Tuesday, June 11, 2019

التمويل التشاركي بالمغرب بين مطالب التجديد ودواعي التقليد (2)

المبحث الثاني: دخول التمويل التشاركي بالمغرب حيز التنفيذ وسؤال المقاصد والغايات

   بعد أن تحدثنا في المطلب السابق عن مقتضيات التمويل التشاركي وشروطه، بذلك نكون قد وضعنا لبنة من اللبنات التي يمكن أن تساهم في الدفع نحو التجديد المطلوب في التمويل التشاركي في شخصية البنوك التشاركية بالمغرب، التي مر حوالي سنة على دخولها حيز التنفيذ، الشيء الذي يتطلب منا ومن كل باحث إعطاء تقييم أولي عن هذه التجربة رغم قصرها، واستشراف مستقبل هذه البنوك وماذا يمكن أن تقدمه من نفع للبلد من الناحية الاقتصادية والاجتماعية؟ أم أن هذا ليس من أولوياتها؟، أو لا يدخل ضمن أهدافها أصلا؟ وبالتالي سنطرح سؤال مقاصد وغايات هذه البنوك؟ وقبل هذا وذاك، نطرح سؤال مدى ملائمة المواصفات التقنية لمنتجات البنوك التشاركية التي جاء بها المشرع من الوجهة الشرعية والقانونية؟.

الفرع الأول: ملاحظات عامة حول المواصفات التقنية لمنتجات البنوك التشاركية وكيفية تقديمها للعملاء

    جاء قرار وزير الاقتصاد والمالية رقم339.17 الصادر في  19 من جمادى الاولى 1438 (17 فبراير 2016) بالمصادقة على منشور والي بنك المغرب رقم 1/17 الصادر في 27 يناير 2017 المتعلق بالمواصفات التقنية لمنتجات البنوك التشاركية والتي حددها في خمسة وهي: المرابحة والإجارة والمشاركة والمضاربة والسلم، كما بين كيفية تقديمها للعملاء.

    وقد جاء هذا المنشور مفتتحا بمادتين، الأولى تتحدث على ضرورة المصادقة على المنشور السالف الذكر، أما المادة الثانية فقد أكدت على أن هذا القرار الذي تحدثنا عنه، أي قرار وزير الاقتصاد والمالية الذي صادق من خلاله على منشور والي بنك المغرب المتعلق بالمواصفات التقنية للمنتجات الخمسة وكيفية تقديمها إلى العملاء، سيدخل حيز التنفيذ ابتداء من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية، وقد نشر هذا القرار في تاريخ 3 جمادى الآخرة 1438 الموافق 2 مارس 2017 وبذلك يكون قد دخل حيز التنفيذ.

   ومما لوحظ و يلاحظ على هذه المواصفات التقنية والكيفية التي ستقدم بها منتجات البنوك التشاركية التي تم تحديدها، تبين عموما دون الدخول في حيثيات كل منتوج على حدة أن هناك مجموعة من الإشكالات والقضايا التي ينبغي الوقوف عندها من بينها نجد:

  • من حيث المصادر المعتمدة في تخريج مواد المنشور والمصادقة عليها:

حيث أنه لم نجد في المنشور الذي نحن بصدده ذكر المصادر والمراجع المعتمدة والمستند إليها بشكل واضح في تخريج مواده وبناء الاجتهادات الواردة فيها؛ وإنما كان ذلك بشكل عام وغير محدد بدقة؛ حيث جاء في عبارة للمشرع في هذا السياق قوله ” إن اللجنة الشرعية للمالية التشاركية من خلال فحصها لمواد المشروع المنشور كما عرض عليها في ضوء أصول الفقه الإسلامي وقواعده، ولا سيما منها قواعد الفقه المالكي …”[22]. فكان على هذه اللجنة على الأقل تحديد هذه الأصول والقواعد المعتمد عليها في الفقه الإسلامي حتى يسهل الرجوع إليها والبحث فيها من قبل الباحثين.

  • من حيث العمومية في آراء اللجنة الشرعية:

وتظهر هذه العمومية وعدم الدقة التي نتحدث عنها بشكل واضح من خلال رأي اللجنة الشرعية بشأن  مطابقة مشروع المنشور رقم 1/و/17 لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، حيث جاء في هذا الرأي: “.. وبناء على ذلك، فإن اللجنة، تعتبر أن ما ورد في مشروع المنشور المعروض عليها، وفق صيغته النهائية المرفقة بهذا الرأي، مطابق لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وليس فيه ما يخالف هذه الأحكام، استنادا للأدلة الشرعية، والاجتهادات الفقهية المعاصرة”[23].

    فمن خلال هذا الكلام تظهر ملاحظة بسيطة، وهو أن القول “بالمطابقة لأحكام الشريعة الإسلامية ” هو كلام عام يحتاج إلى تخصيص ومزيدا من التدقيق؛ على الأقل الإشارة إلى المذهب أو المذاهب الفقهية المعتمدة، خصوصا ونحن نعلم أن فقه المعاملات فيه اختلاف بين فقهاء المذاهب، ولا يكفي إشارة المشرع إلى اعتماد بعض قواعد الفقه المالكي،  ومثله القول: ” بالاستناد للأدلة الشرعية، والاجتهادات الفقهية المعاصرة ” فالأدلة الشرعية كثيرة وتختلف من مذهب لآخر، وهناك بعض الأدلة المختلف عليها، والأدلة غير المعتبرة في الشرع أصلا. وكذلك بالنسبة للاجتهادات الفقهية المعتبرة، نحتاج إلى معرفة أصحابها وما هي هذه الاجتهادات، لأن هناك كثير من الاجتهادات التي تعتمد على الحيل والتلفيق بين المذاهب الفقهية.

  • من حيث ظهور بعض ملامح التعارض بين بعض مواد المنشور وآراء اللجنة الشرعية:

تظهر بعض ملامح هذا التعارض بين مواد المنشور رقم 1/و/17 المتعلق بالمواصفات التقنية لمنتوجات البنوك التشاركية وكيفية تقديمها إلى العملاء وآراء اللجنة الشرعية للمالية التشاركية، فقد جاء من بين آراء اللجنة، أنه عند تسويق المنتجات التشاركية المحددة في المنشور يجب مراعاة قواعد التعاقد القائمة على مبدأ التراضي وانتفاء أي صيغة للإجبار والإذعان، وهذا ما يخالف بعض مواد المنشور التي جاء فيها نوع من الحصانة القانونية للمؤسسات المالية التشاركية وبعض الشروط  الملزمة، ويظهر هذا على وجه الخصوص في “الوعد الأحادي الملزم”، وكذا في “هامش الجدية”، وكذلك في “التعويض” سواء عند عدم الشراء أو عند التأخر في تسديد الأقساط بعد الشراء، بالإضافة إلى “الضمانات” كالرهن والكفالة.

الفرع الثاني: تقييم و ملاحظات أولية حول التمويل التشاركي بالمغرب بعد سنة من دخوله حيز التنفيذ

   يصعب في الحقيقة إصدار أحكام مسبقة عن عمل البنوك التشاركية وكيف يمكن أن تتعامل في المستقبل؟، انطلاقا من تقييم تجربة قصيرة لا تتجاوز حوالي السنة من العمل، لأن الواقع يفرض نفسه، والبنوك التشاركية جاءت في واقع قانوني واقتصادي وطني ودولي لم و لن يحترم خصوصيتها، لذا وجب قبل إعطاء أي تقييم أو ملاحظات حول عمل هذه المؤسسات، عدم فصل ذلك عن هذا الواقع المفروض الذي تحدثنا عنه.

   لكن هذا لا يمنعنا من القول، بأنه يظهر من خلال آراء وملاحظات جمهور الناس، من متعاملين، ومختصين، أن انطلاقة هذه المؤسسات التشاركية بالمغرب كانت مخالفة للمتوقع، ولما كان منتظرا منها، بالنظر لكونها جاءت بعد تجربة طويلة للبنوك الإسلامية، بمعنى أنها لا شك ستحاول الاستفادة منها وتجاوز عثراتها، نجد أنها تسير في نفس اتجاه هذه البنوك، ولم تأت بالجديد المطلوب المرغوب، وإنما قبلت بدواعي التقليد، سواء منه تقليد البنوك الإسلامية التي تعتمد في معظم معاملاتها على منتوج واحد هو المرابحة، التي تبين الإحصائيات الخاصة بهذه البنوك هيمنته على باقي الصيغ الأخرى كالمضاربة والمشاركة، الشيء الذي دفع مجموعة من المجمّعات الفقهية والمؤتمرات والندوات حول سير البنوك الإسلامية عموما إلى التأكيد على  ضرورة الابتعاد عن صيغة المرابحة قدر الإمكان واعتماد باقي المنتجات التمويلية الأخرى، هذا من جهة، ومن جهة ثانية تقليد البنوك الربوية، لأن التمويل بالمديونيات عموما يعد أقرب إلى التمويل التقليدي، وبالتالي فإن البنوك التشاركية لم تبدأ تلك البداية التي كان يتوقعها جمهور الناس الذين كانوا ينتظرون منها تحقيق البديل الإسلامي الحقيقي على أرض الواقع ولو بنسبة ضئيلة حتى يظهر الفرق.

  ويظهر بعد هذه البداية للبنوك التشاركية صحة ما كان يشير إليه بعض الباحثين من أن الهدف من هذه المؤسسات المالية، والعقود التي تجريها؛ هو الربح وتحقيق المصلحة الذاتية لا غير.[24]

   وبناء على كل ما سبق، هل يمكن القول بأن هذه المؤسسات المالية التشاركية لن يكون لها أي دور في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلد؟. وبذلك تتحلل من أكبر المسؤوليات الملقاة على عاتقها كمؤسسات مالية إسلامية نشأت كبديل للاقتصاد والتمويل الربوي؟، أم أن  هذه مجرد عقبات البداية فقط؟

  وفي هذا السياق أشار الدكتور محمد قراط[25] في حديثه عن موقع البنوك التشاركية بالنسبة للبنوك الأخرى كبنوك الاستثمار والبنوك المتخصصة والبنوك التجارية،”أن البنوك التشاركية باعتبار الواقع الآن ستكون بنوكا تجارية، تركز على المديونيات وتستثمر في حدود  معينة، بما يقترب من البنوك التجارية التقليدية، لكن مع تفادي الربا في كل هذا.”[26]

    وهذا المسار التي اتجهت فيه البنوك التشاركية كان واردا لأمرين:

“الأول: أن البنوك التي أعطيت لها التراخيص لبدأ معاملاتها المالية وفق مبادئ معينة في فقه المعاملات كلها ربوية 100% ( القرض العقاري و السياحي، البنك المغربي للتجارة الخارجية لإفريقيا، البنك الشعبي، والقرض الفلاحي للمغرب).

الثاني: هو أن البنوك أو المؤسسات المالية الإسلامية التي ستدخل شريكا مع البنوك المغربية، لم تعط معطيات مدققة حول القيمة التي ستدخل بها هذه البنوك مع البنوك المغربية، مع فرضية هيمنة البنوك المغربية على الرأسمال والأرباح”[27].

    وكل هذا يفسر ما اتجهت إليه المؤسسات التشاركية في معاملاتها حاليا من استخدام منتوج المرابحة الخاصة بالعقار والسيارات فقط وإهمال باقي المنتوجات التي لها علاقة وطيدة بالاقتصاد الإسلامي الحقيقي وخصوصا التمويلات التشاركية؛ كالتمويل بصيغة أو منتوج المشاركة.

      وبناء على ما تقدم يمكن الخروج بالخلاصات التالية:

  • أن ما سارت إليه المؤسسات المالية التشاركية خلال هذه المدة من عملها بعيد كل البعد عما كان منتظرا منها خصوصا من قبل جمهور الناس الذين كانوا يرغبون في التعامل معها.
  • أهمية وضرورة الوضوح في تقييم هذه المدة من عمل المؤسسات المالية التشاركية، والوقوف على مكامن الخلل، وتوضيحها بجرأة لعموم الناس حتى لا يفقدوا ما بقي من ثقة في هذه المؤسسات.
  • تدارك أمر هذه البنوك وإنقاذها من منزلق محاكاة عمل البنوك التقليدية من خلال تنويعها لمعاملاتها خصوصا التشاركية منها كالمضاربة والمشاركة باعتبارهما الأقرب إلى التمويل الإسلامي التشاركي الحقيقي.

 

   

المصادر المراجع:

  • التجديد في فقه المعاملات المالية المعاصرة، مفهومه- مشروعيته – مجالاته، د. رياض منصور الخليفي، بحث مقدم إلى: المؤتمر السادس للهيئات الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية المنعقد في مملكة البحرين، تنظيم هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، خلال الفترة 24-25 ذي الحجة ه، الموافق 14- 15 يناير 2007 م.
  • أبجديات البحث العلمي في العلوم الشرعية، فريد الأنصاري، دار السلام، القاهرة-الإسكندرية، (ط 3 / 1434ه، 2013م).
  • أساسيات التمويل الإسلامي، منذر قحف، الأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية ISRA، 2011.
  • البنوك الإسلامية في ضوء المستجدات التنظيمية للمنتجات التمويلية بالمغرب، مريد جواد، المتقي برينتر- المحمدية، (ط 1/ 1433ه، 2012م).
  • القانون البنكي، القانون المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، جمع وتنسيق زكريا العماري، مجلة القضاء المدني، مطبعة المعارف الجديدة- الرباط، 2015.
  • البنوك التشاركية الإسلامية بالمغرب في إطار المذهب المالكي وأدلته، عبد الله بن الطاهر التناني السوسي.
  • أصول المصرفية الإسلامية وقضايا التشغيل، الغريب ناصر، مطبعة الاسكندرية التوفيقية- القاهرة، (ط1/1417ه، 1996). المطالب الضرورية في شرح المقتضيات القانونية المتعلقة بالبنوك التشاركية، محمد قراط، معهد المعالي، مطبعة آنفو-برانت، 12 شارع القادسية- الليدو- فاس.
  • الاستثمار والرقابة الشرعية في البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية دراسة فقهية وقانونية ومصرفية، عبد الحميد محمود البعلي، ط1، 1991.
  • تطوير المنتجات المالية الإسلامية، المنهجية والآلية، د.عز الدين خوجة، بحث قدم في ملتقى الخرطوم للمنتجات المالية الإسلامية، في الفترة: 6- 7/ 04/ 2011.
  • الهندسة المالية الإسلامية”، (مجلة جامعة الملك عبد العزيز: الاقتصاد الإسلامي، المجلد 20، العدد2 (2007م/1428ه).
  • اتجاهات البحث العلمي في الاقتصاد الإسلامي، توفيق كمال الحطاب، بحث مقدم للمؤتر العلمي السابع للاقتصاد الإسلامي، 1429ه، 2008م.
  • رأي اللجنة الشرعية للمالية التشاركية رقم 1 الصادر بتاريخ 10 ربيع النبوي 1438ه /10 دجنبر 2016 م بشأن مشروع المنشور الصادر عن والي بنك المغرب المتعلق بتحديد المواصفات التقنية الخاصة بمنتجات التمويل التشاركي وكيفية تقديمها للعملاء، الجريدة الرسمية، عدد 6548 – 3 جمادى الآخرة 1438(2 مارس 2017).
  • القانون البنكي المغربي، عبد الرحيم المودن.

 

The post التمويل التشاركي بالمغرب بين مطالب التجديد ودواعي التقليد (2) appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام http://bit.ly/2WzqSYN
via IFTTT

No comments:

Post a Comment