Friday, July 5, 2019

الدّعوة غاية الخلق (الحلقة 4): من “الدّعوة إلى الإسلام” إلى “الدّعوة إلى الله”:

حين تسأل مسلما عن تعريف الدين الإسلامي يجيب بإحصاء أركان الإسلام الخمسة..

وهو جواب غير مكتمل: فأركان الدين ليست كلّ الدين.. كما أن أركان البيت –على أهمّيتها- ليست البيت..

 

و(إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ) [1]. وإنّ الدّينَ “إسلامٌ وإيمانٌ وإحسان”.. فقد جاء في “حديث جبريل” عليه السلام أن الدّين إسلام وإيمان وإحسان وانتظار للساعة لرؤية الله الذي خلقنا..

 

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال عمر: «بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخديه، وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت! فعجبنا له يسأله ويصدقه! قال: فأخبرني عن الإيمان! قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت! قال: فأخبرني عن الإحسان! قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة! قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل! قال: فأخبرني عن أماراتها! قال: أن تلد الأمة ربَّتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان. ثم انطلق. فلبثت مليّا، ثم قال لي (أي رسول الله صلى الله عليه وسلم): يا عمر! أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم! قال: إنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم».[2]

 

فالدّين الإسلامي إذاً مراتب: إسلامٌ بأركانه، وإيمانٌ بشعبه، وإحسانٌ بمقاماته..

هذا هو الدّين كاملا كما علّمنا إيّاه سيّدانا محمّد وجبريل –عليهما الصّلاة والسّلام- مشاهدة مباشرة لا رؤيا منام..

 

وليس هذا التّقسيم استنتاجا متكلفا، بل إن التفريق بين مراتب الدين وارد في القرآن الكريم:

(قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا، قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ، وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) –الحجرات 14-

“آمنّا”.. غير “أسلمنا”..  

 

وليس كل المسلمين مؤمنين.. فكما جاء في الآية التي تتبعها : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).. – الحجرات 15-

 

وكما نقرأ الفرق بين مرتبتي الإسلام والإيمان بوضوح في القرآن الكريم..

فإنّنا نقرأ كذلك الفرق بين مرتبتي الإيمان والإحسان بوضوح في القرآن الكريم:

(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).. -المائدة 93-

 ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا.. ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا

 

وكما أن الدّين مراتب، فإن الدّعوة مراتب: دعوة إلى الإسلام ودعوة إلى الإيمان ودعوة إلى الإحسان ودعوة إلى الله..

وإنّه “لا يدعو إلى الله إلاّ الذي يعرف الله.                                                                     

والذي لا يعرف إلا الإسلام؟.. لا يستطيع أن يدعوَ إلى الإيمان..                                                         

والذي لا يعرف إلا الإيمانَ ولا يعرف الإحسانَ؟.. لا يمكن أن يدعوَ إلى الإحسان..                                                           

والذي يدعو إلى الإحسان ولا يعرف الله عزّ وجل؟.. لا يمكن أن نسمّيَه داعياً إلى الله إلا تجوُّزاً..” [3]

[1] سورة آل عمران – من الآية 19

[2]  “حديث جبريل” المشهور الذي رواه الشيخان وأصحاب السنن عن عمر رضي الله عنه

                          

[3]  من الدرس العشرين من سلسلة دروس في المنهاج النبوي – للإمام المجدّد عبد السلام ياسين -رحمه الله- بتصرّف بسيط

The post الدّعوة غاية الخلق (الحلقة 4): من “الدّعوة إلى الإسلام” إلى “الدّعوة إلى الله”: appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2XIkDGY
via IFTTT

No comments:

Post a Comment