Saturday, June 15, 2019

وقتنا هو رأسمالنا

مقدمة:

 قليل من الناس من يشعر بقيمة الوقت، فلو قمنا بإطلالة على المجتمع لوجدنا الأغلبية مضيعون لعمرهم ومستهترون بحياتهم، محرومون من نعمة استغلال فراغهم فيما يعود عليهم وعلى الأمة بالخير، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: ” نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ” (1)

فكيف نستشعر قيمة هذه النعمة العظيمة؟ وكيف نكون ممن يحافظون عليها؟

لقد أقسم الله تعالى بالوقت في مطالع سور عديدة بأجزاء منه مثل: الليل، النهار، الفجر، الضحى، العصر، مثل قوله تعالى:” والفجر وليال عشر ” (2)، وقوله عز وجل: ” والعصر إن الإنسان لفي خسر، إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر“(3)، ولله أن يقسم بما شاء من عظيم خلقه سبحانه.

فعمر الإنسان دائما في نقصان، وكل يوم يمر لا يعود، وكل يوم يمضي يدفعنا ويقربنا إلى لقاء الله وإلى الموت، يقول حسن البصري رحمه الله: ‘ ما من يوم يمر على ابن ادم إلا وهو يقول: يا ابن ادم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد وإذا ذهبت عنك لم أرجع إليك، فقدم ما شئت تجده بين يديك وأخر ما شئت فلن أعود إليك أبدا’، ويقول أيضا: ” يا ابن ادم إنما أنت أيام إذا ذهب يوم ذهب بعضك”(4)

و يقول ابن القيم رحمه الله: ‘ وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، وهو مادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمر مر السحاب فمن كان وقته لله وبالله فهو حياته وعمره، وغير ذلك ليس محسوبا من حياته، فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة، فموت هذا خير من حياته’.

فالمؤمن يحرص كل الحرص على ألا تمر عليه دقيقة أو برهة دون أن يتزود بعلم نافع أو عمل صالح أو إسداء نفع للغير أو مجاهدة للنفس.

في هذا الصدد يقول أبو العباس المرسي رحمه الله: ” أوقات العبد أربعة لا خامس لها: نعمة أو بلية، طاعة أو معصية وله في كل وقت منها حق: ففي النعمة الشكر وفي البلية الصبر وفي الطاعة شهود المنة وفي المعصية اللجأ والإنابة وطلب الإقالة”(5).

أمور تعيننا على حفظ الوقت

– اليقين الذي ليس فيه أدنى شك أن ما مضى من العمر لن يعود ولن يعوض، ويجب تدارك ما بقي منه بالتوبة والإنابة والمسارعة للخيرات والطاعات.

– التوجه إلى الله تعالى بالدعاء الخالص أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته وأن يبارك لنا في عمرنا ويستعملنا ولا يستبدلنا.

– محاسبة النفس وتضييق الحصار عليها كأن تقول لها: ماذا عملت هذا اليوم؟ وهل تزودت فيه من الحسنات أو اقترفت السيئات؟ وأين أنفقت وقتك؟

-الصحبة الصالحة: بصحبة ومجالسة ومشافهة والاقتداء بالمنظمين لأوقاتهم الصالحين الذين همهم وغايتهم طلب وجه الله، والابتعاد عن المستهترين بأوقاتهم، قال تعالى مخاطبا نبيه الكريم ومن سار على دربه صلى الله عليه وسلم: ” واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع مع أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا “(6).

– معرفة حال الرسل والصحابة والصحابيات والتابعين والتابعات والصالحين والصالحات من هذه الأمة مع الوقت بقراءة سيرهم ومعرفة أحوالهم حتى نستفيد من تجاربهم ونسعى للاشتغال بما كانوا يشتغلون به من عبادة وطلب علم وجهاد ودعوة إلى الله وخدمة للخلق.

– التنويع فيما يستغل به الوقت: فالنفس بطبيعتها سريعة الملل، فلكل وقت العمل المناسب له، مثلا عند دخول وقت الصلاة أول شيء يجب فعله هو الصلاة، وهناك أعمال تسنح في أوانها كعيادة المريض وتشييع الجنائز ومنها ما يجب أن يكون ملازما لنا وكذكر الله وغيرها من الأعمال، وكما جاء في وصية سيدنا أبي بكر لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنهما حين استخلفه: اعلم أن لله عملا بالنهار لا يقبله بالليل وعملا بالليل لا يقبله بالنهار. فالليل للقيام والدعاء والتبتل والنهار أيضا للصلاة والذكر والسعي والعمل والجهاد.

– تذكر ساعة الاحتضار حين يستدبر الإنسان الدنيا ويستقبل الآخرة، ويتمنى لو منح مهلة من الزمن، ليصلح ما أفسد ويتدارك ما فات، ولكن هيهات هيهات، فقد انتهى وقت العمل وحان زمن الحساب والجزاء.

– تذكر السؤال عن الحساب يوم القيامة حين نقف أمام ربنا في ذلك اليوم العصيب فيسألنا عن عمرنا فيما أفنيناه، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن عمله ما عمل به”(7)، فإذا عرفنا أننا موقوفون ومسئولون فلنستعد للإجابة من الآن باتباع الكتاب والسنة وبالعمل الصالح وبصفاء القلوب.

كيف نستثمر أوقاتنا ؟

العبادة كلمة جامعة شاملة لكل ما يمكننا القيام به في يومنا بدءا بالذكر كالصلاة المفروضة ثم النوافل وعلى رأسها قيام الليل والقران الكريم قراءة وتدبرا وتفكرا وحفظا وتعلما والتفكر والاستغفار والتهليل والتسبيح والاجتهاد في الدعاء بالإضافة لطلب العلم وحضور مجالس الذكر…و مرورا بأعمال البر كالصدقة وصلة الرحم وزيارة المريض ومساعدة المحتاجين والدعوة إلى الله، دون أن ننسى مهماتنا الأسرية كأزواج وزوجات وكأمهات وآباء وعلى رأس هده المهمات تربية الأبناء والحرص على توجيههم وربطهم بالله تعالى ومهماتنا المهنية مع الإتقان فيها والدراسة والتحصيل للطلبة والطالبات، وكل هذا مع التركيز على تصحيح نياتنا وأن تكون ابتغاء وجه الله، مع تحري الصواب وهو ما وافق الشرع في جميع أعمالنا وأقوالنا.

و لنحذر من الإصابة بمرضين خطيرين هما الغفلة المؤدي إلى فقد الإحساس الواعي بالوقت مما يؤدي إلى تبلد الحس، والتسويف وهو تأجيل عمل اليوم للغد البعيد وهو آفة تدمر الوقت وتقتله، لأننا لا نضمن عمرنا، فلكل يوم عمله ولكل وقت واجباته، فليس في حياة المسلم فراغ.

خاتمة:

عمرنا هبة من الله تعالى، وأمانة سوف نحاسب ونسأل عنها، وفرصة للتزود للآخرة وللعمل وللتقرب إلى الله عز وجل والفوز برضاه، لهذا حري بنا أن نسعى ونبذل قصارى جهدنا ألا نضيعه في الغفلة والمعاصي واللهو والكسل، وأن نجد ونجتهد لنلحق بركب الفائزين الذاكرين العابدين الصالحين والمصلحين.

يقول الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله: ” أخي المؤمن أختي المؤمنة، يقول تعالى:”الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا” سورة الملك آية:2، وما بين الحياة والموت مجال زمني لعمل الإنسان، أي للعبادة. فعمرك هو رأس مالك، فينبغي أن تنظم وقتك بين الواجبات والأعمال المختلفة، حتى لا يطغى بعضها على بعض، اذ ليس المهم أن تعمل ما شئت متى شئت، بل المهم أن تعمل العمل المناسب في الوقت المناسب……لكن المؤمن يجب أن تكون في حياته اليومية معالم لتكون قدمه راسخة في زمن العبادة والجهاد لا في زمن العادة واللهو…فليكن وقتك بمثابة ميزانية تنفق منها، فكن بوقتك شحيحا أن تصرفه في الغفلة وتضيعه فيما لا يعني “(8).

فاللهم بارك لنا في أوقاتنا ووفقنا لاستغلالها فيما تحب وترضى وكما تحب وترضى.

المراجع

(1) رواه الإمام البخاري.

(2) سورة الفجر، آية: 1

(3) سورة العصر.

(4) حلية الأولياء.

(5) لطائف المنن في مناقب الشيخ أبي العباس المرسي وشيخه أبي الحسن الشاذلي.

(6) سورة الكهف، آية:.28

(7) رواه الترمذي.

(8) مقتطفات من يوم المؤمن وليلته للأستاذ عبد السلام ياسين.

The post وقتنا هو رأسمالنا appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام http://bit.ly/2Iic9xJ
via IFTTT

No comments:

Post a Comment