Monday, May 27, 2019

قراءة نقدية في كتاب ” علم الكلام والمجتمع في القرنين الثاني والثالث الهجري” للمستشرق الألماني جوزيف فان إس

المقدمة

 من الظواهر التي صاحبت ازدهار الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية، حركة أو ظاهرة الإستشراق التي عنيت بعلوم المسلمين بالدراسة والتحليل، واهتمت بتراث المسلمين المخطوط منه والمطبوع، تحققه وتدرسه وتهتم به في فترة من الفترات التي انشغل فيها المسلمون عن هذا التراث، وانصرفوا إلى متطلبات الحياة البدائية في معظم المجتمعات المسلمة، حتى أصبح العلم والعلماء غرباء في هذه المجتمعات[1].

و يعرف الإستشراق بأنه علم الشرق أو علم العالم الشرقي، وكلمة مستشرق بالمعنى العام، تطلق على كل عالم غربي يهتم بدراسة الشرق أقصاه ووسطه وأدناه، في لغاته وآدابه وحضارته وأديانه[2]، أو هو كل من يشتغل بالتدريس أو الكتابة أو إنجاز بحوث في موضوعات خاصة بالشرق[3].

ولطالما كان الشرق يمثل للغرب فكرة لها تاريخ وتقاليد فكرية وصور بلاغية ومفردات جعلت الشرق واقعا له حضوره الخاص في الغرب، استنادا إلى أسلوب التفكير الذي بناه المستشرقون عبر زمن طويل، والذي يقوم على التمييز الوجودي بين ما يسمى الشرق وما يسمى الغرب[4].

وإذا ما تغافلنا تلك النقطة الجوهرية التي ينطلق منها سعيد إدوارد في دراسته للظاهرة الإستشراقية، والتي تقوم على الحتمية النمطية، بمعنى أن الإنتماء الأبوي_ للمواطن الأوروبي_ يحتم عليه نمطا فكريا معينا، أو بعبارة أوضح، أن الإنسان الغربي يتحتم عليه أن يفكر بطريقة معينة، حيث ركز في ذلك سعيد على مفهوم الخطاب السلطوي في الثقافة الغربية وممارساته الأيديولوجية ضد الآخر، بوصف الظاهرة الإستشراقية نوعا من أنواع الخطاب الذي بنته المؤسسة الثقافية والسياسية المهيمنة في الغرب، لإيجاد بعد ثقافي وأخلاقي لحركات التوسع العسكري الاستعماري. وكذلك حرصه من خلال مناقشة الإستشراق والثقافة الإمبريالية على مناقشة الامتداد الكولونيالي الغربي في الشرق من خلال ما قدمه المستشرقون من صورة منحازة للعقل الغربي وحضارته.

وإذا ما تجنبنا كذلك الحديث عن ” الهدف الإيديولوجي في دراسة الشرق والشرقيين، والذي لم يعد ظاهرا الآن في الكثير من الكتابات الإستشراقية، بل يمكن القول أنه اختفى تماما، إذا ما تحاشينا كل هذا فسنجد أن هناك من المستشرقين من حاول جاهدا الالتزام بالحياد والموضوعية، وأنكر على الكثير من زملائه نزواتهم التي انحرفت بهم عن النزاهة العلمية، الشيء الذي ساهم في إقبال بعض المستشرقين الغربيين على الاهتمام بدراسة الشرق بدافع المعرفة الخالصة، ولاسيما التاريخ العربي الإسلامي، للإطلاع على ثقافة هذه الأمة وحضارتها، وقد اتخذوا من الإستشراق علما قائما بذاته، وعانوا بسببه ما عانوا من متاعب، وإن كان بعض الباحثين يفرق في أعمال هؤلاء المستشرقين بين جانبين:

 الأول: جانب الإنجازات العلمية في الحقول العلمية البحتة، من مخطوطات ووثائق ومعاجم وفهارس وتحقيق نصوص وغيرها.

 الثاني: الجانب الايديولوجي في أطاريحهم ومنهجهم البحثي عند تناول القضايا المتعلقة بالعقيدة أو القرآن الكريم والسنة النبوية، ونظرتهم إلى منظومة الإسلام عموما، فضلا عن أن هؤلاء البعض ينطلق من أرضية ثقافته الخاصة بإسقاطات غير عادلة عند التناول والتقييم. ومع ذلك كله لا يمكن إنكار تلك الجهود والأعمال القيمة التي قام بها المستشرقون، حيث استخرجوا التراث الإسلامي وبحثوه وتابعوه متابعة علمية منهجية قويمة، وهي جهود تستحق الإشادة بها علميا، ومن هذه الجهود كراسي اللغات الشرقية والمخطوطات بشتى اللغات، ودراسة التراث والتأليف فيه”[5].

و قد كتب المستشرقون وألفوا في جميع العلوم الإسلامية، بدءا من القرآن الكريم والسنة النبوية، والفقه الإسلامي وعلوم اللغة العربية، “كما اهتم المستشرقون _ الألمان منهم خاصة_ بدراسة علم الكلام الإسلامي، محققين في ذلك تقدما كبيرا تمثل في الأعمال المتعددة والمتنوعة للباحثين من المستشرقين، ولاسيما فيما يتعلق بتراث المعتزلة وتراث الإسماعيلية الفلسفي والديني وغيرهما من الفرق الإسلامية، والإلمام بما كتب في هذا الشأن يحتاج إلى عمل بيبليوغرافي مطرد”[6].

من هذه الأعمال على سبيل المثال لا الحصر، ” كتاب المسائل في الخلاف بين البصريين والبغداديين في الكلام في الجوهر ” الذي أملاه النيسابوري، ونشره أرثر بيرم من ترجمة ألمانية سنة 1902م.

من ذلك أيضا ” رسالة في استحسان الخوض في الكلام ” التي نشرها حيدر آباد الدكن في الهند سنة 1915م، بمصلحة مجلس دائرة المعارف النظامية.

ومن ذلك أيضا ” كتاب التمهيد في الرد على الملاحدة المعطلة والراقضة والخوارج والمعتزلة ” الذي نشره الأب ريتشارد جوزيف مكارثي اليسوعي سنة 1957م.

ومنها كذلك كتاب ” علم الكلام والمجتمع في القرنين الثاني والثالث للهجرة ” لشيخ المستشرقين الألمان جوزيف فان إس.

فما هو مفهوم الإستشراق وما هي أهدافه ؟ وماهو موقع علم الكلام في الدراسات الإستشراقية ؟ وما هي مقاربة فان إس ومنهجه في كتابه علم الكلام والمجتمع في القرنين الثاني والثالث للهجرة ؟.

المحور الأول: مفهوم الإستشراق وأهدافه

أولا: الإستشراق لغة واصطلاحا

 الإستشراق لغة اشتقاق من استشرق على وزن استفعل، وهو للسؤال والطلب غالبا نحو: ( استخرجته )، ويجيئ للاعتقاد في الشيء أنه على صفة أصله نحو: ( استسمنت ذا ورم ) أي: حسبته سمينا.

أو ( استنوق الجمل ) أي حسب الجمل ناقة، ويكون للتحول إلى الشيء حقيقة نحو ( استحجر الطين )، أي: صار حجرا حقيقة.

أو مجازا، أي: صار كالحجر في الصلابة. وكما في المثل: ( إن البغاث بأرضنا يستنسر )، أي يصير كالنسر في القوة. وعلى قياسه تقول: ( استشرق الغربي )، أي: صار شرقيا، وقد يراد منه الدخول في الشرق، فتقول: ( أشرق الرجل ) أي: دخل في شروق الشمس[7].

و اصطلاحا: الإستشراق هو علم يدرس لغات الشرق وتراثه وحضارته ومجتمعاته وماضيه وحاضره.. ويدخل ضمن معنى الشرق أية منطقة شرقية، لكن المصطلح يعني هنا ما له علاقة بالدراسات العربية أو اللغات التي تؤثر فيها العربية كاللغات الفارسية والتركية[8].

“و يمكن التمييز بين عدة تعاريف للإستشراق حسب سياقات مختلفة، كما صنع سعيد إدوارد في كتابه الإستشراق، فتارة يعرف الإستشراق على أنه أسلوب تفكير يقوم على التمييز الوجودي بين ما يسمى الشرق وما يسمى الغرب، وتارة يعرفه على أنه مذهب سياسي فرض على الشرق فرضا بسبب ضعفه، وتارة أخرى يعرف الإستشراق على أنه أسلوب غربي للهيمنة على الشرق وإعادة بنائه والتسلط عليه[9]، ولا تعارض بين هذه التعاريف والمفاهيم، إذ إن لكل منها سياقه الخاص حسب الإطار التاريخي الذي تناول من خلاله سعيد الظاهرة الإستشراقية في كتابه الإستشراق.

ثانيا: أهداف الإستشراق

إن مسيرة الإستشراق قد قطعت أشواطا تاريخية كبيرة، تمتد لقرون طويلة. وقد تشعبت وتفرعت غاياتها طوال هذه المدة، فكان منها ما هو عسكري، أو ديني، أو اقتصادي، أو استعماري، أو ثقافي بحت. ومنه ما كان يهدف لأكثر من واحدة من هذه الغايات[10]، وكثيرا ما كانت تلتقي هذه الدوافع والأهداف في مسعى واحد، فالدوافع الحقيقية هي التي يسعى إليها الساعون في مضامين شتى، وقد تلخصت دوافع الإستشراق فيما يلي:

1_ الدافع الديني: ويعد من أهم الدوافع والأسباب الرئيسية لنشأة الإستشراق، وقد صاحبه طوال مراحل تاريخه ولم يستطع أن يتخلص منه. لكنه لم يعد ظاهرا الآن في الكثير من الكتابات الإستشراقية بل إنه اختفى تماما، حيث أصبحنا نرى أن هناك فريقا من المستشرقين حاول جاهدا الالتزام بالحياد والموضوعية.

2_ الدافع العلمي: الذي ساهم في إقبال بعض المستشرقين الغربيين للاهتمام بدراسة العلوم العربية والإسلامية، يدفعهم في ذلك المعرفة الخالصة للشرق، ولاسيما التاريخ العربي الإسلامي، للإطلاع على ثقافة هذه الأمة وحضارتها.

3_ الدافع الاستعماري: والذي كان له الدور الكبير في تحديد النظرة الأوروبية إلى الشرق، وخصوصا بعد منتصف القرن التاسع عشر، وقد استفاد الاستعمار من التراث الإستشراقي هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد كان للسيطرة الغربية على الشرق دورها في تعزيز مواقف الإستشراق وفي مضمونه[11].

و بعيدا عن كل هذا، “فقد شكل الإستشراق نافذة جيدة على الشرق، تم التعريف من خلالها وطوال قرن ونصف القرن، بالعرب والإسلام وحضارتهما، بطرائق موضوعية وودودة في أكثر الأحيان، وأيا يكن الرأي الآن، بعد تغير الظروف والمناهج في تلك الدراسات، فإنه يكون علينا النظر إليها من جانبين: جانب الجهود المبذولة في نشر النصوص العربية القديمة نشرات علمية، شكلت منهجا سار عليه فيما بعد المحققون والدارسون العرب. وجانب العروض الشاملة والمتخصصة للتاريخ السياسي والثقافي العربي والإسلامي، ودراسات التاريخ الديني والنظام الديني، وتطورات الحضارة الإسلامية في عالم ما بعد العصور الكلاسيكية، وصولا إلى نهايات الدولة العثمانية. وقد كان للإستشراق الألماني تأثير كبير على الدراسات العربية والإسلامية على حد السواء، نظريا ومنهجيا، مما يجرنا إلى تخصيص فقرة للحديث عن الإستشراق الألماني ودوره في خدمة التراث الإسلامي[12].

ثالثا: الإستشراق الألماني

 تنبع الجدوى من الاهتمام بالإستشراق الألماني لتركه آثارا علمية مهمة يحتاجها الباحث العربي والمسلم والغربي على حد سواء في مجال الدراسات الشرقية والإسلامية، لذلك كتب عن الإستشراق الألماني مجموعة من البحوث والدراسات في العالمين الإسلامي والغربي، وقد شهد الطرفان بقدرة الإستشراق الألماني الموضوعية والعلمية، ففي المؤتمر العالمي للدراسات الشرق أوسطية، الذي عقد في مدينة مايتر في 8/12/2002 وضم ثمانية عشر بلدا أوروبيا، قدم إدوارد سعيد ثناءا استثنائيا للتراث التفسيري للبحث الفيلولوجي الألماني، كما أوضح أثره القوي في أعماله، وعده مصدرا هاما لكل من الفهم والنقد في عالم العولمة[13].

“فمنذ أن ذهب بعض المستشرقين أو دارسي العربية من الألمان، عند سلفستر دي ساسي أواخر القرن التاسع عشر، وكان ساسي مدير مدرسة اللغات الشرقية ( الحية )، التي أنشئت عام 1794-1795 لتدريب الشبان الفرنسيين الذين يراد إرسالهم إلى الشرق، والذين اصطحب نابوليون بونابارت عددا منهم – من مختلف التخصصات – في حملته على مصر عام 1799. عاد أولئك الألمان إلى بلادهم وأسسوا مدرستهم للغات الشرقية ببرلين عام 1887م[14]،فكانت نقطة البداية لهذا الإستشراق الفريد.

و ينفرد الإستشراق الألماني بميزات قد لا تتوافر لدى الإستشراق في البلدان الغربية، فالمستشرقون الألمان على الأغلب لم تسيطر عليهم مآرب سياسية، ولم تستمر معهم أهداف التبشير طوال مسيرتهم في دراسة الشرق، ولم يتصفوا بروح عدائية ضد الإسلام والحضارة العربية الإسلامية العربية.. وقد كان لأعمالهم أهميتها العلمية لما أبرزته من تأثير على الدراسات الشرقية في معالجتها لأصول التاريخ العربي الإسلامي، وما قدمته من دور في قيامها بعملية الجمع والتحقيق والنقد والنشر والحفظ لتلك الأصول، وأهم خاصية تفردت بها تلك الأعمال أنها نبعت من نظرة إيجابية إزاء التراث الإسلامي ساعدت هؤلاء المستشرقين على التقرب إلى العرب المسلمين[15].

و يميز في الإستشراق الألماني بين عدة اتجاهات كما يلي:

+ الاتجاه الأول: الموسوعيون التراثيون الذين يرون أن التراث العربي والإسلامي بحر يجب خوضه، وقد أنفقوا سنوات عمرهم في هذا التراث، قراءة وتحقيقا، ونقلا وتحليلا، واهمهم بروكلمان وفرايتاج، والشاعر والأديب فريدريك روكرت، الذي اعتنى بشعر المعلقات ومقامات الحريري، وترجمة ديوان الحماسة لأبي تمام مع تعليقات ووثقية وغير ذلك، ومنهم أيضا سيمون فليل، ومارتن هارتمان، وشبيتا، وأوجيست فيشر، وليتمان ونولدكه، وآدم بيتز، وآنا ماري شيمل.

+ الاتجاه الثاني: المستشرقون التراثيون المتخصصون وهم كثر، ولعل أهمهم أعضاء جمعية المستشرقين الألمان، التي تأسست عام 1845م، وقد عقدت مؤتمرها العلمي السابع والعشرون في رحاب جامعة بون سنة 1998م، وقد ضم أكثر من خمسمائة مستشرق على مدى أربعة أيام، وتنوعت الأبحاث بين التراث والمعاصرة، لكنها اتجهت نحو التخصيص.

+ الاتجاه التعليمي: الاهتمام باللغة العربية والنحو العربي من أجل التعليم والتدريس.

+ الاتجاه التنويري والوعي الرومانسي الذين أديا إلى توجه متحمس نحو الشرق، وبخاصة العرب ودراسة أدبهم ولغتهم.

+ الاتجاه التاريخي: ويهدف إلى دراسة الأدب العربي واللغة العربية باعتبارهما وثائق تاريخية قيمة لمعرفة حياة العرب ونمط تفكيرهم.

+ الاتجاه الفني: ويهتم بدراسة الأدب العربي دراسة فنية.

+ الاتجاه الإجتماعي: ويهتم بدراسة أدب العرب وفكرهم وحضارتهم دون معزل عن السياق الاجتماعي والسياسي[16].

المحور الثاني: موقع علم الكلام في الدراسات الإستشراقية

أولا: مفهوم علم الكلام

ويسمى بأصول الدين أيضا، وسماه أبو حنيفة النعمان بن ثابت ( ت 150 هجرية )، بالفقه الأكبر، ويسمى أيضا بعلم النظر والاستدلال، ويسمى أيضا بعلم التوحيد والصفات، وهو علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينية على الغير بإيراد الحجج ودفع الشبه، ويقول المستشرق رودي باريت في كتابه ” محمد والقرآن “: “..تقول دعوة النبي محمد بالوحدانية القوية والصافية، وهو ما يقرره علم الكلام ( اللاهوت ) الإسلامي عبر العصور “[17]. وموضوع علم الكلام هو المعلوم من حيث إنه يتعلق به إثبات العقائد الدينية تعلقا قريبا أو بعيدا، وذلك لأن مسائل هذا العلم إما عقائد دينية كإثبات القدم والوحدة للصانع، وإما قضايا تتوقف عليها تلك العقائد، كتركب الأجسام من الجواهر، وجواز الخلاء وإثبات الحال، وعدم تمايز المعدومات المحتاج إليها في المعاد، وكون صفاته تعالى متعددة موجودة في ذاته.

وأما وجه تسميته بالكلام فلأنه يورث قدرة على الكلام في الشرعيات، أو لأن أبوابه عنونت بالكلام في كذا، أو لأن مسألة الكلام أشهر أجزائه، حتى كثر فيه التقاتل، وأما تسميته بأصول الدين فلكونه أهل لابتناء العلوم الشرعية عليه[18].

ثانيا: الإستشراق وعلم الكلام

اهتم عدد من المستشرقين بعلم الكلام، خصوصا في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وقد رجعوا أولا إلى المخطوطات المحفوظة في مختلف مكتبات أوروبا، ونشروا ما تيسر لهم نشره منها، خاصة المؤلفات المتعلقة بالمعتزلة والأشاعرة والماتريدية وأهل السنة والحديث.. وكلها مؤلفات أصلية ومباشرة توضح موقف كل فريق من العقيدة. فتوضح هكذا للمستشرقين مختلف المواقف العقائدية، وكان ذلك بما عثروا عليه في المخطوطات الخاصة بحقل علم الكلام، وهي مخطوطات تجمعت في مكتبات برلين وباريس وإنكلترا…إلخ. ثم قام فريق من المستشرقين بترجمة بعض هذه المؤلفات التي تبحث في علم الكلام إلى عدة لغات أوروبية، ولاسيما الألمانية والإنكليزية والفرنسية.

وهناك قائمة بعدد الأبحاث التي أنجزت في علم الكلام نشرت في المجلة التي تصدرها الجمعية الدولية لدراسة الفلسفة الوسيطة، العدد 15 لسنة 1972، من ص 191 إلى ص 209، وأضيف ملحق لهذه القائمة، في العدد المشترك لعامي 1974-1975، وهو العدد 15 من ص 189 إلى ص 195.

Bulletin de philosophie medievale. Edité par la société internationnale pour l’étude de la philosophie medievale. ( s.i.e.p.m ). Louvin-Belgique. [19]

ثالثا: الإستشراق الألماني وعلم الكلام

لقد حققت الدراسات الإستشراقية الألمانية في علم الكلام الإسلامي تقدما كبيرا، تمثل في الأعمال المتعددة والمتنوعة للباحثين من المستشرقين الألمان، ولاسيما فيما يتعلق بتراث المعتزلة وتراث الإسماعيلية الفلسفي والديني وغيرهما من الفرق الإسلامية، وإن الإلمام بما كتب في هذا الشأن يحتاج إلى عمل بيبليوغرافي مطرد.

ولقد اتجهت أعمال المستشرقين إلى التعرف على علم الكلام في مضمونه الذاتي، وقراءته التاريخية والحضارية، إلى معالم المذاهب الكلامية للفرق الإسلامية، مثل المعتزلة والأشاعرة والإسماعيلية والإمامية والإباضية من الخوارج. واتجه الإهتمام كذلك إلى دراسة كبريات القضايا الكلامية، مثل البحث في الصفات الإلهية، وفي نظرية التكليف وفي منزلة العقل عند المتكلمين، واهتمت بعض الدراسات بالتعرف إلى أهم الأعلام من المتكلمين من مختلف المذاهب. واتجه الإهتمام إلى الكشف عن المؤثرات الثقافية في أنساق المتكلمين، فاهتم بعض الباحثين بالنظر في علاقة المتكلمين ببعض الأحداث التاريخية المهمة في تاريخ الإسلام السياسي والديني والاجتماعي، كالباحث يوسف فان إس.

إن تقدم البحث في هذه الاتجاهات هو الذي دفع المستشرقين عامة والألمان منهم خاصة إلى مزيد من التخصص في القضايا الكلامية، وتعميق فهم الأنساق النظرية التي يصدر عنها المتكلمون أحكاما، والإلمام بمختلف المؤثرات التي كيفت علم الكلام، ولاسيما فيما يتصل بالمرحلة المبكرة من تاريخه. ولقد مكنت مجمل هذه الدراسات من التعرف إلى معالم المذاهب الكلامية للفرق والمتكلمين، ومن التقدم في الإحاطة بأهم القضايا الكلامية وأسسها النظرية، ومكنت من تزايد الإلمام بمختلف المؤثرات التي أسهمت في نشأة المقالات وتطورها[20].

المحور الثالث: مقاربة فان إس ومنهجه في كتابه ” علم الكلام والمجتمع في القرنين الثاني والثالث للهجرة ” : الجزء الأول منه

أولا: ترجمة موجزة للمستشرق الألماني جوزيف فان إس

جوزيف فان إس، مستشرق ألماني من مواليد 18 أبريل 1934م، في آخن.في عام 1959، حصل على الدكتوراه في بون مع أطروحة حول التصوف الإسلامي. تولى التأهيل سنة 1964 في فرانكفورت مع أطروحة حول نظرية المعرفة في المدرسة الإسلامية. وكان أستاذا زائرا في لوس أنجلوس جامعة كاليفورنيا (1967) وفي الجامعة الأميركية في بيروت (1967/1968)، وقد شغل أيضا منصب:

Professeur titulaire de la chaire des études islamiques et des langues

sémitiques à l’Université de Tubingen (en 1997).[21]

من أعماله باللغة الأصلية:

1- Die Erkenntnislehre des ‘Adudaddin al-Ici: Übersetzung und Kommentar des ersten Buches seiner Mawaqif. Steiner, Wiesbaden 1966.

2- Traditionistische Polemik gegen Amr Ibn Ubaid: Zu einem Text des Alī IbnUmar ad-Dāraquṭnī. Steiner, Beirut/Wiesbaden 1967.

3- Frühe mutazilitische Häresiographie: Zwei Werke des Nāši al-Akbar (gest. 293 H.). Orient Institut, Beirut 1971.

4- Das Kitāb an-Nakṯ des Naẓẓām und seine Rezeption im Kitāb al-Futyā des Ǧāḥiẓ: Eine Sammlung der Fragmente. Vandenhoeck und Ruprecht, Göttingen 1972.

5- Zwischen Hadith und Theologie: Studien zum Entstehen prädestinatianischer Überlieferung. De Gruyter, Berlin 1975.

6- Anfänge muslimischer Theologie: Zwei antiqadaritische Traktate aus dem ersten Jahrhundert der Hiǧra. Orient-Institut, Beirut 1977.

7- Chiliastische Erwartungen und die Versuchung der Göttlichkeit: Der Kalif al-Ḥākim (386-411 H.). Winter, Heidelberg 1977.

8- Der Ṭailasān des Ibn Ḥarb: „Mantelgedichte“ in arabischer Sprache. Winter, Heidelberg 1979.

9- Ungenützte Texte zur Karramiya: Eine Materialsammlung. Winter, Heidelberg 1980.

10- Der Wesir und seine Gelehrten: Zu Inhalt und Entstehungsgeschichte der theologischen Schriften des Rašīduddīn Fażlullāh (gest. 718/1318). Steiner, Wiesbaden 1981.

11- Theologie und Gesellschaft im 2. und 3. Jahrhundert Hidschra: Eine Geschichte des religiösen Denkens im frühen Islam. 6 Bände. De Gruyter, Berlin 1991–1997.

Band 1: 1991.

Band 2: 1992.

Band 3: 1992.

Band 4: 1997 (mit Register zu Bänden 1–4).

Band 5: 1993 (Texte I–XXI).

Band 6: 1995 (Texte XXII–XXXV).

12- Der Fehltritt des Gelehrten: Die „Pest von Emmaus“ und ihre theologischen Nachspiele. Winter, Heidelberg 2001.

13- Der Eine und das Andere: Beobachtungen an islamischen häresiographischen Texten. 2 Bände. De Gruyter, Berlin/New York 2011.[22]

ثانيا: منهج فان إس في كتابه ” علم الكلام والمجتمع في القرنين الثاني والثالث الهجري ” وأهم القضايا التي ناقشها

في موسوعته العلمية الشاملة “علم الكلام والمجتمع” يبحث شيخ المستشرقين الألمان فان إس في تاريخ التفكير الديني والاجتماعي والسياسي في القرنين الثاني والثالث للهجرة، ويطرح مجموعة من المفاهيم والمواضيع والأطروحات المثيرة للجدل حول العلاقة الجدلية بين اللاهوت والمجتمع.

فمنذ نشأته الأولى ارتبط علم الكلام بمشاكل المجتمع المتعدد الثقافات، فبالرغم من انه يبحث في ذات الله، إلا انه لم يكن مجرد تأمل تجريدي لعلماء الكلام، يقف بمنأى عن كل ما يحدث في المجتمع من صراعات اجتماعية واقتصادية وسياسية، ذلك أن علماء الكلام هم أفراد في المجتمع يتأثرون ويؤثرون فيه، ويكتسبون مكانتهم وهيبتهم الدينية من خلال تلك الصراعات، بالرغم من أنهم يزعمون أنهم يقفون فوق المجتمع بفضل علومهم القدسية. وهي نفس الفكرة التي انطلق منها المستشرق اليهودي ” إجناس جولدتسيهر” في كتابه ” العقيدة والشريعة في الإسلام ” حيث قال: ” ليس الأنبياء من رجال علم الكلام، فالرسالة التي يأتون بها بدافع إدراكهم المباشر، وكذلك المعارف الدينية التي يوظفونها، لا تتمثل كهيكل مذهب مبني طبقا لخطة روي فيها مقدما، بل كثيرا ما تتحدى كل محاولة للتنسيق المذهبي*. يجب إذا الانتظار إلى أن تأتي الأجيال القادمة، حيث تؤدي الثقافة المشتركة للأفكار المستقاة من الأنصار والأوائل، إلى تكوين طائفة محددة، عندئذ تتخذ تلك الأفكار شكلا مجسما، عن طريق وسائل داخلية في الطائفة نفسها، أو بفعل تأثيرات البيئة المحيطة، وهذه الأفكار تتم بواسطة من يشعرون أنهم مختارون ليكونوا المفسرين لما أتى به النبي”[23].

أهم المواضيع والقضايا التي تناولها فان إس بالبحث والتقصي والنقد

1-تاريخ العلاقة بين الإنسان والله

يتضمن الجزء الأول من الكتاب أسس العقيدة الدينية واركان الإسلام الأساسية وانتصاراته وتشكيل الوعي الإسلامي والهوية ورموزها. ويتضمن الجزء الثاني انتشار الإسلام في العراق ومصر والشام. أما الجزء الثالث فيبحث في وحدة الفكر الإسلامي وازدهار علم الكلام.
ويعالج الجزء الرابع تطور الفكر العقلاني التنويري لدى المعتزلة، وأزمة المعتزلة ونهاية المنهج الجدلي. كما يتضمن الجزء الخامس نصوصا من فكر المعتزلة والشيعة والمتصوفة. أما الجزء السادس فيبحث في تلامذة النظام والعلاف وإشكالية خلق القرآن.

إن تشكيل الوعي الاجتماعي والهوية الدينية بمختلف رموزها، وبخاصة العلاقة بين الإنسان والله وبين الفرد والجماعة وبين العقيدة والمسؤولية، وكذلك تشكيل صورة الرسول من خلال القرآن والسنة، لم تحدث مرة واحدة، وإنما تطورت مع الأحداث التي رافقت انتشار الإسلام في الأمصار المختلفة.
وقد ارتبطت هذه التطورات بوحدة الأمة ووحدة الفكر الإسلامي، وأثرت بدورها على تطور علم الكلام وازدهاره في البصرة ثم في بغداد، مثلما أثرت على تطور المعارف والعلوم، وأنتجت أنثروبولوجيا إسلامية كما عند ابن هذيل العلاف.

2-الفكر المعتزلي أول حركة عقلانية في الاسلام

لقد مثل الاعتزال حركة تنويرية طرحت أفكارا بالغة الأهمية في تحديد العلاقة بين الله والإنسان والنظرة المتطورة إلى طبائع الأشياء، حيث نظر المعتزلة إلى الإنسان بوصفه كائنا حرا ومسؤولا عن أفعاله، والى الكون باعتباره وحدة متناسقة من العلاقات والقوانين التي تربط بين أجزائها، وهو ما يمثل جوهر الاعتزال. وأشير هنا إلى أن بعض المستشرقين كإجناس جولدتسيهر لا يعدون المعتزلة فرقة، حيث يقول إجناس: ” فمما يدل مثلا على الجهل بتاريخ الإسلام جهلا تاما، وضع المعتزلة في عداد الفرق، ولاشك أن المتكلمين عمدوا بمحض إرادتهم إلى تكفير بعضهم بعضا “[24].
و ثمة هناك أهمية فائقة للعصور الإسلامية الأولى التي مثلت مجتمعا في بداية تكونه ووحدته وبداية انفتاحه على الآخر، الذي استطاع تأسيس حركة فلسفية قدمت خدمات جليلة لمعنى الوجود، وولدت فكرا متنوع الموضوعات لم يرتبط بالبديهيات ولم يستطع الفكر الذي تلاه أن يرتقي إليه أبدا.
ويعود ذلك إلى استعداد المجتمع الإسلامي الأول نفسه إلى أن يستمع إلى ما يقوله علماء الكلام وان يتقبله برحابة صدر، وأن يجعله محورا ليس لتشكيل الحياة الاجتماعية اليومية فحسب، بل وربطه بما هو اجتماعي واقتصادي وسياسي، بحيث امتد علم الكلام من ديوان الخليفة إلى العامة من الناس، وشمل مواضيع متعددة ومختلفة، من الأجور والعمل حتى العائلة والجنس.
وكما يقول فان إس، يمكن فهم” اللاهوت” بمعنى الكلام عن أمور دينية ودنيوية، وبمعنى آخر عن الواقع الاجتماعي بكل ما فيه من اختلاف وتناقض. وبالرغم من أن كلا من اللاهوت والمجتمع ما زالا يبحثان في تلك المرحلة، عن هويتهما وخصوصيتهما، فان الإسلام “الأول” من منظور متأخر لم يتغير كثيرا.

3- دور المثقفين

من هذه الرؤية السوسيولوجية انطلق فان إس في أطروحاته المختلفة لدراسة الإسلام ومراكزه الدينية وتطور العقيدة والفرق والمدارس الفقهية في جميع الأمصار الإسلامية التي اعتبرها دوائر حضارية تتداخل بعضها مع البعض الآخر، وتتمحور في مراكز حضارية.
بغداد مثلا، استقطبت العلماء والأدباء والشعراء من جميع المراكز الحضارية الأخرى لإجراء المناظرات الفكرية التي تحولت إلى تقليد ثقافي قام على التسامح والحوار، والتي ساعدت على تنشيط الحركة الثقافية والعلمية وفجرت إشكاليات تأويلية نقدية فيما يخص حقيقة التراث، وقادت إلى قيام المدارس والجامعات، كدار الحكمة والمستنصرية وغيرها،
كما بحث فان إس في دور المثقفين في نشأة علم الكلام منذ الخلافة الأموية حتى نهاية القرن الثالث للهجرة، حيث دخل الاعتزال آخر مراحله المدرسية، لتبدأ مرحلة هامة أخرى في تاريخ علم الكلام وهو علم الحديث، غير أن فان إس يشير إلى أن جميع ما يرتبط بالقرن الأول للهجرة من أحاديث كان يدخلها الشك لاختلاف الآراء حولها، ولذلك يكون من الصعب إصدار حكم، وإذا صدر أي حكم فهو غير دقيق. ولذلك كان من أهدافه تحقيق ما ارتبط منها بالكتابات الأولى التي تقع بين علم الكلام والحديث، خصوصا إذا عرفنا بأن جمع الحديث جاء بشروح شحيحة جدا، وهو ما يدفع المرء إلى أن يكون شديد الحذر ونقديا.

4-استخدام السيرة الذاتية

ومن الناحية المنهجية، لا يتجه فان إس إلى التساؤل عن الأشياء ذاتها، بقدر ما يتجه نحو “السيرة الجماعية ” للفاعلين الاجتماعيين، كما يستخدم “السيرة الذاتية” أيضا لمعرفة دور وأهمية الحركات الدينية والاجتماعية والسياسية التي قامت منذ بداية تكوين الفرق الإسلامية.
هذه المنهجية الإبستمولوجية من الممكن مقارنتها بمنهج البحث الأكاديمي الذي بات يطبق في الدراسات الإسلامية الحديثة في الجامعات الألمانية، الذي يستخدم المنهج الأنثرو- سوسيولوجي.[25].

وينظر هذا المستشرق الكبير إلى الفقه بمعناه الأوسع، بوصفه الحديث عن الواقع الذي يحدده الدين والذي يستهدي بالوحي، مع إقراره بصعوبة الإمساك بقطبي العلاقة بوضوح، نظراً لأن الفترة المدروسة، كان المجتمع فيها والفقه يبحثان عن هويتهما، لذلك يلجأ إلى تناول هذه العملية بحسب المدن والمناطق بشكل منفصل، محاولاً إعادة تشكيل الوضع الديني في المناطق المنفردة، ثم يحصر نظره في بغداد بوصفها حاضنة بلاط الخليفة في ذلك الوقت، ويبدأ من الأشخاص الذين يمتلكون تعليماً دينياً في القرن الأول، والذين كانوا يسمون القراء. ثم جرى التمييز تدريجاً بين الفقهاء والمفسرين والمتكلمين، حتى بقي من القراء فقط المتخصصون بقراءة القرآن. ويعدّ تفسير القرآن من أقدم فروع العلوم التي تتداخل فيه أعمال القراء والقصاص أو الرواة معاً. وكان الحجاج أول من أعطى موافقته على قيام أفراد بقراءة القرآن في المسجد خارج أوقات الصلاة، ثم قام الرواة بدورهم بإحاطة النص القرآني بتفسير تأويلي.

ويتتبع فان إس نشوء علم الكلام التناظري، إذ كانت المناظرات هي الوسيلة الحاسمة في نشر وتكريس وجهات النظر الدينية، وأدت إلى تطور فقه إسلامي بالمعنى الصحيح وهو علم الكلام. وكان على مبعوثي واصل بن عطاء أن يقدموا أنفسهم إلى الجمهور من خلال تقديم الاستشارات القانونية، واستمرت هذه الممارسة في التعليم القانوني قروناً، لكن من الصعب معرفة الفترة التي أجريت فيها المناظرات للمرة الأولى بين مسلمين وغير مسلمين، أو بينهم وبين إخوانهم في العقيدة، إلا أن الواضح هو أن المناظرة استخدمت كسلاح من قبل جماعات المعارضة، لأنها كانت تعاني من مشاكل الشرعية. أما تسمية المتكلمين، فإن الحديث كان يجري في البدايات عن المتكلمين بين القادة، أي”الذين يدلون بالتصريحات تحت أمر القائد”، ولم يصبح المصطلح بعد مكتملاً، مع أن المتكلم ظهر مبكراً بمعنى متحدث له وظيفة معينة، أو تكلم بمعنى ظهر كمتحدث.

وكان يقصد بالمتكلم ذلك الشخص المتحدث باسم وفد أو جماعة، وقد يكون شاعراً او خطيباً أو حكيماً أو قاضياً، وقد نقل عن مفسر القرآن المكي مجاهد قوله:”اختفى العلماء ولم يبقَ سوى المتكلمين”، وكان يقصد بالمتكلمين مجرد أبطال اللسان، وحين كان المرء يتعلم الكلام، أي يتعلم اللباقة في الكلام، وفي زمن أبي حنيفة، أي منتصف القرن الثاني للهجرة، كان الفقه يسمى الفقه الأكبر، ومن كان عالم دين ورجل قانون كان يسمى فقيهاً. أما في زمن الجاحظ فقد استخدم مصطلح”المتكلمون”بشكل واسع، إذ كان الأطباء أيضاً متكلمين إذا اهتموا بالفلسفة وعبروا عن أرائهم في العلن، وأحياناً لا يكاد يعني المتكلم بالنسبة إلى الجاحظ أكثر من”مثقف”، ولكن بالنسبة إلى الفقهاء تعتمد الكلمة من دون النظر إلى المدرسة من الأرازقة إلى المعتزلة. وكان الجدل مع غير المسلمين من أكثر المجالات التي أظهر فيها المتكلمون كفاءاتهم، الأمر الذي أفضى إلى اكتساب الفقه الإسلامي ملامحه في الطرق.

ويرى فان إس أن طريقة علم الكلام كانت تعتمد في البدايات على بنية المحاججة في القرآن، التي يكمن أصلها في المناظرات، حيث الأسئلة المستفزة والمسرّة التي تنشأ عن الدفاع حول المسائل الدينية بطريقة ديالكتيكية مع الآخرين، ورأى الجاحظ أن “من البلاء أن كل إنسان من المسلمين يرى أنه متكلم”. لكن كلما أصبح علم الكلام الإسلامي قضية متخصصين، أي متكلمين، كلما تشكل بلغة متخصصة، وأصبح غير مفهوم للهواة حتى للمتعلمين منهم. ويعتبر فان إس أن سورية والحجاز كانتا منذ العصر العباسي زاويتين ساكنتين، لم تعودا تؤثران في تطور الفقه، في حين أن العراق وإيران طبعتهما تناقضات مثمرة، فاستخدم الخلاف في الآراء أدوات الكلام بصورة متزايد. وتدفق المثقفون من جميع المناطق والمراكز الحضارية الأخرى إلى بلاط الخليفة في بغداد، لإجراء المناظرات الفكرية التي تحولت إلى تقليد ثقافي نهض على التسامح والحوار، وساعد على تنشيط الحركة الثقافية والعلمية وفجر إشكاليات تأويلية نقدية تخص حقيقة التراث، وأدى إلى قيام المدارس والجامعات، فتطور علم الكلام ليصبح مناظرة بطولة فكرية، وعليه يدرس فان إس مختلف هذه المناطق متتبعاً ملامح تطور علم الكلام والمجتمع فيها[26].

خاتمة

هذه بعض القضايا التي يطرحها فان إس للبحث، والتي أعطاها أبعادا اجتماعية استثنائية بفضل ثقلها السوسيولوجي، ومحاولاته لتفكيك أشكال “التقليدية” التي خلعت عليها أسدال التقديس زورا وبهتانا، والتي تشكل إحدى أهم المهام الملحة في الدراسات الإسلامية الحديثة،
وكما يقول محمد أركون، لقد فتح فان إس طريقا جديدا امام الباحثين للتحري العلمي عن قضايا ما زالت لم تطرح وتمارس وتنفذ، رغم أن المسلمين مازالوا يعيشونها ويعبرون عنها في حياتهم اليومية بنحو او بآخر.
إن هذه الموسوعة الجادة تكشف عن قضايا فكرية وفلسفية ذات دلالات دينية واجتماعية،وتضع أمام المهتمين بالفكر العربي – الإسلامي نموذجا رصينا في البحث العلمي الذي نحن بأمس الحاجة إليه[27].

فهرس المراجع

+ الإستشراق والدراسات الإسلامية، مصادر الإستشراق والمستشرقين ومصدريتهم، مكتبة التوبة، الطبعة الأولى

+ الإستشراق الألماني في القرنين التاسع عشر والعشرون، كارل بروكلمان أنموذجا، للطالبة مروة أحمد سامي، المرحلة الرابعة_شعبة ج

+ “الإستشراق” لإدوارد سعيد، ترجمة د.محمد عناني

+ علم الكلام الإسلامي في دراسة المستشرقين الألمان، للدكتور حيدر قاسم مطر التميمي، مقال على موقع المنهل الإلكتروني

+ قراءة نقدية في ( تاريخ القرآن ) للمستشرق ثيودور نولدكه. ص16، دار الكفيل للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى

+ الإستشراق ومناهجه في الدراسات الإسلامية،، دار المناهج للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى.

+ المستشرقون الألمان: النشوء والتأثير والمصائر. -. دار المدار الإسلامي. مكتبة مؤمن قريش. الطبعة الثانية 2016

+ الإستشراق الألماني ودوره في الدراسات الشرقية. مجلة دراسات استشراقية. العدد الثالث 2015.

+ الإستشراق الألماني ودوره في الدراسات الشرقية. مجلة دراسات استشراقية. العدد الثالث 2015.

+ محمد والقرآن للمستشرق رودي باريت،. ترجمة الدكتور رضوان السيد. الطبعة الأولى 2009. مؤسسة محمد بن راشد بن آل مكتوم.

+ جمع الجوامع في أصول الفقه.. دار الكتب العلمية. الطبعة الخامسة.

+ مساهمة المستشرقين في نشر التراث الإسلامي الخاص بعلم الكلام. مجلة الإنتماء العربي للعلوم الإنسانية. العدد 31. مارس 1983.

+ علم الكلام الإسلامي في دراسات المستشرقين الألمان. د. حيدر قاسم مطر التميمي. مقال على موقع المنهل الإلكتروني

+ Article sur le site data.bnf.fr

+ مجلة الأبحاث الإسلامية على الأنترنيت.

+ كتاب العقيدة والشريعة في الإسلام، للمستشرق اليهودي أجناس جولدتسيهر،. دار الكتب الحديثة بمصر.

+ مقال بقلم د. عمر كوش في 10 يناير 2009. على موقع الرياض الإلكتروني. عدد 16717.

+ مقال بقلم د. ابراهيم الحيدري. أستاذ وباحث في علم الاجتماع مقيم في بريطانيا، والمقال منشور على موقع القنطرة الإلكتروني


[1] الإستشراق والدراسات الإسلامية، مصادر الإستشراق والمستشرقين ومصدريتهم، مكتبة التوبة، الطبعة الأولى

[2] الإستشراق الألماني في القرنين التاسع عشر والعشرون، كارل بروكلمان أنموذجا، للطالبة مروة أحمد سامي، المرحلة الرابعة_شعبة ج

[3] “الإستشراق” لإدوارد سعيد، ترجمة د.محمد عناني

[4] المرجع السابق بتصرف يسير

[5] الإستشراق الألماني في القرنين التاسع عشر والعشرون، كارل بروكلمان أنموذجا، ص5، للطالبة مروة أحمد سامي، المرحلة الرابعة_شعبة ج

[6] علم الكلام الإسلامي في دراسة المستشرقين الألمان، للدكتور حيدر قاسم مطر التميمي، مقال على موقع المنهل الإلكتروني

[7] قراءة نقدية في ( تاريخ القرآن ) للمستشرق ثيودور نولدكه. ص16، دار الكفيل للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى

[8] الإستشراق ومناهجه في الدراسات الإسلامية، ص15، دار المناهج للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى.

[9] الإستشراق لسعيد إدوارد بتصرف يسير.

[10] قراءة نقدية في ( تاريخ القرآن ) للمستشرق ثيودور نولدكه. ص26، دار الكفيل للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى

[11][11] الإستشراق الألماني في القرنين التاسع عشر والعشرون، كارل بروكلمان أنموذجا، ص4-5، للطالبة مروة أحمد سامي، المرحلة الرابعة_شعبة ج

[12] المستشرقون الألمان: النشوء والتأثير والمصائر. ص9-15. دار المدار الإسلامي. مكتبة مؤمن قريش. الطبعة الثانية 2016

[13] الإستشراق الألماني ودوره في الدراسات الشرقية. مجلة دراسات استشراقية. العدد الثالث 2015. ص 192

[14] المستشرقون الألمان: النشوء والتأثير والمصائر. ص36. دار المدار الإسلامي. مكتبة مؤمن قريش. الطبعة الثانية 2016

[15] الإستشراق الألماني ودوره في الدراسات الشرقية. مجلة دراسات استشراقية. العدد الثالث 2015. ص 192

[16] الإستشراق الألماني في القرنين التاسع عشر والعشرون، كارل بروكلمان أنموذجا، ص13، للطالبة مروة أحمد سامي، المرحلة الرابعة_شعبة ج

[17] محمد والقرآن للمستشرق رودي باريت، ص112. ترجمة الدكتور رضوان السيد. الطبعة الأولى 2009. مؤسسة محمد بن راشد بن آل مكتوم.

[18] جمع الجوامع في أصول الفقه. ص3. دار الكتب العلمية. الطبعة الخامسة.

[19] مساهمة المستشرقين في نشر التراث الإسلامي الخاص بعلم الكلام. مجلة الإنتماء العربي للعلوم الإنسانية. العدد 31. مارس 1983. ص306

[20]علم الكلام الإسلامي في دراسات المستشرقين الألمان. د. حيدر قاسم مطر التميمي. مقال على موقع المنهل الإلكتروني

[21]Article sur le site data.bnf.fr

[22] مجلة الأبحاث الإسلامية على الأنترنيت.

*عقيدة المؤلف (إجناس) هنا كغيره من المستشرقين أن ما يأتي به النبي من عنده، ومن ثم فكلامه عرضة للتناقض والإضطراب، وأن ما جاء به لا يقوى أن يكون مذهبا قويما منسجما من أول الأمر، شأن كل عمل يصدر عن البشر. [23] كتاب العقيدة والشريعة في الإسلام، للمستشرق اليهودي أجناس جولدتسيهر، ص77. دار الكتب الحديثة بمصر.

[24] كتاب العقيدة والشريعة في الإسلام، للمستشرق اليهودي أجناس جولدتسيهر، ص187. دار الكتب الحديثة بمصر.

[25] مقال بقلم د. ابراهيم الحيدري. أستاذ وباحث في علم الاجتماع مقيم في بريطانيا، والمقال منشور على موقع القنطرة الإلكتروني

[26] مقال بقلم د. عمر كوش في 10 يناير 2009. على موقع الرياض الإلكتروني. عدد 16717.

[27] مقال بقلم د. ابراهيم الحيدري. أستاذ وباحث في علم الإجتماع مقيم في بريطانيا، والمقال منشورعلى موقع القنطرة الإلكتروني

The post قراءة نقدية في كتاب ” علم الكلام والمجتمع في القرنين الثاني والثالث الهجري” للمستشرق الألماني جوزيف فان إس appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام http://bit.ly/2wp6jnA
via IFTTT

No comments:

Post a Comment