كل شيء في الحياة، ومن ذلك التعليم الشرعي، فقد بدأ التعليم الشرعي في المساجد، ثم انتقل إلى المدارس والأربطة إلى أن تطور به الحال إلى الكليات والجامعات والمعاهد….
            ويجب أن تسعى المدارس الشرعية جاهدة لتطوير مناهجها وطرق التدريس فيها لتعد طلابها للتعامل مع العصر الذي يعيشونه دون إخلال بأسس العلم الشرعي وأن تعمل على إعداد الباحثين المؤهلين لمواصلة البحث في العلوم الشرعية ليس للاستزادة من العلم فحسب وإنما من أجل الوقوف في وجه التحديات والتيارات الفكرية المعاصرة في شتى المجالات الحياتية.

            يشهد عالمنا المعاصر ومنذ النصف الثاني من القرن الماضي حدوث تطورات وتغيرات على المستوى المحلي، والعربي، والعالمي في القطاع السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي مما يترتب عليه الحاجة الملحة لتطوير المناهج بما يتناسب مع هذه المستجدات والتطوّرات العلميّة المذهلة والمتسارعة في مختلف المجالات ولا سيّما في مجالات الصحّة والهندسة الوراثيّة وارتياد الفضاء ، والاتّصالات وتكنولوجيا المعلومات التي حوّلت العالم إلى قرية صغيرة .

           وقد تركت هذه الانتصارات العلميّة والتكنولوجيّة بصماتها على مختلف مناحي الحياة في المجتمع ، ومنها بطبيعة الحال المدرسة بوصفها مؤسسة اجتماعيّة  ، فتنادى التربويّون إلى الإفادة من مستجدّات علم النفس وتكنولوجيا الاتّصالات في النهوض بواقع العمل التربويّ وتطوير الوسائل والطرائق والمعلومات والعلاقات الإنسانيّة في المؤسّسات التعليميّة مواكبة للمستجدّات ،وتهيئة للناشئة للانخراط فيها ،والمساهمة الفاعلة في اطّراد تقدّمها ،نهوضاً بالمجتمع وتحقيقاً لأهدافه .

          فكانت الدعوة إلى تطوير العمليّة التربويّة شكلاً ومضموناً ، أهدافاً ووسائل ، نظاماً وعلاقات إنسانيّة لتغدو بيئة صالحة لاكتساب الخبرات والمهارات ، وتشرّب القيم ، وممارسة الحياة الديمقراطيّة .

         وكانت وسيلة التربويين لإجراء التغيير المنشود: المنهج المدرسيّ بما يتضمّنه من معارف ومهارات واتّجاهات وقيم تنسجم وخصائص المتعلّم ، وطموحات المجتمع ، متسلّحين بفلسفة تربويّة متجدّدة  ترى في المنهج كائناً متجدّداً تجدّد الحياة ذاتها [1].

         ومن هنا كانت عمليّة تطوير المنهج بصورة مطّردة حاجة ملحّة ، تمليها المسؤوليّة الأخلاقيّة ، والمصلحة الوطنيّة والقوميّة ، لأنّها تستهدف أغلى ما يملكه المجتمع ، وهو متعلّم اليوم ، باني الغد.

سبل تطوير التعليم الشرعي وتجديده :

                تعيش المنطقة العربية في ظروف حرجة منذ عدة قرون والمعطيات الحالية تحمل أنباء غير سارة وعندما نجد الكتاب يدلون بدلوهم في موضوع إصلاح أوضاعنا التعليمية فلسنا بحاجة إلى التجريح واثبات أن مناهجنا منزهة عن النقص فنحط من قدر المخالف ونخلط بذلك بين الدين المعصوم والاجتهاد القاصر! و يحاول البعض التأكيد في كل مناسبة على سلامة مناهجنا الدينية كلها رغم قصورها المؤكد في جوانب كثيرة وهو أمر يعتري جميع المناهج الدراسية لذلك فإن عملية تقويم وقياس المناهج الدراسية عملية مستمرة مهما تشدد الرافضون ، إذ إن الأمم القوية اليوم هي التي تفخر بمنجزاتها ولا تحتقر النقد المتجرد.

          والنقد التربوي الذاتي الموضوعي ضرورة لتطوير استراتيجيات التعليم الديني والمدني على حد سواء ولا بد من تشجيع النقاش الموضوعي ونقد الموروث السلبي بجميع مفرداته..

          يؤكد الباحث د. عبد الرحمن حللي – عضو الهيئة التدريسية بكلية الشريعة – جامعة دمشق- “أن أزمة البحث العلمي في العلوم الإسلامية ومؤسساتها تكمن -في جوهرها- في مفهوم البحث العلمي ذاته، وغياب الصراحة في مناقشته وتسمية الأشياء بمسمياتها، وانتكاس المنهجية الإسلامية في بناء المعرفة، وتحول الحيرة والشك والمساءلة المعرفية ولو على سبيل الفرض إلى نقيض لليقين والإيمان بينما هي طريق اليقين والإيمان، والسالك فيها واصل أو محكوم له بالوصول، وطريق الوصول إلى بحث علمي حقيقي إنما يبدأ من المساءلة والشك فيما هو جار تحت هذا العنوان ودراسة آثار ما يجري ومقارنة ذلك برحابة الفكر الإسلامي وتنوعه وثرائه في عهود أصبحت من تاريخ الأمجاد والذكريات في عصر لم يعد يمتلك المسلم من فعله الحضاري ما يفاخر به غير ذلك التاريخ. ” [2]

              ويرى د.” عبد الحليم أبو شقة” في كتابه نقد العقل المسلم أن المعاهد الشرعية تعاني من تخدير عقلي كبير بسبب عدة أمور منها:

  • “حشو الذهن بحفظ المتون والشروح واستيعاب الهوامش .
  • الضغط على حرية الآخرين (سياسية واجتماعية واقتصادية) بإعطاء الذات حق الوصاية على الجميع ، فضلا عن الإرهاب الفكري من أفراد ومؤسسات تحمل لافتة دينية.
  • الحرمان من الغذاء الفكري الصحي ، وتقديم غذاء ضعيف أو فاسد لا يحوي المواد اللازمة لنمو العقل.
  • حفظ العلم للامتحان بدلا من فهم العلم للحياة.
  • التلقين بدلا من الفهم والاستيعاب .
  • الاكتفاء بالكتاب الدراسي بدلا من النظرة للمراجع المختلفة وجمع المادة الممتازة.
  • الهيام بالتحليق في التنظيرات ، بدلا من الاهتمام بفهم الواقع والسعي لتغييره.”[3]

             إن التعليم الشرعي في العالم العربي يعاني من إشكاليات عديدة نتجت من وهن الأوضاع السياسية، وجمود حركة الاجتهاد، وقصور في فهم النظريات الحديثة من أجل ذلك” فالحاجة ملحة لإجراء دراسات تقويمية عملية لواقع التعليم الشرعي النظامي والتطوعي تتناول المجالات التالية:

  • ü مخرجات التعليم الشرعي
  • ü المناهج وطرق التدريس
  • ü المدرسون وأعضاء هيئة التدريس
  • ü الكفايات
  • ü البيئة والأنظمة التعليمية [4]     

             هذا وتهدف التربية الإسلامية إلى توثيق صلة الطالب بمقاصد الدين وأهدافه العامة المتعلقة بوحدة المسلمين وخدمة الناس والإحسان في العمل وتربية الإنسان من خلال بناء شخصيته الإسلامية التي توازن بين علوم الدين وبين علوم الحياة.

             إن التطوير الشامل في ساحة التعليم هو الذي يتناول الأركان التربوية وهي تشمل: فلسفة التربية، والمناهج الدراسية، والمدرس، ووسائل التعليم، والطالب والسياسات العامة.

 11استراتيجيات تطوير المناهج وأساليب التدريس الحديثة ص 12. و ينظر تطوير التعليم الشرعي : حاجة أم ضرورة؟  ص 33 ومابعدها.

12أزمة البحث العلمي في الجامعات الاسلامية :انتكاس المنهجية في بناء المعرفة . مقال للدكتور عبد الرحمن حللي على موقع الملتقى الإلكتروني.

 نقد العقل المسلم : الأزمة والمخرج ص 23[3]

 تطوير التعليم الشرعي : حاجة أم ضرورة؟  ص 38 [4]

The post الحاجة إلى التجديد في طريقة تدريس العلوم الإسلامية .(2) سبل تطوير التعليم الشرعي وتجديده appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2XNkTAp
via IFTTT

الحاجة إلى التجديد في طريقة تدريس العلوم الإسلامية .(2) سبل تطوير التعليم الشرعي وتجديده


via منار الإسلام https://ift.tt/2XNkTAp

الدّعوة غاية الخلق (الحلقة 11): “جهاد التّرجمة”

في حلقة “بلسان قومه” حذرنا من أن عدم وضع الترجمة كأولوية في البلدان النّاطقة بلغات غير العربية قد تؤدّي إلى أخذ شباب الصحوة من كتب معيّنة.. بسبب أنها مترجمة.. متوفّرة في السّوق..

لقد قام المستشرقون بعملهم كما فعل النصارى وكما يفعل اليهود.. فهل قمنا بدورنا؟.. ليس تماما..

 

إن كتبا من هذا النّوع (أعني بعض كتب التصوّف) مترجمة إلى لغات أوروبية ومتوفّرة.. ذلك أن المستشرقين والمستعمرين يموّلون الكتب التي قد تظهر -لمن لم يباش قلبه نور الله- أنها تدعو للدّعة والتّواكل وعدم العمل…

وماذا تريد الأنظمة المستعمرة والمستبدّة المحليّة أكثر من إسلام فيه انعزال وذكر لكنّه لا مشاركة فعّالة له في الحكم أو في المطالبة بالعدل.. كلّ العدل: قضائيا كان أو اقتصاديا-ماليّا-اجتماعيا.. أو سياسيا.. يهتمّ بأمر المسلمين والمستضعفين..

كيف.. والحديث يحذِّر من لم يهتمّ بأمر المسلمين ؟..

 

لست ممن يحبّ أن يشكوَ أو أن يُلصق أخطاءَه بالغرب جملة ً–لا لبراءة الغرب.. بل لبداهة المسألة أوّلا ثم لعدم جدوى الشكوى إن لم يتبعها عمل براغماتي بناء-

ما فعلته في حواري مع صاحبي لم يكن مجديا في نظري ليُـثـنِـيـَه عن قراءة كتب التصوّف وحدها.. نصف سويعة من الحوار ربّما كانت غير كافية في مواجهة 450 صفحة.. كتبها حكيم في زمانه لأهل زمانه (كتبه في القرن 13).. كيف وأنا لا أملك البديل.. ليس لي ترجمة لكتاب “الإحسان” أو حتى لفقرات منه تشفي غليل صاحبي..

تحسرت.. لِمَ قرأ “تنوير” السكندري ولم يصله –كاملا بعدُ- “تنوير”[1] الإمام عبد السلام ياسين (كتبه في القرن 21)..؟؟

تحسرت.. لكنّي نصحته بأن يبحث عمن يتكلّم العربية من أهل الإيمان في بلده –أة في بلد مجاور- ليبدأوا في ترجمة فقرات من كتاب “الإحسان”.. في انتظار أن يترجم الكتاب كاملا.. وأن يترجم هو هذه الدّرر من التّرجمة الإنجليزية –بتدرّج- إلى “النيبالية”.. لسان قومه.. فالترجمة جهاد..

فإن عز التطوّع.. استأجر من يترجم.. فكان الجهاد بالمال أجدى.. وأسرع..

 

فالترجمة في تلك الرّبوع حيث لا عربيّة تسمع.. جهاد..

نعم الترجمة جهاد.. قال الإمام المجدّد رحمه الله مستحثا وناصحا بل ومعطيا أسماء كتب كان يريد ترجمتها:

وعلينا أن نحارب الكفر بترجمة كتب أمثال سولجنتيسين الذي فضح النظام الستاليني القائم على الإماتة والتعذيب. وكتاب أخير أخرجه فوسلونسكي، وكان من علية القوم، بعد هروبه من «جنة» ماركس عنوانه «نؤمنكلوترا». كاف وحده لدحض مزاعم الإديولوجية أنها تحرر الإنسان.”..[2]

 

الترجمة = محاربة للكفر = جهاد..

كتب هذا في 1979..

قرأنا الوصيّة.. وكان فينا من يتقن الروسيّة والانجليزيّة.. وفينا من عنده من المال الكافي ليستأجر من يترجم الكتابين.. وكتبا أخرى.. وهو ثمن رحلة إلى بلد ما يمكن إرجاؤها.. ولو لسنة واحدة على الأقلّ.. وفي هذا الإرجاء أجر كلّ من قرأ كتابا مثل “الإحسان”[3] بلغته إلى يوم الدّين..

لا أظنّ أن أحدا نفّذ الطّلب في وقته..

لكنّ الرجل لم يتوقّف..

رجل وأيّ رجل..

نفّذ الفكرة بنفسه.. بعد عشر (10) سنين.. ترجم لقومه –بلسانهم- أحسن المقاطع من “أرخبيل الكولاج” لسولجنتسين سنة [4]1989  ..

بل سجّل الرّجل بالأمازيغية لقومه –بصوته- مدخلا حول المنهاج النّبوي..

وكتب بالفرنسيّة.. وترجم بعض أتباعه بالإيطالية والفرنسية والانجليزية والأوردو ولغات أخرى..

وما كتبت إلا للتذكير بأولوية الترجمة في الدّعوة للتسريع بها.. فمنّا من لا يعرف العربية.. فيذهب يأخذ ظاهر الإحسان مما هو متوفر من ترجمات المستشرقين لكتب المتصوفين المبهم أسلوبها، المتجاوزة طرقها.. في غياب ترجمات لمباحث كتاب الإحسان..

 

في شهر ديسمبر2012 في بهو فندق ما بإستنبول.. كان محاضرون  في انتظار الحافلة التي كانت ستقلّهم إلى المطار.. كان بقربي باحث كبير في علوم التصوّف[5].. كاتب الدراسات المشهورة التالية:

–       ” Soufisme aux premiers temps de l’islam”

–       و”Qu’est-ce que le soufisme ?”

أردت أن أحدثه عن كتاب “الإحسان” الفريد.. فبدأت النّقاش حول تخصّصه هو.. وبما أن زادي من علوم التصوّف جدّ محدود.. طلبت منه 3 دقائق من وقته فأجاب أن نعم.. وكان يتكلم الفصحى.. فقرأت عليه مقدّمة “الإحسان” وهو مطرق رأسه في تركيز بادٍ.. فلمّا انتهيتـ، رفع رأسه وقال لي بفرنسية لا زلت أذكرها:

“لو كنت مكانكم لترجمت هذه المقدّمة إلى كل لغات العالم.. إنها وافية كافية”

 

كل لغات العالم..

 

قالها الإمام  يوما.. في أحد لقاءاته التي أدارها باللغة الفرنسية[6].. أحاةل ترجمة مقتطف منها:

“إن لنا رؤية وتصوّرا للعالم ووعيا بأنفسنا مختلفا عمّا يراه الناس الذين نخاطبهم.. سواء هنا بالمغرب أو خارجه.. إن الناس الذين لم يصلهم نور الإسلام والإيمان يكدحون في مشاكل أرضية.. يثّاقلون إلى الأرض فرحين بحياة خمول لا معنى لها وبفكر لم ينتبه بعدُ إلى كونه انتهى إلى طريق مسدود.. نحاول إذا تبليغ رسالتنا باستعمال هذه اللغة الأجنبية.. أعني الفرنسية..”

“كنت أود أن أتحدث بلغات أخرى.. أن أبلّغ بلغات أخرى..

بكل لغات العالم..

لأخاطب الإنسان..”

 

كل لغات العالم..

فلنفهم..

ولننفذ..

كل حيث هو..

بلسان قومه..

ليبيّن لهم..

[1]   “تنوير المؤمنات” وقد ترجمت منه أجزاء مؤخّرا إلى الفرنسية ةالانجليزية

[2]  المنهاج النّبوي –عبد السلام ياسين  صفحة 428

[3]  كتاب الإحسان للإمام المجدّد عبد السلام ياسين

[4]   أنطر كتاب الإسلام وتحدّي الماركسية اللينينية للإمام عبد السلام ياسين رحمه الله

Khassim DIAKHITE et Khassim Diakhaté est enseignant à l’Université Cheikh Anta Diop de Dakar (Sénégal) [5]

le devenir de l homme part 1 2 abdessalam yassine en francais[6]

 (https://www.youtube.com/watch?v=8mMzFVDpl3g)

ملحوظة: تعمدت تغيير بعض الأسماء في المقال..

The post الدّعوة غاية الخلق (الحلقة 11): “جهاد التّرجمة” appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2YRzEUb
via IFTTT

الدّعوة غاية الخلق (الحلقة 11): “جهاد التّرجمة”


via منار الإسلام https://ift.tt/2YRzEUb

Saturday, July 13, 2019

الدّعوة غاية الخلق (الحلقة 10): “بلسان قومه”


via منار الإسلام https://ift.tt/2jIKRqN

الدّعوة غاية الخلق (الحلقة 10): “بلسان قومه”

 

لا أدخل العالم الأزرق إلا حين أريد نشر فكرة ما..  استعمله للدّعوة ولا أتركه يستعملني فيستعبدني.. لا أبقى فيه كثيرا لأنه كالقمار يغري “بأرباح” صغيرة تجعلك تخسر في النهاية وقتا ثمينا.. 

أثناء دخولي، أتوقف بعض الوقت لأقرأ بعض التدوينات التي قد تفيدني في مشاريعي..

ما يثيرني أن بعض هذه التدوينات مكتوب من خارج المغرب.. لكن لا أفهم لِمَ يصرّ كاتبوها على أن يدوّنوا بالعربية دائما (فصحى ودارجة) عدا أنّ بعضها يخص الشأن العام المغربي ؟؟؟.. وكأن الناس لا قوم لهم هناك ليخاطبوهم.. حيث هم.. وكأنه لا شأن هناك يعنيهم.. وكأن لا أحد هناك ينتظر منهم دعوة.. آية.. حديثا.. نصّا مترجما من مراجعهم.. بلغته.. التي صارت لغتهم عندما هاجروا..

جاء في محكم الذّكر: )وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [1]

قال القرطبيّ “ولا حجة للعجم وغيرهم في هذه الآية، لأن كل من ترجم له ما جاء به النبي – صلى الله عليه وسلم – ترجمة يفهمها لزمته الحجة”..

يستحبّ أن يكون الدّاعي إلى الله المقيم في قومه.. “منهم”.. وأن يتكلّم لغتهم.. أي ثقافتهم.. يعرف طرائفهم.. وخصوصياتهم.. ليبيّن لهم..

 

الترجمة = حجّة..

 

وقد طلب رسول الله النبي – صلى الله عليه وسلم- من بعض الصحابة تعلّم لغات من عايشوهم من الأقوام.. فتعلّم  أحد كتاب الوحي، سيدنا زيد بن ثابث رضي الله عنه  –مثلا- السريانيّة.. إحدى لغات يهود..

 

أرجأت هذا الموضوع مرارا.. وأسررت .. ودوّنت ثمّ حذفت .. لأن الأمر لم يكن يعنيني مباشرة.. لكن حدث ما دفعني لكتابة هذا المقال..

 

منذ شهور.. قابلت أخا لي في الصحبة وهو من بلاد النيبال البعيدة.. قال لي إنه يقرأ كتبا من كتب الصّوفيّة كان آخرها ترجمة[2] لكتاب “التّنوير في إسقاط التدبير” لابن عطاء الله السكندري..

إن الطبيعة لا تحبّ الفراغ.. فلعدم وجود ترجمات لبعض كتب.. قد يرتمي طالب الإحسان في أحضان كتب القوم بلا خبرة وبلا دليلٍ خبير.. سيما وأنّه محاط بأصحاب الفتح الظـُّـلماني من أصحاب الرياضات والروحانيات التي يحبها الشيطان وإن كانت تغري أسماؤها بعض النّاس..

هذا ما أخافني وجعلني أفكر أن أولى الأولويّات هو ترجمة فكر الإمام لينهل منها محبّوه  عبر العالم مباشرة بلغاتهم.. وبلا وسائط.. ولنجنّبهم عثرات الفهم عن السّادة الصّوفية سيما ولغة القوم غير لغة العامة..

قد لا يجادل عاقل في حكمة السكندري رحمه الله.. لكن عنوان الكتاب قد يبدي غير محتواه تماما.. وقد يتعدد فهم محتوى مثل هذه الكتب بتعدد قارئيها واختلاف أحوالهم ودرجات إيمانهم..

كيف وإن أضفنا إلى ذلك أن من يترجم بعضها لا دين له أصلا وإن ادّعى الإسلامَ، دينَ الفطرة السليمة والفروسيّة والرجولة القويمة القوّامة والأنوثة الكاملة الحافظة.. دينَ الله الذي خلق الزوجين الذّكر والأنثى من نطفة إذا تُمنى..

أقول يدّعي الإسلام.. لأنه في هذه الحالة بالضبط يتمسح مترجم كتاب السكندري بالإسلام.. إنّ “سكوت كوغل” الذي ترجم الكتاب إلى الانجليزية يدافع عن حق “المثلية الجنسية” ويريد -بل ويكتب الكتب[3] ويحاضر- ليحاول أن يوفّق بين هذه الفاحشة-الجهالة-الرجس وبين الإسلام النقيّ الطّاهر.. يحوّر الأحاديث المنكِرة على الفسّاق الذين لا يتطهّرون ويضعّفها.. متناسيا أن القرآن الكريم قد وثّق حكم الله في هذه الكبائر: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ. أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)..[4]

لا يهمّني سكوت بقدر ما يهمني من يقرأ ترجمة مرت بين يديه.. ولا أهتم إن كان من هؤلاء الأقلّية من يدافع عن حقّ كل الأقليات بما فيهم أقليّات المسلمين في هذا البلد أو ذاك.. لن يفيدني دعمهم.. ولا يشرّفني أن أنتصر بهم.. كيف والغد للإسلام..  بل كيف أجيب إن طالبوني بدعمهم كِفاءً..

(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)..[5]

 

أقول كيف يذوق من هذه صفتـُه ذوقَ السكندري.. وأنّى له أن يُلهم قراءةَ ما بين سطور الأولياء بله استنباطَ ما في صدورهم.. أنّى لمن أفسد فطرته أن يلبس حال الحكيم القائم الصائم الطاهر المتطهّر..   

ثم إن كتب القوم يصعب فهمها بلغتها الأم فكيف إن ترجمت ثم ترجمت ترجمتها.. كيف تتحمل لغات أرضية روح الإيمان ونوره كما تستطيعه لغة القرآن؟

 

كنت قطعت تماما صلتي بالكتب الصّوفية منذ قرأت كتاب “الإحسان” للإمام عبد السلام ياسين.. فهو يمتح من لغة القرآن مباشرة ومن لغة الحديث الشّريف ومما وضح من لغة أكابر القوم.. كتاب رائع.. متوازن.. وسط..  كما هو الإسلام.. لا غموض فيه ولا غلوّ ولا تفضيل لطريقة في التقرّب إلى الله يصعب على القارئ نسبتها –بلا تكلّف- إلى سنّة رسول الله في عمله وحاله وحلمه وبساطته وبسطته وبسطه وسلاسة وفطرية أسلوبه في تعامله مع ربّه وملائمة شرعته لكل الناس ولكل الشعوب والملل عبر العالم..

تحسّرت وخفت أن ينحرف فهم صاحبي حديثِ السنّ.. حديثِ الإسلام.. سيما وهو ميّال إلى تشوّف حال أولياء الله والبحث عن قصصهم..

في طريقنا إلى المطار حاولت أن أترجم لصاحبي -بالاعتماد على الذاكرة- مبحثا في المجلّد الثاني لكتاب “الإحسان” عنوانه “التكسّب” وهو عنوان ما كنت لأتخيّل وجوده في كتاب حول الإحسان.. لأريَه كيف يجمع الإمام المجدد بين طِلبة الرّوح وضرورة الطّين.. بين الإحسان و الاستخلاف.. بين العدل والإحسان.. بين الدّعوة والدّولة..

تذكّرت ما جاء في كتب الإمام.. من أنه لا قيام للإسلام بلا مال.. وبلا تصنيع.. وبلا تخطيط.. وبلا اقتصاد.. وبلا تدبير.. كل هذا التخطيط الحازم.. مع التسليم..

قمت بما كان متاحا لي القيام به.. وكنت أراني كمن يصب قطرات ماء قليلة على جمرة من انبهار من قرأ كتابا حديثا..

استنفذت جهدي كلّه.. لكن الطائرة لم تسعفني..

 

تساءلت أين هو الخطأ ؟ وكيف نصححه ؟

بل لمَ لم يبحث عمن يعرفون العربية في بلاده ليترجموا له؟

حتى وإن كلّف الأمر مالا..

لِمَ رضي بالنهل مما دون النبع؟

وما حال من هم على شاكلته ؟

 

ألاف عبر العالم ينتظرون ..

[1]   سورة إبراهيم  – آية 4

[2]  The Book of Illumination – (Kitab al-Tanwir fi Isqat al-Tadbir) AUTHOR: IBN ATA’ ALLAH AL-ISKANDARI TRANSLATOR: SCOTT KUGLE

[3]  Homosexuality in Islam: Islamic Reflection on Gay, Lesbian, and Transgender Muslims-  SCOTT KUGLE

[4]  سورة النّمل – آية 54-55

[5]  سورة القلم – آية 9

ملحوظة: تعمدت تغيير بعض الأسماء في المقال..

The post الدّعوة غاية الخلق (الحلقة 10): “بلسان قومه” appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2jIKRqN
via IFTTT

أثر حروف المعاني في توجيه الأحكام الشرعية حرف (الواو)  و (أو) نموذجين دراسة تطبيقية تحليلية


via منار الإسلام https://ift.tt/30FUtmb

أثر حروف المعاني في توجيه الأحكام الشرعية حرف (الواو)  و (أو) نموذجين دراسة تطبيقية تحليلية

 تقديم

لقد أدرك علماء الشريعة الإسلامية أهمية اللغة في فهم الخطاب الشرعي، وأولوا علم النحو أهمية قصوى، اجتهد في تطبيقه المفسرون والفقهاء وعلماء أصول الفقه، فجعلوا منه علما حيويا يحيا ويرزق داخل النصوص، على خلاف علماء اللغة والنحاة الذي ينظرون ويجردون القاعدة، وقلما حللوا نصوصا إلا بمقدار تبيين القاعدة بمثال، أو بمقدار إيراد الشاهد احتجاجا لصحة القاعدة.

ولعلي في هذه الورقة  أبرز أهمية الحروف في علم النحو، وكذلك أهميتها في الدلالة واستنباط الأحكام الشرعية، ولا أعني أي حرف بل حروف المعاني، وسوف أقتصر على حرفين من حروف العطف في هذا المقال على أن نذكر الحروف الأخرى في مقالات أخرى -إن شاء الله-.

إن حروف المعاني لها أهمية قصوى في فهم الخطاب فلا يستغني عن دلالتها أحد ممن ينبري لتفسير كتاب الله، وقد تحدث عن هذه الأهمية عدد من العلماء، قال الإمام السيوطي(ت:911هـ) في الإتقان في النوع الأربعين، الذي ترجم له بـ:” معرفة معاني الأدوات التي يحتاج إليها المفسر قائلا:” وأعني بالأدوات الحروف وما شاكلها من الأسماء والأفعال والظروف، واعلم أن معرفة ذلك من المهمات المطلوبة لاختلاف مواقعها ولهذا يختلف الكلام والاستنباط بحسبها كما في قوله تعالى: { قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }[1]، فاستعملت (على) في جانب الحق كأنه مستعل يصرف نظره كيف شاء, و صاحب الباطل كأنه منغمس في ظلام منخفض لا يدري أين يتوجه .(…) وقوله تعالى؛ { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء… }[2]  في الأربعة الأخيرة إيدانا إلى أنهم أكثر استحقاقا للمتصدق عليهم بمن سبق ذكره باللام لأن (في) للوعاء فنبه باستعمالها على أنهم أحقاء بأن يجعلوا مظنة لوضع الصدقات فيهم كما يوضع الشيء في وعائه مستقرا فيه.” [3] وقد حدد الإمام الغزالي(ت:505هـ) ما يجب توفره في المجتهد من علوم الآلة التي تخدم جانب الفهم و الاستنباط قال:” أما المقدمة الثانية فعلم اللغة والنحو أعني القدر الذي يفهم به خطاب العرب و عادتهم في الاستعمال إلى حد يميز بين صريح الكلام وظاهره و مجملة ,(…) ومجازه وعام وخاصه, ومحكمه ومتشابهة و مطلقة ومقيده, ونصه و فحواه ولجنه ومفهومه “[4]

وأما الآمدي فقد قال عن أهميته:” وأما علم العربية فلتوقف معرفة دلالات الأدلة اللفظية في الكتاب والسنة، وأقوال أهل الحل والعقد من الأمة على معرفة موضوعاتها لغة من جهة الحقيقة والمجاز والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد والحذف والإضمار، والمنطوق والمفهوم، والاقتضاء والإشارة، والتنبيه والإيماء وغيره مما لا يعرف في غير علم العربية “[5]، أما ابن حزم فقد رفع الأمر فوق ذلك إلى نوع من الالتزام الشديد، والفرض الواجب قائلا:” ففرض على الفقيه أن يكون عالما بلسان العرب ليفهم عن الله عز وجل وعن النبي صلى الله عليه وسلم ويكون عالما بالنحو الذي هو ترتيب العرب لكلامهم الذي به نزل القرآن وبه يفهم معاني الكلام التي يعبر عنها باختلاف الحركات وبناء الألفاظ …”[6]، فابن حزم اعتبر النحو من العلوم المهمة التي يجب على الفقيه معرفتها لأنها “ترتيب العرب لكلامهم وأن الغاية منه فهم معاني الكلام وأن الحركات والأبنية ماهي إلا معبرة عن هذه المعاني وليست هي النحو”[7]، فالنحو وعلم العربية كما سماه بعض العلماء من أهم العلوم التي يجب على المتصدر للشريعة من معرفتها والإلمام بقدر يفهم به بعض مراد الله من خطابه وبعض مراد رسوله صلى الله عليه وسلم، وشدد فيه ابن حزم إلى درجت الفرض الواجب على الفقيه، به يعرف ترتيب الكلام واتساقه في نظم وانتظام، وحركات البناء والإعراب معبرة عن المعاني لأنها أكثر تحركا وتغيرا لمناسبة المعاني التي ترد على اللفظ بتغير سياقه.

المبحث الأول: أثر حروف المعاني في توجيه الأحكام الشرعية

 المطلب الأول: مفهوم حروف المعاني لغة واصطلاحا

بداية لابد من الوقوف على مفهوم حروف المعاني لغة واصطلاحا، ثم بعده نورد أمثلة أكتفي فيها بإيراد حرفين من حروف العطف -كما اشرت سلفا- وهما: (الواو) و (أو) وأذكر المعاني حسب ورودها في آيات الأحكام.

  • الحروف لغة: جمع حرف، وحرف كل شيء طرفه، وشفيره وحده، وشفى الشيء حده، قال ابن منظور:” والشَّفى حرْفُ الشيءِ وحَدُّه قال الله تعالى (على شَفى جُرُفٍ هارٍ) والاثنان شَفَوان وشَفى كلِّ شيء حَرْفُه قال تعالى (وكنتم على شَفى حُفْرة من النار)ِ”[8]. تحصل من معاني الحرف: حد الشيء وشفيره وطرفه.
  • الحرف اصطلاحا: هو” كلمة تدل على معنى في غيرها”[9]. وعرفه ابن النجار بقوله:” الحرف ما وضع باعتبار معنى عام ونوع من النسبة “[10].

فالحرف جزء في الكلمة وطرف فيها، مشارك في بناء وتمام المعني، معناه في علاقته بغيره من الكلمات، كما أن معنى الكلمات فيما يؤديه الحرف من المعاني. فحروف المعاني لها لطائف وأسرار تظهر عند دخول هذه الحروف في علاقة تركيبية، وبها تتحقق الأحكام النحوية والأساليب البلاغية من نفي واستفهام وشرط وغير ذلك.

حروف المعاني إذن هي التي تدل على معاني جزئية وضعت لها أو استعملت فيها، فهي تربط بين جزأين، ولها أيضا معاني تبعية، “فلا تستقل بالمعقولية، ولا تكون ركنا في الكلام إلا مع ضميمة، وسميت حروف معاني لأنها موضوعة لمعان تتميز بها من حروف المباني”[11]. والمراد بالحروف هنا ما يحتاج الفقيه إلى معرفته من معاني الألفاظ المفردة، من أجل تفريع الأحكام، واختلافها تبعا لاختلاف دلالة الحروف في لسان العرب، وليس الحروف التي هي قسيمة الأفعال والأسماء”[12].أي يحتاج حروف المعاني لاستثمار معانيها لإنتاج الدلالة والوصول إلى بعض أسرار الشريعة، التي تتوقف معرفتها ضرورة على معرفة معاني الحروف. 

نماذج تطبيقية لحرفي “الواو” و “أو” وأثرهما في توجيه الأحكام الشرعية.

 اقتصرت في هذا المقال على ذكر نماذج تطبيقية لحرفين من حروف العطف وهما “الواو” و “أو” أبين فيه أثر هذين الحرفين في اختلاف العلماء في استنباط الأحكام الشرعية.

حروف العطف تصنف ضمن حروف المعاني، فهي تؤدي معاني متعددة حسب سياقها، ونأخذ كمثال:

  • حرف الواو:

قال المرادي في الجني:” والواو حرف يكون عاملا وغير عامل، فالعامل قسمان: جار وناصب، فالجار: واو القسم وواو رب، والناصب: واو مع، تنصب المفعول معه عند قوم، والواو التي تنصب الفعل المضارع بعدها هي الناصبة له عند الكوفيين”[13]، والواو لها معاني تؤديها في سياقاتها، ومنها: “أنها تكون للعطف وهي أم حروف العطف لكثرة استعمالها ودورانها فيه، ومعناها الجمع والتشريك، ولا تخلو عن هدين المعنيين في عطف المفردات، لأنها لا تخلو أن تعطف مفردا على مفرد أو جملة على جملة، فإن عطفت مفردا على مفرد فإنها تشرك بيهما في اللفظ والمعنى”[14]، فالمعني الذي تؤديه الواو هو معنى الجمع والتشريك بين الشيئين(المعطوف والمعطوف عليه) بحيث تكون بينهما مناسبة معنوية اقتضت هذا الجمع والتشريك، حتى صاروا شريكين فيما يتصفان به من الصفات، حسنة كانت أم قبيحة، ويعتبر حرف الواو أصل حروف العطف في هذا الباب وإليه أشار البزدوي بقوله:” وأصل هذا القسم الواو، وهي عندنا لمطلق العطف من غير تعرض لمقارنة ولا ترتيب وعلى هذا عامة أهل اللغة وأئمة الفتوى”[15]، وقد زاد البزدوي أنهم لا يعنون بالعطف المقارنة بين المعطوف والمعطوف عليه، كما لا يرون أنها تفيد الترتيب.

الآية الأولى:

قال تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ… }[16]، فقد احتج من اشترط الموالاة في فرائض الوضوء وسننه أن الواو هنا توجب الترتيب بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالصفا في السعي بين الصفا والمروة، فقال صلى الله عليه وسلم:” نبدأ بما بدأ به الله عز وجل ” يريد به صلى الله عليه وسلم قوله تعالى:{ إن الصفا والمروة من شعائر الله}[17]وجوب الترتيب و وجوب الترتب بقوله تعالى {اركعوا و اسجدوا }[18]وهذا حكم لا يعرف إلا باستقراء كلام العرب وبالتأمل في موضوع كلامهم، فالحكم الشرعي إنما يعرف من قبل اتباع الكتاب والسنة والتأمل في أصول الشرع وكلاهما حجة عليه ودليل لما قلناه”[19].

فمنشأ الخلاف بين العلماء في حكم الترتيب  بين أفعال الوضوء منشأ لغوي، حيث اختلفوا حول معنى الواو، والوظيفة التي يؤديها هذا الحرف، فذهب الحنفية إلى أنه وضع حسب المذاهب اللغوية لمطلق العطف، وحجتهم في ذلك استقراء كلام العرب، قال البزدوي:” فإن العرب تقول جاءني زيد وعمرو فيفهم منه اجتماعهما في المجيء “[20]، أما الشافعية فقد احتجوا على وجوب الترتيب في فرائض الوضوء، فزادوا على ما يحتمله حرف الواو من المعاني أدلة من السنة النبوية، وهي قوله صلى الله عليه وسلم “نبدأ بما بدأ به الله عز وجل” ومقصوده قوله تعالى:{ إن الصفا والمروة من شعائر الله}[21]، فقوله صلى الله عليه وسلم نبدأ بما بدأ به الله يدل على أن الفعل تابع للفظ، وهذا تعليم منه صلى الله عليه وسلم للصحابة والأمة، وإشارة بليغة منه صلى الله عليه وسلم أن للتقديم والتأخير أهمية، وأن كل لفظ من القرآن الكريم إنما وضع بعناية شديدة، ووضع في مكانه المناسب، وحجة الشافعية تبدو قوية أكثر من حجة الحنفية، فالواو وإن كانت لمطلق الجمع، لا نعدم أن يضيف إليها القرآن الكريم معنى آخر هو معنى الترتيب الذي رجحه مذهب الشافعية .

قال أبو حيان:” ولا دليل في قوله في الآية على أن موالاة أفعال الوضوء ليست بشرط في صحة لقبول الآية في قولك متواليا وغير متوال، وهو مشهور مذهب أبي حنيفة ومالك ، وروي عن مالك والشافعي في القديم أنها شرط. وعلى أن الترتيب في الأفعال ليس بشرط لعطفهما بالواو وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، ومذهب الشافعي أنه شرط”[22]، إن علماء أصول الفقه أغنوا الدرس النحوي والفقهي بقوة الافتراض، وكثرت استثمار مدار المعاني التي تزخر بها الحروف، قال القفال الشاشي(المتوفى: 344هـ):” قال علماؤنا إذا قال لامرأته إن كلمت زيدا أو عمرا فأنت طالق، فكلمت عمرا ثم زيدا طلقت ولا يشترط فيه معنى الترتيب والمقارنة”[23]، فالواو ترد  لمعاني كما رأينا، كما أنه ينوب مناب بعض الحروف ويؤدي ما تؤديه من المعاني نذكر منها :

 معنى “أو“، ومثاله قوله تعالى:{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ}[24]، فالآية فيها أمر بنكاح ما طاب من النساء، محدود بالعدد مشروط بالعدل، قال الفراء(ت:207ه):” فانكحوا ما طاب لكم يعني الواحدة إلى الأربع (…) أما قوله مثنى وثلاث ورباع فإنها حروف لا تجري، وذلك أنهن مصروفات عن جهاتهن…”[25] ، فقد أشار الفراء إلى أن وظيفة الحروف مصروفة إلى غير معناها وغير جهتها، وهذا إشعار منه إلى أنها تحتمل معاني أخرى، والنتيجة التي حاجج عليها هي عدم إمكانية إضافة مثنى إلى ثلاث إلى أرباع، وأن حرف الواو ليس هنا للترتيب والجمع ولا للتفسير.

قال الزمخشري في تأويل هذه الآية:” فانكحوا الطيبات لكم معدودات هذا العدد، ثنتين ثنتين، وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا ، فإن قلت : الذي أطلق للنكاح في الجمع أن يجمع بين ثنتين أو ثلاث أو أربع، فما معنى التكرير في مثنى وثلاث ورباع، قلت: الخطاب للجمع، فوجب التكرير ليصيب كل ناكح يريد الجمع ما أراد من العدد الذي أطلق له، كما تقول للجماعة اقسموا هذا المال – وهو ألف درهم – درهمين درهمين، ثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة . ولو أفردت لم يكن له معنى، فإن قلت فلم جاء العطف بالواو دون أو؟ قلت: كما جاء بالواو في المثال الذي حدوته لك، لو ذهبت تقول اقسموا هذا المال درهمين درهمين أو ثلاثة أو أربعة أربعة، أعلمت أنه لا يسوغ لهم أن يقتسموه إلا على أحد أنواع هذه القسمة، وليس لهم أن يجمعوا بعض القسم على التثنية، وبعضه على تثليث، وبعضه على تربيع، وذهب معنى تجويز الجمع بين أنواع القسمة الذي دلت عليه الواو، و تحريره؛ أن الواو دلت على إطلاق أن يأخذ الناكحون من أرادوا نكاحها من النساء على طريق الجمع، إن شاءوا مختلفين في تلك الأعداد وإن شاءوا متفقين فيها محضورا عليهم ما وراء ذلك”[26]، فلو احتملنا حسب المعاني الأصلية للواو، التي تأتي لمطلق الجمع كما ذهب إلى ذلك الرماني، فإن ما يفهم من الآية في خصوص الجمع بين النساء التي يطيب نكاحها هو الجمع بين ثنتين وثلاث ورباع، فيكون تمام الجمع بالواو هو تسع نساء. وهذا مخالف تماما للشرع، ولهدي النبي صلى الله عليه وسلم، ومخالف لما عليه السواد الأعظم من الأمة. وبقي لنا أن نفهم أن الواو لها معاني أخر ، منها “أو” حسب تفسير الفراء والزمخشري، وذكره القنوجي في الروضة الندية[27] وحرف “أو” يتناسب معنويا مع سياق الكلام لأنه يفيد معنى التخيير بين أحد الأعداد المذكورة، مع الإشعار بمفهوم المخالفة عن الحضر فوق ذلك العدد، لما تدل عليه الأعداد من البيان والحصر، فإن الحكم إذا علق بعدد مخصوص دل هذا التعليق على انتفاء الحكم فيما عدا ذلك العدد، وهذا أشار إليه العلماء في مبحث مفهوم العدد.

  • معاني حرف  (أو)، وأثرها في توجيه الحكم الشرعي :

قال الرماني(ت:384هـ): وهي من الحروف الهوامل، وذلك نحو قولك أكلت خبزا أو تمرا وتعطف ما بعدها على ما قبلها، وتكون تخييرا، وذلك نحو قولك: تزوج هندا أو ابنتها، خيرته بينهما ولا يجوز أن يجمع بينهما، وتكون للإباحة كقولك جالس الحسن أو ابن سرين وتعلم الفقه أو الأدب”[28]،وأضاف الشيرازي(المتوفى: 476هـ) من معانيها حسب سياقها في النصوص قائلا:” تدخل في الشك للخبر، تقول كلمني زيد أو عمرو، وتدخل في التخيير في الأمر”[29] حسب هذا النص فالمعاني التي تنتج عن الحرف (أو) حسب استعمالها وسياقها هي: أنها تأتي للشك والتخيير والعطف والإباحة، كما أنه يمكن أن ينوب عنها حروف أخرى، مثل بل، والواو، وقد أول بعض المفسرين قوله تعالى:{ فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى }[30] بمعنى يتذكر ويخشى، ومثله قوله تعالى:{ عُذْراً أَوْ نُذْراً }[31] بمعنى عذرا ونذرا.

أثر ” أو” في تأويل حد الحرابة:

قال تعالى:{ إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }[32]، فالآية الكريمة تتحدث عن جزاء المحارب لله ورسوله، الذي سعى فسادا وعتوا في الأرض، فالحرف الذي يفصل بين أنواع هذه العقوبات الصادرة من المحكمة الإلهية، يشعر ظاهريا بمعنى التخيير؛ أي تخيير الحاكم في إنزال إحدى العقوبات المنصوص عليها على الجاني، والفقهاء اختلفوا بسبب هذا الحرف في تأويل هذه الآية، نعرض بعض تأويلاتهم واجتهاداتهم في الآية.

قال القرطبي(المتوفى: 671هـ):” اختلفوا في حكم المحارب فقالت طائفة يقام عليه بقدر فعله، فمن أخاف السبيل وأخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف، وإن أخذ المال وقتَل قطعت يده ورجله ثم صلب، فإذا قتَل ولم يأخذ المال قُتل، وإن هو لم يأخذ المال ولم يقتل نفي، قال ابن عباس: وروى عن مجلز والنخعي وعطاء الخرساني وغيرهم، و قال أبو يوسف : إذا أخذ المال وقتَل صُلب وقُتل على الخشبة، قال الليث: بالحربة مصلوبا وقال أبو حنيفة إذا قتل قُتل، وإذا أخذ المال وقتل فالسلطان مخير فيه وإن شاء قطع يده ورجله، وإن شاء لم يقطع وقتله وصلبه، قال أبو يوسف: والقتل يأتي على كل شيء، ونحوه قال الأوزاعي. قال الشافعي: إذا أخذ المال قطعت يده اليمنى وحسمت ثم قطعت رجله اليسرى وخلي، لأن هذه الجناية زادت على السرقة بالحرابة، وإذا قَتل قُتل، وإذا أخذ المال وقَتل قُتل وصلب،  وقال أحمد: إن قَتل قُتل، وإن أخذ المال قطعت يده ورجله كقول الشافعي، وقال قوم : لا ينبغي أن يصلب قبل القتل فيحال بينه وبين الصلاة والأكل والشرب”.[33] منشأ الخلاف بين العلماء هنا هو ما احتملته الآية من تأويلات وإمكانية الجمع بين العقوبات أو التفريق بينها، لما في “أو” من الاختيار وترك الاجتهاد للحاكم.

قال وهبة الزحيلي:” وعقابهم وجزاؤهم على سبيل الترتيب والتوزيع على حسب جناياتهم، وتكون أو للتوزيع، فمن قتل وأخذ المال قتل وصلب، ومن أخذ المال فقط قطعت يده ورجله من خلاف، ومن أخاف السبيل ولم يقتل ولم يأخذ مالا نفي من الأرض ، وهذا رأي العلماء وأئمة المذاهب”[34].

         وبالرجوع إلى أقوال النحاة في معنى (أو) نجد أنهم يفرقون بين ورودها في معرض الأمر وورودها في معرض الخبر، إذ يجعلونه بعد الأمر للتخيير وبعد الخبر للشك، والتقسيم والإبهام،  قال المرادي في التوضيح :” مذهب الجمهور أن (أو) لأحد الشيئين أو الأشياء، فإذا عطف بها في الطلب فهي للتخيير أو الإباحة، وإن عطف بها في الخبر فهي للشك أو للإبهام أو للتقسيم”.[35] ولخصها ابن النجار بقوله:” وخلاصة ما تقدم من معاني “أو”: أنها تكون للتخيير والإباحة، وللشك والإبهام بعد الجمل الخبرية، أما التفصيل والإضراب ومعنى الواو، فتكون بعد الطلب وبعد الخبر، والأفضل في الاضراب أن يسبقه نفي أو نهي، وأن يتكرر العامل معه، وهذه المعاني المسموعة خاضعة للسياق والقرائن لتبين نوع كل منها”[36]، فالحرف (أو) أدى معنى التخيير في الآية كما أدى معنى التفصيل حسب اجتهاد العلماء، فللحاكم إمكانيتين في الحكم على المحارب، وهو مخير بين أن ينزل به إحدى العقوبات مطلقا دون التفصيل في نوع الجريمة المقترفة، كما أن له إمكانية التفصيل في الحكم والعقوبة، كل فعل من الأفعال المنصوص عليها يستحق نوعا من العقوبات المذكورة مفصلة، وكل هذا التوسع والتفصيل والبيان بسبب ما أفادت المعاني التي اكتنزتها (أو).

ومن معانيها أيضا أنها تأتي للإباحة، ومعناه: ” ترك المخاطب حرا في اختيار أحد المتعاطفين فقط، أو اختيارهما معا والجمع بينهما إذا أراد”[37]، سياق الإباحة تأتي كما ذكر نايف بقاعي:” ولا تقع الإباحة إلا بعد الطلب، نحو قولك: جالس الحسن أو ابن سرين، ونحو قولك: تعلم الفقه أو الحديث”[38]، فالسياق له سلطة عظيمة في تنزيل المعاني منازلها، وفهم مداركها، فالإباحة كما ذكر، لا تقع إلا بعد أن يرد الطلب قبلها فيكون المخاطب مخيرا بين فعل شيئين، كما أن لفظ التخيير مشعر بإمكانية الجمع بين الشيئين أو الأشياء المطلوبة، كما في قوله : تعلم الفقه أو الحديث، فهو مخير بين العِلمين، كما أن هناك إمكانية الجمع بينهما بدون إنكار، وسوف نعرض تطبيقا من القرآن الكريم ، قوله تعالى:{ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون}[39]، فالآية تبيح المطعومات ودخول بيوت هذه الأصناف المذكورة من غير حرج، قال ابن عباس:” الآية من أولها إلى آخرها إنما نزلت بسبب أن الناس ، لما نزلت { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } قالوا لا مال أعز من الطعام وتحرجوا من أن يأكل أحد مع هؤلاء فيغبنهم في الأكل فيقع في أكل المال بالباطل، وكذلك تحرجوا عن أكل طعام القرابات لذلك فنزلت الآية مبيحة جميع هذه المطاعم.”[40]، وذكر أبو بكر الجصاص، أنها-أي “أو”- تتناول ما تدخل عليه لا جميعه، واعتبر هذا المعنى حقيقتها وبابها، قال:”أما (أو) فإن أهل اللغة قالوا هي للشك أو للتخيير وأصلها أنها تتناول أحد ما تدخل عليه لا جميعه، وهذا حقيقتها وبابها نحو قوله تعالى:{ أو كسوتهم أو تحرير رقبة} وقوله تعالى:{ من صيام أو صدقة أو نسك} تتناول أحد المذكورات لا جميعها، وهذا حكمها إذا دخلت على الإثبات، وإذا دخلت على النفي تناولت كل واحد مما دخلت عليه على حياله نحو قوله تعالى:{ولا تطع منهم آثما أو كفورا}(…) وقوله تعالى:{أو الحوايا أو ما اختلط بعظم}[41] قد نفى بها كل واحد من المذكورات على حياله لا على منع الجميع”[42] فقد أشار الجصاص إشارة لطيفة وهي أن (أو) لا تتناول جميع ما تدخل عليه، وزاد في حكمها نوعا من التفصيل، فإذا دخلت على الإثبات تتناول الواحد فقط دون الجميع وإذا دخلت على النفي تناولت كل ما تدخل عليه، ففي قوله تعالى:{ولا تطع منهم آثما أو كفورا} استغرقت الجميع، ولا تفيد التخيير بل تفيد الجمع والانتهاء عن طاعة الآثم والانتهاء عن طاعة الكفور معا، ولذلك أفتى الحنفية في مسألة الحلف في من حلف أن لا يكلم زيدا أو عمرا، فأيهما كلم فقد حنث عندهم، قال الجصاص الحنفي(المتوفى: 370هـ):” ومن أجل ذلك قال أصحابنا: فيمن قال : والله لا كلمت زيدا أو عمرا، أنه أيهما كلم حنث”[43]، أفادت الجمع  مطلقا، أيهما كلم حنث .

من معاني (أو) أنها تأتي بمعنى”حتى”:

مثاله قوله تعالى:{ لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ}[44]، قال الزمخشري في تأويل هذه الآية:” لا جناح عليكم: لا تبعة عليكم من إيجاب مهر إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن، ما لم تجامعوهن أو تفرضوا لهن فريضة إلا أن تفرضوا لهن فريضة، أو حتى  تفرضوا، وفرض الفريضة تسمية المهر”[45]، فقوله حتى تفرضوا بمعنى أن( أو) لها معنى (حتى) التي تفيد الغاية، أي إلى غاية تسمية المهر وفرضه، وقد ذهب التفتازاني (ت:792هـ) إلى أن (أو) في الآية:” عاطفة مفيدة للعموم أي عدم الجناح مقيد بانتفاء الأمرين أي: المجامعة وتقدير المهر حتى لو وجد أحدهما كان جناحا أي تبعة بإيجاب مهر فيكون (تفرضوا) مجزوما عطفا على تمسوهن”[46]، فهي حرف عطف له معنى (حتى) التي للغاية، كما أنها مفيدة للعموم عند التفتازاني.

خاتمة

  • تعتبر حروف المعاني مفاتيح أساسية عند علماء أصول الفقه في استنباط الأحكام الشرعية.
  • ساهمت حروف المعاني كما مر بنا من خلال هذين النموذجين في اختلاف العلماء في استنباط الأحكام الشرعية، كما أنها ساهمت في مرونة واتساع دائرة التكليف، فقد يستنبط العلماء حكما واحدا أو حكمين من النص الواحد حسب اجتهادهم، وكل حكم يُعمل به، فترفع المشقة عن المكلف.

   

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مصادر ومراجع

القرآن الكريم

– ابن النجار الحنبلي، شرح الكوكب المنير، لمحقق: محمد الزحيلي ونزيه حماد، مكتبة العبيكان، الطبعة: الطبعة الثانية 1418هـ – 1997 مـ.

– ابن عطية (المتوفى: 542هـ)، المحرر الوجيز ، ت: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية – بيروت، ط: الأولى – 1422 هـ.

– ابن منظور، لسان العرب ، دار صادر – بيروت، الطبعة: الثالثة – 1414 هـ.

– أبو إسحاق الشيرازي، اللمع في أصول الفقه، دار الكتب العلمية، الطبعة: الثانية 2003 م – 1424 هـ.

– أبو حامد الغزالي، المستصفى، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، ط ، 1413هـ – 1993م

عدد الأجزاء:1

– أبو حيان ” البحر المحيط”، لناشر: دار الكتبي، الطبعة: الأولى، 1414هـ – 1994م.

– الرماني، معاني الحروف،ت:د. عبد الفتاح إسماعيل شلبي،دار الشروق للنشر والتوزيع والطباعة،ط:2 سنة 1401     هـ/1981م.

– السعد التفتازاني، شرح التلويح على التوضيح، مكتبة صبيح بمصر، بدون طبعة وبدون تاريخ.

  – الفراء، معاني القرآن،ت”أحمد يوسف النجاتي / محمد علي النجار / عبد الفتاح إسماعيل الشلبي،دار المصرية للتأليف والترجمة – مصر،    الطبعة: الأولى

– القرطبي، الجامع لأحكام القرآن،ت: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية – القاهرة، ط: الثانية، 1384هـ / 1964 م.

– القفال الشاشي، لأصول الشاشي، دار الكتاب العربي – بيروت، دون الطبعة والسنة.

– المرادي، الجني الداني ، ت: فخر الدين قباوة، ومحمد نديم فضل، دار الكتب العلمية-بيروت، ط:1، سنة 1413ه/1992م.

– المرادي، الجني الداني ، ت: فخر الدين قباوة، ومحمد نديم فضل، دار الكتب العلمية-بيروت، ط:1، سنة 1413ه/1992م.

– النجار محمد بن عبد العزيز، ضياء السالك إلى أوضح المسالك ، مؤسسة الرسالة، ط1.

– جار الله الزمخشري(ت:538هـ)، الكشاف، دار الكتاب العربي – بيروت، الطبعة: الثالثة – 1407 هـ.

– جلال الين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، الطبعة: 1394هـ/ 1974 م.

– عبد العزيز البخاري(المتوفى: 730هـ)، كشف الأسرار أصول البزدوي،دار الكتاب الإسلامي، بدون طبعة والسنة.

– عبد الوهاب عبد السلام طويلة، أثر اللغة في اختلاف المجتهدين، دار السلام، الطبعة الثالثة، 1431ه2010م.

– علي نايف بقاعي، دلالات عشر حروف المعاني، دار البشائر الإسلامية، بيروت لبنان،  ط:1، سنة،1429هـ/2008م.

– وهبة الزحيلي، المنير، دار الفكر المعاصر – دمشق،الطبعة : الثانية ، 1418 هـ.

[1] – سورة سبأ، الآية 24.

[2] – سورة التوبة،الآية 60.

[3] – جلال الين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، الطبعة: 1394هـ/ 1974 م، ج2/166.

[4]– أبو حامد الغزالي، المستصفى،ج2/352.

[5] – الآمدي ، الإحكام في أصول الأحكام، ج1/09.

[6] –   ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام، ج2/693.

[7] – البحث النحوي عند الأصوليين، ص33

[8] – ابن منظور، لسان العرب ، باب(شفى)،ج14/436.

[9] –  المرادي، الجني الداني في حروف المعاني،ص20. أنظر، مختار الصحاح،الجوهري، مادة(حرف)،ج1/15.

[10] – ابن النجار الحنبلي، شرح الكوكب المنير، ج1/227.

[11] – عبد الوهاب عبد السلام طويلة، أثر اللغة في اختلاف المجتهدين، ص193.

[12] – شرح مسلم الثبوت، ج1/229.

[13] – المرادي، الجني الداني ، ت: فخر الدين قباوة، ومحمد نديم فضل، دار الكتب العلمية-بيروت، ط:1، سنة 1413ه/1992م. ص154.

[14] – المقالي(:703هـ)، رصف المباني، ت: احمد محمد الخراط، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، ص434.

[15] – عبد العزيز البخاري(المتوفى: 730هـ)، كشف الأسرار أصول البزدوي،دار الكتاب الإسلامي، بدون طبعة والسنة، ج2/109.

[16] – سورة المائدة، الآية 06.

[17] – سورة البقرة، الآية 158 .

[18] – سورة الحج، الآية:77

[19] – كشف الأسرار، ج2/110.

[20] – نفسه، ج2/110.

[21] – سورة البقرة،الآية 158.

[22] – أبو حيان ” البحر المحيط”، ج4/369.

[23] – القفال الشاشي، لأصول الشاشي، دار الكتاب العربي – بيروت، دون الطبعة والسنة. ج1/189.

[24] – سورة النساء، الآية:03.

[25] – الفراء، معاني القرآن،ت”أحمد يوسف النجاتي / محمد علي النجار / عبد الفتاح إسماعيل الشلبي،دار المصرية للتأليف والترجمة – مصر،    الطبعة: الأولى ج1/255.

[26] – جار الله الزمخشري، الكشاف، ج1/478.

[27] – القنوجي، الروضة الندية، ج2/54.

[28] – الرماني، معاني الحروف،ت:د. عبد الفتاح إسماعيل شلبي،دار الشروق للنشر والتوزيع والطباعة،ط:2 سنة 1401هـ/1981م. ص78-79.

[29] – أبو إسحاق الشيرازي، اللمع في أصول الفقه، دار الكتب العلمية، الطبعة: الثانية 2003 م – 1424 هـ، .ص66.

[30] – سورة طه،الآية 44.

[31] – سورة المرسلات، الآية 06.

[32] – سورة المائدة، الآية 33.

[33] – القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ت: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، دار الكتب المصرية – القاهرة، ط: الثانية، 1384هـ / 1964 م ج6/151-152.

[34] – وهبة الزحيلي، المنير، دار الفكر المعاصر – دمشق،الطبعة : الثانية ، 1418 هـ، ج6/163.

[35] – المرادي، توضيح المقاصد، دار الفكر العربي، ط1، ص1011.

[36] – النجار محمد بن عبد العزيز، ضياء السالك إلى أوضح المسالك ، مؤسسة الرسالة، ط1، ج3/208.

[37] – عباس حسن، النحو الوافي، ج3/604.

[38] – علي نايف بقاعي، دلالات عشر حروف المعاني، دار البشائر الإسلامية، بيروت لبنان،  ط:1، سنة،1429 هـ/2008م. ص،48.

[39] – سورة النور، الآية:61.

[40] – ابن عطية (المتوفى: 542هـ)، المحرر الوجيز ، ت: عبد السلام عبد الشافي محمد، دار الكتب العلمية – بيروت، ط: الأولى – 1422 هـ .ج5/91.

[41] – سورة الأنعام، الآية:146.

[42] – أبو بكر الجصاص الحنفي، الفصول في الأصول، ج1/89. أنظر قواطع الأدلة، للسمعاني (المتوفى: 489هـ)، ت: محمد حسن محمد حسن اسماعيل الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان،ط: 1418هـ/1999م  ج1/40.

[43] – أبوبكر الجصاص، الفصول في الأصول، ج1/89.

[44] -سورة البقرة الآية:236.

[45] – الزمخشري، الكشاف، ج1/284.

[46] – السعد التفتازاني، شرح التلويح على التوضيح، مكتبة صبيح بمصر، بدون طبعة وبدون تاريخ. ج1/213.

The post أثر حروف المعاني في توجيه الأحكام الشرعية حرف (الواو)  و (أو) نموذجين دراسة تطبيقية تحليلية appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/30FUtmb
via IFTTT

Friday, July 12, 2019

الدعوة غاية الخلق (الحلقة 7) : شهداء على الناس

 

قيادة العالم تستوجب صفات ذكرها الخالق سبحانه في كتابه العزيز وأثبتت صحتها وجذارتها تجارب الماضي والحاضر فما كان تحت حكم رسل الله عليهم السلام وحكام اهتدوا بنورهم عاش الناس في أمان واتسعت دائرة الخير وتقوت زعامة الصالحين فوق الأرض.

نرى في يومنا هذا كيف ضلت الإنسانية الطريق تحت راية الدعاة إلى دين العقلانية والإنسانية التي ما إن تمكنت من الريادة على الأمم حتى ضمنت لشعوبها أرغد سبل العيش واستلقت فوق عرش الرفاهية والرخاء تشاهد خلف الشاشات أجساد الجوعى تتآكل وضحايا حروب كانت هي وراء إثارتها.

لن يثنينا عن الدعوة بإذن المولى في زماننا هذا ضعفنا بين الأمم لما من علينا به الكريم سبحانه من يقين في الخلافة الثانية الموعودة و في مشروعها المتين الأصيل(1).

للدعوة شأن آخر حين تعطي التربية والتنظيم ثمارها وتستعيد الأمة قوتها وتبرهن للبشرية كيف أن تقدم العلوم والعقل المدبر وراءها لن توظف لاستعباد من لا يدين بدينهم.

آنذاك تطمئن الإنسانية لمن تمكن فرحم وآوى وأطعم وأغاث المستضعفين أينما كانوا وتنكشف خدعة صنم العقل والإنسانية على يد أمناء أقوياء شهداء على الناس.

بقلم هشام شرنوبي

(1) المشروع المفصل في كتاب المنهاج النبوي للأستاذ عبد السلام ياسين والذي يعد خطة متكاملة لتحقيق بشارة الخلافة على منهاج النبوة.

The post الدعوة غاية الخلق (الحلقة 7) : شهداء على الناس appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2LPIw91
via IFTTT

الدعوة غاية الخلق (الحلقة 7) : شهداء على الناس


via منار الإسلام https://ift.tt/2LPIw91

الدّعوة غاية الخلق (الحلقة 9): “يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا..”


via منار الإسلام https://ift.tt/2XVaSp1

الدّعوة غاية الخلق (الحلقة 9): “يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا..”

كبرى العقبات التي تعترض الانسان الكادح إلى ربّه ليلاقيَه: الكِبْرُ والاستعلاء..

وقد يستعلى المرء بمال رُزِقَه أو ذكاء أوتِيَه أو حسن خِلقة لم يرسمه.. مع علمه -أو جهله- بأنّ لا يد له في أية واحدة من هذه العطاءات.. من هذا التفضّل المحض..

لكن هناك استعلاء وترف من نوع آخر.. استعلاء بالتدّين.. بل بمظاهره..

وهذا ترف.. والتّرف توسّع في النعمة..

 

والإسلام نعمة.. لكنه أمانة قبل ذلك..

 

وكما يصدّ المترفون المستكبرون عن سبيل الله، ويحاربون دينَ الله، فإن المترف بدينه قد يصدّ النّاس وينفّرهم.. وإنّ منّا لمنفّرين.. كما جاء في الحديث..

 

في بعض لقاءاتي مع الدّعاة وغير الدّعاة أظهر لهم صورة لامرأتين: واحدة (واسمها “غيثة” وهي من المغرب) تصلي وتدعو الله بالليل والثانية تسجد لبقرة (واسمها “ماهاتا” وهي من الهند).. ثم أسألهم “من الناجية؟” أو “من ستكون في موقف حرج أمام الله تعالى؟” يوم البعث..

يكون الجواب بديهيا عند الغالبية: المشكل في عابدة البقرة..

 

ثمّ يأتي الجواب مفاجئا مثل السهم الذي يأتي ليشير بأن المشكل في من تقوم الليل.. ليس في عابدة البقر..

 

هنا أبدأ –كما “توهّم” المحاسبيّ رحمه الله ورحمني الله- في سرد حوار خيالي بين المرأتين بعد الاستيقاظ من نومة الموت في مرحلة ما من يوم البعث حيث يتسائل النّاس بينهم..

  • غيثة: ماذا ستقولين لربّنا وقد خلقك ثمّ عبدت بقرة هو من خلقها.. عوض أن تشكريه على أن أخرجك إلى النور من العدم..
  • ماهاتا: الآن علمت أن هناك ربّا لم نره عندما كنّا في الأرض.. كلّ ما أذكر أنني منذ صغري كنت –كما كلّ أطفال بلدتنا الصغيرة النّائية – ننتظر بفارغ الصبر والشوق يوم العيد لنذهب إلى المعبد في المدينة لنرى تمثال البقرة “الأم” المذهّب والمحاط بالألوان وروائح المسك والبخور.. منظر يغرينا كما تغرينا قبله ثيابنا الجديدة التي ننتظر طلوع الصّباح لوضعها.. وكما تغرينا النقود الكثيرة التي كنا نجنيها خلال ذلك اليوم..
  • غيثة: لكن هذا “شرك”.. “كفر”.. “الإسلام” هو دين الله الذي سيقبله..
  • ماهاتا: لا أدري عمّ تتحدثين.. لا أعرف هذه العبارات الثلاث.. لم أعرف أبدا شيئا غير ما وجدت آبائي يفعلون.. ولحبّي لهم وثقتي بهم وبحكماء قبيلتنا صنعت مثل ما كانوا يصنعون..
  • غيثة: هذا ليس عذرا.. كان عليك أن تبحثي.. الانترنت موجود..
  • ماهاتا: عمّ أبحث.. ليس في قريتنا مدرسة ولا حتى كهرباء.. ونحن فقراء.. كان همّنا إحضار الماء من بعيد والعمل وتحضير الأكل يوميا لخمسة عشرة فردا في أسرتنا.. إنك لم تري ظروفنا..ثم إنّه لم يأت أحد لإخبارنا.. وأنت ماذا ستقولين لله ؟؟
  • غيثة: سأقول له أنني تقربت إليه بالفرض والنفل..
  • ماهاتا: وكيف عرفته وكيف عرفت ما افترضه عليك؟
  • غيثة: ولدت في فاس.. هناك مساجد في حيّنا.. نسمع الأذان للصلاة خمس مرات في اليوم.. وفي منزلنا مصاحف وكتب حديث لأن أبي (قالتها بفخر) تخرّج من اكبر جامعة دينية هناك.. هو من علّمنا أن الإسلام شهادة وصلاة وحج وصوم وبذل زكاة المال والوقت والعلم.. للمحتاجين..
  • ماهاتا: إذا.. لا فرق بيننا.. أنت كذلك وجدت آباءك على دين فدنت به.. لم تبذلى أي جهد لتناليه.. لم تختاري أن تولدي في فاس قرب معابدكم.. ولم تختاري أسرتك المتديّنة.. بل مع كل هذه الأفضال، لم تستكملي دينك حتى..
  • غيثة: كيف لم أستكمله و”أنا” كنت أقوم الليل وكنت أحفظ القرآن و..
  • ماهاتا: قلت إن في دينك زكاة للمحتاجين..
  • غيثة: نعم هي فرض بل ركن.. زكاة المال والوقت والعلم..
  • ماهاتا: ماذا لو سألكِ الله عنّي؟
  • غيثة: ولِمَ يسألني عنك؟
  • ماهاتا: إن الله عادل حتما.. ماذا لو سألك لماذا لم تبذلي من علمك بوجوده وتخبري “ماهاتا” المحتاجة.. فقد أعطاك ما لم يعطني.. وحتما “اذخر” لي شيئا ما..

 

ربّما تذكّرت “غيثة” أنّها لفرط تديّنها الجغرافي-الوراثي-الاعتيادي-الفردي-المنكفئ-المكتفي-الأناني.. لم تُعِرٍ اهتماما لأصل دينها العالميّ المتعدّي إلى خلق الله أجمعين..

 

نسيت “غيثة” أن الإسلام رسالة –قبل أن يكون مناسكا- وأنها –ولأنها- تلقت الرسالة فعليها -عدلا- إيصالها لمن لم تصله.. لا وضعها في درج “خاص” بعد التلذذ بقراءتها..

 

وكما كل المسلمين الذين يردّدون “الحمد لله على نعمة الإسلام” –في لحظة انتشاء بحجّ أو عمرة أو صدقة أو عند رؤية عابدين للبقر-.. نسيت غيثتنا أن الإسلام أمانة قبل أن تكون نعمة..

أمانة كبرى.. أبت السموات والارض والجبال حملها وأشفقن منها..

وحملها الانسان..

إنّه كان ظلوما.. جهولا..

 

تذكّرت “غيثة” اكتفاءها الذاتي بأعمالها.. وأعجابها بها..

 

وربّما تذكّرت -وتذكرنا معها- قوله تعالى..

 

(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا، قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم، بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)..

The post الدّعوة غاية الخلق (الحلقة 9): “يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا..” appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2XVaSp1
via IFTTT

Thursday, July 11, 2019

الحاجة إلى التجديد في طريقة تدريس العلوم الاسلامية (1) منهج التعليم الشرعي


via منار الإسلام https://ift.tt/2JvMvpT

الحاجة إلى التجديد في طريقة تدريس العلوم الاسلامية (1) منهج التعليم الشرعي

توطئة :

           إن تدريس العلوم الإسلامية في ظل التطور العلمي الذي يشهده العالم اليوم في حاجة ماسة إلى إعادة النظر في طرق وأساليب تدريس هذه العلوم ،وذلك بالاستخدام الأمثل للتقنيات الحديثة في التربية والتكوين و استغلالها في تطوير مناهج البحث و التدريس وفق الاتجاهات التربوية الحديثة التي تجعل من أولوياتها رفع الكفاءة العلمية للطلاب وضمان الجودة الشاملة بما يواكب متطلبات العصر، مع الحفاظ في نفس الآن على المقاصد الشرعية من هذه العلوم.

           وفي هذا السياق، تتمحور إشكالية هذا البحث المتواضع في التساؤل الجوهري التالي:

كيف يمكن تطوير مناهج تدريس العلوم الإسلامية لتواكب مستجدات العصر وفي نفس الآن تحافظ على المقاصد الشرعية منها؟، وماهي بعض النماذج التي يمكن تبنيها من أجل الرقي بالجامعات الإسلامية والمؤسسات التعليمية تماشيا مع المتغيرات العالمية الحالية، والتجديد الذي يشهده الواقع في شتى المجالات ؟!

 

 

             التجديد” من المصطلحات التي حظيت بالكثير من الاهتمام وتسليط الضوء لأكثر من عدة عقود من الزمن ظهر خلالها صراع الأجيال نحو إرادة التغيير أو إلف القديم كما استُغلت مناهج التجديد في القرن الماضي للخوض بها في معارك الإصلاح السياسي كأداة لتطوير فكر المجتمع ومؤسّساته الدينيّة المسيطرة على الرأي العام في كثير من البلاد الإسلامية من أجل تسييسها وتهميشها ضمن مسارات الدولة الحديثة، كما حصل في تركيا بعد أتاتورك وانقلابه على الخلافة عام 1924م، وما حدث في الأزهر بعد ثورة يوليو 1953م، وما فعله ساطع الحصري في سوريا والعراق إبان توليه وزارة المعارف في العشرينيّات الميلادية، وما يحصل هذه الأيام من إغلاقٍ للمدارس والمعاهد الدينية في كثير من دول المنطقة ولكنه في هذه المرة يجري من غير انقلاب أو ثورة!.. هذا التاريخ الذي لا يزال يحكي صراع التجديد وتحدياته وتجاربه وتخيلاته بين أدعيائه وأعدائه هو ما نحتاج أن نقف معه، ونعيد النظر فيه بشكل جادّ ومستمر حول مفاهيم وآليات التجديد، وبخاصة في العلوم الشرعية ،هذه العلوم التي كانت فخر الأمة ومصدر عزتها وحضارتها لا يمكن أن تكون هي ذاتها سبب تخلفها وضعفها كما يتذرع منتقدوها، والواقع المعاصر يؤكد أن علوم الشريعة قد أصبحت ملجأً للضعفاء وموئلاً للكسالى ووصمة تخلف وسمة انتقاص لطلاب الشريعة وفقهائها في بعض المجتمعات الإسلامية!![1]

            إن هذه النظرة الدونيّة لتلك العلوم ليست دائماً تآمراً من الأعداء ومكائد ضد الإسلام -كما يتصور البعض- بل  إن تفريطنا في المحافظة على علومنا، وتنقية تراثنا، وإصلاح مناهجنا، ثم إهمال تطويرها لمواكبة المستجدات المعاصرة، وإيجاد الحلول لمشكلاتنا الفكرية والحياتية المختلفة سوف يُغيّب هذه العلوم عن الحياة المعاصرة، وينمي الرغبة للحلول المستورد  .             إننا في حاجة ماسّة لتفعيل دور تلك العلوم لتفي باحتياجاتنا وتواكب متغيرات مجتمعنا المعقّدة، ونقوم فعلاً لا لفظاً بالدور التجديدي لها من غير أن نلغي أو نبدّل .
         فالمعارف البشرية إذا توقّفت عن الإبداع والتجديد تأسنت في عقول أصحابها وشاخت أفكار روادها، وأرغمتهم نحو التبعيّة والانسياق في ركب الأمم المتقدمة، وتصبح علومهم مهما كانت نفاسَتها كالنقود التي ولّى زمانها وذهبت قيمتها.

            ومن المؤسف أن دعوات التجديد ارتبطت في ذهن البعض بأنموذج خاطئ أراد محو الماضي، وإبدال الوحي المعصوم بآراء بشرية تحكمها مصالح آنية، وهم كما قال فيهم الأستاذ مصطفى صادق الرافعي: “إنَّهم يريدون أن يجدِّدوا الدين واللغة ‏والشمس والقمر!!”[2] فهذا التطرف في دعوى التجديد لا ينبغي أن يقابله تطرّف في الانغلاق والتقليد، وأحسب أن أهل العلم والبصيرة من حملة العلوم الشرعية على عاتقهم مهمة كبرى تلزمهم المبادرة في وضع مناهج ورؤى جديدة في تصنيف وتدريس وتنزيل العلوم الشرعية على معاش الناس واحتياج مجتمعاتهم الحاليّة والمستقبليّة دون الغفلة عن تكوين الطالب والمعلم التكوين الذي يؤهله للتعايش الإيجابي مع واقعه وتعميق وعيه بمجريات الأحداث التي حوله ، فحالات النهوض والتجديد في تاريخ علومنا الشرعية تعدّ منارات عطاء وهداية للأجيال اللاحقة، أضاءها الشافعي في رسالته والغزالي في مصنفاته الفقهية وابن تيمية في فتاواه واختياراته والشاطبي في موافقاته، وغيرهم من رواد التجديد الديني في مسيرتهم الصادقة والمتتابعة كما أخبر عنهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: “إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا” [3]

1ــ منهج التعليم الشرعي:

           لا شك أن تطوير المناهج عامل أساسي في مقومات العملية التعليمية ، فهو ليس عملا اختياريا أو احتماليا ، ولكنه عمل حتمي، إذ لا يمكن للمعاهد الشرعية أن تحقق أهدافها إلا بإنجازه على أفضل وجه ممكن . ولا شك أن الحاجة ملحة لإعادة النظر في مناهج المعاهد والكليات الشرعية  وتطويرها خاصة في زماننا الراهن الذي باتت المشكلات تعصف بعالمنا الإسلامي ، وفي زمن صارت العولمة شعاره ، والعلمانية دثاره . ولا أريد الخوض في دواعي تطوير الكليات الشرعية ، لأن الواقع يغني عن الخوض في هذا المضمار ، ويكفي للتدليل على ذلك عجز المناهج الحالية ، وعدم قدرتها على الإسهام الفعال في توجيه التغيير الاجتماعي ، أو المساهمة في حل مشكلات المجتمع.[4]

             فلابد لنا من منهجين يمضيان معًا،لا ينفك أحدهما عن الآخر، منهج في تلقي العلوم الشرعية ومنهج في التربية، لأن أصول المنهج ثلاثة : التوحيد والاتباع والتزكية. يقول سبحانه:” ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم”[5].

            وقوله تعالى:” لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِين “[6]
           وقال جل وعلا : ” هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِين” [7]
            فرسالة الأنبياء وورثتهم من بعدهم تتناول تلك الجوانب الثلاثة، فلابد من علم وعمل ودعوة ،ولابد من تزكية للنفوس وشحذ للعقول ، والمنهج الذي لا يراعي هذه الجوانب الثلاثة منهج يجانب الصواب [8]

لذا أقترح لتحقيق هذه الأهداف ما يلي :
أ –  ملاءمة هذه المناهج لتطور مراحل النمو الفكري والعقلي لطلاب العلوم الشرعية .
ب -مراعاة التكامل في المادة العلمية بين مقررات التعليم العام ومقررات الكليات الشرعية سعيا لتحقيق الوحدة الفكرية بين أبناء المجتمع .
ج ــــ مواكبة هذه المنـاهـج لروح العصر ومتطلباته والعمـل على استيعـاب المتغيرات ومعالجـة المشكلات وملاحقة علوم العصر .

د ــ إضافة دراسات علمية مساندة تطبيقية اختيارية إلى جانب دراسة الطالب في الكلية لتفتح أمامه المجال لدراسة أكاديمية في هذه العلوم ، كي تتاح للخريج خيارات متنوعة، فيزول بذلك الانفصام المفتعل بين رغبة الطالب في تعلم دينه والتخصص في العلوم الشرعية وبين تأمين مستقبله الاجتماعي، وتحقيق أمنه الوظيفي ،  إذ إن إدخال الدراسات المساندة من شأنه أن يزيل الصراع الذي يعيشه الطالب بين الحفاظ على هويته وتأمين مستقبله ،”فالصنائع لا بد لها من العلم”[9]. ولنا في سلفنا أسوة حسنة، فالكثير منهم إلى جانب تخصصه الشرعي ، كان متخصصا في علوم أخرى كالطب والهندسة وغيرهما ، من هؤلاء الغزالي، ابن رشد ، الرازي ، ابن النفيس ، القرافي… ، وغيرهم .
هـ – تضمين هذه المناهج الدراسية ما يطرح من أفكار ونظريات في المجالات الحياتية ومواكبة الخطط التنموية المطلوبة للمجتمع .
و – العناية بطرق التفكير ، وحل المشكلات ، والتنسيق والتكامل الرأسي والأفقي بين الخبرات.
زــ التركيز على المهارات العملية ، وتوسيع دور المكتبات ، والمعامل ، والمختبرات ، والورشات والرحلات في تنفيذ أهداف المناهج ، كل ذلك دون الإخلال بالمتطلبات الأساسية لإعداد طالب العلم الشرعي من علوم شرعية ، وعلوم مساندة .
ن ــــــ  اتباع الطرق العلمية في تقويم المناهج التعليمية ، والاستفادة من نتائجه في تطوير تلك المناهج ،لأن عملية تطوير المناهج لا ينبغي أن تتم دون ضبط علمي، ومنهجية سليمة حيث إن غياب هذين المحورين من شأنه أن يخضع عملية التطوير للأهواء الشخصية .[10]

1ـ للمزيد من التفصيل ينظر أثر المنهج الأصولي في ترشيد العمل الإسلامي للدكتور مسفر بن علي القحطاني ص119 ومابعدها.

 تحت راية القرآن 1/2[2]

 أخرجه أبو داود في سننه وصححه الحاكم في مستدركه[3]

  ينظر استراتيجيات تطوير المناهج وأساليب التدريس الحديثة .  الباب الأول ص 11 ومابعدها [4]

البقرة/129 5

 آل عمران/164 [6]

الجمعة/2 [7]

 www .islam .door من مقال للشيخ حسين يعقوب بعنوان نحو منهج عملي في طلب العلوم الشرعية على الرابط [8]

 مقدمة ابن خلدون 2/68[9]

 WWW .dralsherif .netعلى الرابط  10 تطوير المناهج التعليمية في كليات الدراسات الشرعية مقال للدكتور محمد بن عبد الغفار   

The post الحاجة إلى التجديد في طريقة تدريس العلوم الاسلامية (1) منهج التعليم الشرعي appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2JvMvpT
via IFTTT