Friday, June 14, 2019

عبد الرزاق السنهوري إمام في الفقه وفقيه في القانون.

إمام في الفقه وفقيه في القانون، مصري الأصل لكنه عربي الفكر مغاربي الاهتمام، لفيفه الشاهد على ذلك. ما وضعه من تقنينات دستورية، وقوانين مدنية للكثير من الدول العربية كالعراق ولبيا وسوريا والكويت وغيرها، وكذلك نظرياته التجديدية في الفقه الإسلامي والفقه السياسي للأمة. والتي تعد ثروة وتراكما كانت منطلق بحث وموضع اهتمام ودراسة للكثير من رواد الفكر والإصلاح في عالمنا المغاربي .

 فتح فقيهنا عبد الرزاق السنهوري ( 1895م ـ1971 م ). كباقي مثقفي عصره عين عقله على حالة التردي ثم الانهيار للخلافة العثمانية، والذي واكبه وأعقبه تقدم الدول الاستعمارية لبسط نفوذها وتحقيق سيطرتها على معظم الدول الإسلامية.

وإذا كانت عوامل الضعف المادي، والانهزام النفسي للأمة سببا في انبهار بعض المثقفين بحضارة الغرب إلى درجة الاستلاب والإعجاب. فإن العوامل ذاتها كانت دافعا للفقيه والدكتور عبد الرزاق السنهوري إلى مراجعة الذات، والنظر إلى مكامن القوة في الشريعة الإسلامية، والتي تتطلب نفض غبار التقليد والجمود عنها لتأخذ مكانها ضمن عوامل نهضة وتطور الأمة.

فقد انبرى للدفاع عن حضارة الإسلام ومدنيته، كاشفا تفوقها عن مدنية الغرب وحضارته زاده في ذلك، نظرته في التجديد الفقهي، والإصلاح التشريعي والتي حرص على توافقها مع روح الشريعة، ومسايرتها تطور المجتمع، معتبرا ذلك المدخل الأساسي للإصلاح وانتشال الأمة من كبوتها.

وقد تزعم عبد الرزاق السنهوري بحق لواء التجديد في الفقه والقانون ـ وحق له ذلك ـ فهو ” أبو القانون وابن الشريعة ” كما وصفه بذلك الدكتور. محمود عبده.

إلا أن مقام الأبوة في القانون الذي حازه السنهوري ـ بدون منازع ـ تعاظم حتى حجب عن الباحثين جانبا مهما من شخصيتة وأعماله، فالرجل له نظرية في الفقه السياسي عن الخلافة الإسلامية، وسبل تطويرها، أعد في ذلك رسالة دكتوراه بعد حصوله على الدكتوراه الأولى في القانون، كما أن السنهوري صاحب آراء تستحق البحث في موضوع التجديد الفقهي وإسلامية الدولة والمدنية والقانون، وغيرها من المواضيع ذات الأهمية الكبرى، والتي لا تعدم منفعتها في واقعنا اليوم.

 وتجد الكثير مما كتبه يحمل النفس التجديدي النهضوي المرتبط ارتباطا وثيقا بالشريعة، منكرا في ذلك مظاهر التبعية والتقليد التي عمت بها البلوى في صفوف الكثير من معاصريه، يقول في هذا الصدد “..إن استقاء تشريعاتنا المعاصرة من الشريعة الإسلامية هو المتسق مع تقاليدنا القانونية…لقد اعترف الغريب بفضلها فمالنا ننكره نحن؟ وما لنا نترك كنوز هذه الشريعة مغمورة في بطون الكتب الصفراء، ونتطفل على موائد الغير نتسقط فضلات الطعام ؟

ومما لا شك فيه أن في تراث السنهوري وغيره من أعلام الفكر الإحيائي التجديدي نقاط انطلاق، ومعالم أساسية لمشروع حضاري نهضوي تتواصل فيه الروح الحضارية السارية في ضمير الأمة ومدنيتها وتاريخها وثقافتها، مع روح التطلع والاستشراف لمستقبل تستعيد فيه الأمة مكانتها في إمامة الأمم، وقيادتها. تجسيدا للوعد الرباني: ” كنتم خير أمة أخرجت للناس ” ال عمران 110.

 وبروح التطلع والاستشراف نتناول شخصية السنهوري آملين أن يكون هذا المقال بداية لبسط أفكار وتوجهات علم من الأعلام الذي تضاربت حوله الآراء حتى قيل: إن الرجل بخس بين تجاهل الإسلاميين وتنكر العلمانيين.

وأرى أن أول الخطوات توجب التعريف بالسنهوري وإنتاجاته الفكرية.

 1 ـ التعريف بشخصية عبد الرزاق السنهوري.

 2ـ الإنتاجات الفكرية للدكتور عبد الرزاق السنهوري.

 1: التعريف بشخصية السنهوري.

لا يحتاج العلامة والخبير القانوني والدستوري الدكتور عبد الرزاق السنهوري إلى تعريف أو ترجمة، فما حاجة المرء بتعريف الجبل وهو بارز، لكن جهل أو تجاهل الباحثين في العلوم الشرعية بجهود السنهوري في تجديد الفقه وإحياء الاجتهاد، أو اهتمامه بأسلمة القانون والمدنية، يجعل التعريف به وبجهوده أمرا ضروريا.

ولعل أصدق تعريف للسنهوري ما خطه بيده في مذكراته الشخصية التي دون فيها محطات حياته، ممزوجة بطموحه وآماله.

ولد بالإسكندرية في غشت سنة 1895م، وبها تابع تعليمه الابتدائي والثانوي والجامعي، حصل على شهادة الليسانس سنة 1917م، وعُين بسلك القضاء بعد تخرجه من مدرسة الحقوق، ثم مدرساً للقانون بمدرسة القضاء الشرعي سنة 1920م، سافر إلى فرنسا في بعثة علمية لدراسة القانون، فحصل من جامعة ليون على درجة الدكتوراه مرتين: الأولى في الحقوق عام 1925م عن رسالته “القيود التعاقدية الواردة على حرية العمل في القضاء الإنكليزي“، والثانية في العلوم السياسية عام 1926م عن رسالته “فقه الخلافة وتطورها لتصبح هيئة أمم شرقية“.

عاد إلى مصر، وعُين مدرساً للقانون بكلية الحقوق سنة 1926م، وانتدب للتدريس بالجامعة العراقية ببغداد بدعوة من الحكومة العراقية سنة 1935م فأنشأ بها كلية الحقوق وتولى عمادتها، وأصدر مجلة القضاء، ووضع مشروع القانون المدني العراقي.

ثم عاد إلى مصر وعين عميداً لكلية الحقوق عام 1937م، وفي العام نفسه ترك الجامعة وعُين قاضياً بالمحاكم المختلطة. وفي عام 1939م عُين السنهوري وكيلاً لوزارة العدل، ثم وكيلاً لوزارة المعارف إلى أن استقال منها عام 1942م، فاشتغل بالمحاماة.

عاد إلى بغداد سنة 1943م ثم دمشق لإعداد مشروعي القانونين المدنيين العراقي والسوري، عاد إلى مصر وتولى وزارة المعارف ابتداءً من عام 1945م ثم اختير عضواً بمجمع اللغة العربية عام 1946م، ثم عُين رئيساً لمجلس الدولة عام 1949م، وفي عام 1954م تفرغ للتدريس في معهد الدراسات العربية، ثم دعته الحكومة الليبية بعد استقلالها لبناء منظومتها القانونية فوضع لها قانونها المدني، ونظم لها القضاء، ثم أنجز المقومات القانونية والدستورية للكويت والسودان والإمارات، وتوفي في 21 يوليو عام 1971م

 2 : الإنتاجات الفكرية للدكتور عبد الرزاق السنهوري.

أنجز السنهوري المنظومات القانونية لأغلب الدول العربية، وساهم في بناء المقومات القانونية والدستورية، لكثير منها، مثل: مصر والعراق وسوريا والكويت وليبيا والسودان والإمارات…

الدراسات والأبحاث

من الصعب الادّعاء بأن الآثار الفكرية للدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري باشا قد تم حصرها. فتلك مهمة تحتاج “فرز” أوراق مكتبته.. واستقراء دوريات عصره … وجمع مذكراته القانونية وحيثيات أحكامه عندما تولى القضاء.. وما له من أبحاث في مؤتمرات وما كتبه بغير العربية، بالإضافة إلى الأبحاث والدراسات التي ألفها ونشرها خارج مصر ولم يتم حصرها إلى الآن. فما نورده أهم إنجازاته الفكرية وليست كلها.

  • “الدين والدولة في الإسلام” مجلة المحاماة الشرعية، السنة الأولى، العدد الأول، القاهرة، 1929م.
  • “تطور لائحة المحاكم الشرعية” مجلة المحاماة الشرعية، السنة الأولى، العدد الأول، القاهرة، 1929م.
  • “الشريعة الإسلامية” بحث مقدم للمؤتمر الدولي للقانون المقارن، لاهاي، 1932م.
  • “المسؤولية التقصيرية” بالاشتراك مع حلمي بهجت بدوي، مجلة القانون والاقتصاد، القاهرة، 1932م.
  • “الشرق والإسلام” صحيفة السياسة الأسبوعية، القاهرة، 14 اكتوبر 1932م.
  • وجوب تنقيح القانون المدني المصري، وعلى أي أساس يكون هذا التنقيح، مجلة القانون والاقتصاد، السنة السادسة، العدد الأول، القاهرة، سنة 1933م. ص3-142.
  • نظرية العقد، 1934م.
  • “نبي المسلمين والعرب” مجلة الذكرى العراقية، بغداد، 1936م.
  • “من مجلة الأحكام العدلية إلى القانون المدني العراقي”، بغداد، 1936م
  • “مقارنة المجلة بالقانون المدني العراقي”، بغداد، 1936م.
  • “الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع المصري” نشرت في مجموعة إدوارد لا مبير، 1937م.
  • “الروابط الثقافية والقانونية في البلاد العربية”، القاهرة، 1936م.
  • علم أصول القانون، بغداد، 1936م.
  • “وصية غير المسلم وخضوعها للشريعة الإسلامية” القاهرة، 1942م.
  • الوسيط في شرح القانون المدني، في عشرة أجزاء، 1954م-1970م.
  • مصادر الحق في الفقه الإسلامي مقارنة بالفقه الغربي، في ستة أجزاء، 1954م-1959م.
  • فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية، القاهرة، 1989م.
  • مجموعة مقالات وأبحاث الأستاذ الدكتور عبد الرزاق السنهوري، جمع وتقديم نادية عبد الرزاق السنهوري وتوفيق محمد الشاوي، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، مطبعة جامعة القاهرة، 1992م.
  • عبد الرزاق السنهوري من خلال أوراقه الشخصية، إعداد نادية السنهوري، توفيق الشاوي، (الزهراء للإعلام العربي، القاهرة، الطبعة الأولى، 1988م)
  • له عدة مقالات وأبحاث أخرى نُشرت في مجلة القانون والاقتصاد، ومجلة المحاماة الشرعية، ومجلة مجلس الدولة، وغيرها.

هذه نبذة مقتضبة للتعريف بشخصية السنهوري وقد تأكد من خلالها اهتمام الرجل بموضوع التشريع الفقهي والقانوني، مما تولد معه للرجل نظرة تجديدية إصلاحية جديرة بالبحث والنقد.

The post عبد الرزاق السنهوري إمام في الفقه وفقيه في القانون. appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام http://bit.ly/2WJvtN1
via IFTTT

No comments:

Post a Comment