Sunday, September 29, 2019

حوار الأديان عند الغرب -الأسباب والمقاصد-

بعدما تطرقت من خلال مقال سابق ،  إلى أن دين الإسلام يحث على الحوار ويدعو إليه من خلال النصوص في الكتاب والسنة الدالة على أصالته في دين الإسلام ، وفي كون رسول الله عليه الصلاة والسلام خلق الحوار في دعوته ومسيرته ، فحاور أهل الكتاب من يهود المدينة ونصران نجران ، وكاتب ملوك الأرض وأبرز مثال في ذلك رسالته إلى عظيم الروم.

كما تعرفنا على أن الحوار مع أصحاب الديانات الأخرى من أجل دعوتهم للدين الإسلامي، ومد جسور التعاون بينهم أمر مطلوب شرعا وعقلا.

 سأخصص هذا المقال لبيان موقف غير  المسلمين من حوار الأديان ، حيث يشوبه الاضطراب من الناحية الواقعية ، كما يحمل مدلولا سلبيا في إطارة العام ، هذا إذا استثنينا فئة تكاد تمثل الأقلية في صفوفها ،والتي أبدت حسن نيتها في توظيف الحوار كآلية للتواصل مع المسلمين ، ومع ذلك تبقى نظرة الغرب إلى المسلمين لا من الناحية الدينية أو الحضارية  نظرة استعلاء وإقصاء ، وهذا ما سنحدد معالمه في الأسطر الموالية بحول الله .

يشير الدكتور أحمد بن حسين الفقيهي أن مصطلح “حوار الأديان ” عرف تدرجا من حيث المصطلح ، كما أن الحوارات إنما هي مبادرة من الغرب يقول : ” المصطلح عرف تدرجا ، حيث سمي بالتقارب الإسلامي المسيحي ” ظهر قبل ثلاثة عقود ، ثم لطفت الكلمة فسميت ” الحوار الإسلامي المسيحي” ، ثم وسعت بين يدي اتفاقية أوسلو ” التطبيع مع اليهود ” ، فصارت حوار الأديان وربما حوار الأديان الإبراهيمية ” ثم لم تزل تتسع في ظل الدعوة إلى العولمة لتصبح ” حوار الحضارات ” ، فتشمل الهندوسية ، والبوذية ، وسائر الملل الوثنية “1

كما يذكر الدكتور بأن الحوار بين الأديان الحالي لم تبدأ بمبادرة إسلامية ، ولم ترسم أهدافها وخطتها في بلاد المسلمين، بل جاءت بطلب من الغرب بعد الدراسة العميقة لها عندهم ، وتحديد أهدافها و غاياتها من قبلهم .

” فالحوار الذي يدعو إليه الغرب (غير المسلمين ) إنما هو بضاعة أجنبية ، تدفع بقوة من الدول الغربية، لتروج على نطاق واسع ، تحقيقا لفكرة العولمة ، لذا فلا غرو أن تكون هذه البضاعة ذات مواصفات خاصة ، وضعها منتجها  بغير مراعاة لأي اعتبار آخر ، سوى ما يلبس أمرها ليتستر رواجها ضمن مجموعة من الطرق والقنوات تحت مسمى الحوار “2 .

هذا وقد عبرت الدكتورة زينب عبدالعزيز (أستاذة الحضارة بمصر) عن موقف الغرب المعادي للإسلام والمسلمين باستثناء فئة من المسيحين الذي لم يتغير ، كما أشارت إلى أن النقطة الفارقة في تاريخ المسيحية قد بدأت مع المجمع الفاتيكاني المسكوني الثاني (1965)  ، وهو أول مجمع هجومي في التاريخ.

لقد أصدر المجمع جملة من القرارات يمكن تحديد ماله علاقة بالموضوع على النحو التالي :

– فرض بدعة الحوار كوسيلة للتبشير وكسب الوقت حتى يتم التنصير بلا مقاومة تذكر، بينما تتوالى التنازلات بالتدريج من جانب المسلمين .

– إنشاء لجنة الحوار برئاسة ” الكاردينال آرنزي” ، وهو ما يوضح أهمية الحوار في مفهومهم  أو فيما يخططون له ، فالكاردينال هي الرتبة السابقة لرتبة البابوية .    

– إنشاء لجنة خاصة بتحضير العالم برئاسة الكاردينال ” يوسف طومكو “3 .

وقد تم إصدار وثيقة انطلاقا من أعضاء اللجنتين في 20/06/1990م بعنوان “حوار وبشارة ” حيث تتكون من  تسعة وتمانين بندا وهي مقسمة إلى 13 بندا ، وثلاثة أجزاء بندا ، وخاتمة 3 بنود الجزء الأول فيها بعنوان ” الحوار بين الأديان (56-16) والثاني بعنوان التبشير بشيوع المسيح (55-75) والثالث بعنوان ” الحوار بين الأديان والتبشير (77-85)

فهذه الوثيقة صدرت في ذكرى مرور خمسة وعشرين عاما على صدور وثيقة مجمع الفاثيكان الثاني ،  والمعنونة حاليا ب”حوار علاقات الكنيسة مع الديانات الأخرى ” حيث توضح أهمية الحوار بين الديانات في هذه العلاقة القائمة على ازدواجية رهيبة بين القول والتنفيذ ، فالحوار والتبشير يمثلان وجهين لعملة واحدة في رسالة الكنيسة التبشيرية ،وذلك واضح من خلال البنود التي اطلعت عليها والحديث سيطول إن فصلنا  في ذكرها .

يقول أحد الكتاب الأجانب وهو ” جليان رييس”  : ” الحوار في مفهوم الكنيسة الفاتيكان ليس إلا حربا صليبة جديدة ، حربا بالكليات بدلا من السلاح ، وهو ما كان قد أعلنه بطرس المبجل “رئيس دير كلوني ” في مطلع القرن الثاني عشر إذ قال للمسلمين ” إني لن أبدأ حربا صليبية جديدة بالسلاح وإنما بالكليات أي بالحوار ” 4

فعلى حد قول الرجل ” جليان رييس ” الأمر يوضح لعبة الحوار الحالية التي تدار على الصعيد العالمي ، التي تمثل جزءا  متواصلا من مخطط قديم ، حيث الارتباط الحميم بين الاستعمار والتبشير والحوار، من القضايا التي لم تعد بحاجة إلى مزيد من الأدلة والبراهين .

“إن ظهور الإسلام في القرن السابع كقوة حضارية وروحية وإمبراطورية ، جعل الإسلام يشار إليه في الغرب بأنه العدو الأكبر والعدو اللذوذ، الذي يجب القضاء عليه بكل السبل العسكرية والثقافية ،واستعمال أسلحة السب والتشهير ، ووجدت تلك الألفاظ البذيئة والصفات المقيتة طريقها إلى ما يسمى “بالكتاب التنوير يين ” من أمثال ” جان جاك روسو ” ، و” فولتير ” وغيرهم ، ليكرسوا صورة نمطية سيئة للإسلام والمسلمين وذلك في سياق ما اصطلحوا عليه بالحوار في كتاباتهم”5    .

إن هذا الطرح والحضور هو الذي جعل الغرب في القرون المتأخرة حاضرا وبقوة في خطاب التحديد الإسلامي ، على اعتبار الخطر الذي صار يهدد المسلمين كمفكرين ، والذي انتبهوا إليه من خلال دراساتهم للظاهرة الغربية حيث ” مثلث العلاقة بالضرب في خطاب التحديد الإسلامي محورا مهما ، يكاد الغرب يكون عاملا حاضرا في كل الخطابات الإسلامية ، منذ الغزو الاستعماري للعالم الإسلامي في القرن التاسع عشر ، وكانت الدراسات الإسلامية للظاهرة الغربية لم تتجاوز أغلبها النظرة الحدية التي اتسمت بها ثقافة ثنائية الحكم “6 .

إن الحوار بين الأديان يقتضي البحث عن القواسم المشتركة فيما بينها ، أما أن نقف عند خصوصية هذا الدين دون ذاك ، فهو أمر لن يحقق مدا الجسور بقدر ما سيضيق المساحة التي نسعى نحن المسلمين إلى توسيعها .

سئل الدكتور سيد ” حسين نصر ” وهو بروفسور في قسم  الدراسات الإسلامية في جامعة جورج واشنطن ، كيف يمكن تحديد الأهداف الأساسية للأديان؟ هل من الممكن أن نجد قواسم مشتركة فكان جوابه ” حين نتكلم عن الدين فإننا نتكلم عن عنصر مشترك بين أديان مختلفة ، ولكن بمعاني وتطبيقات مختلفة ، ولكن أيضا تدرس الدين على أساس أنه دينك كما يفعلون في المعاهد اللاهوتية ، وفي هذه الحالة يمكنك أن تكون حصريا ، وتقول ذلك هو الدين الوحيد ،تلك بالطبع هي مشكلة العالم الذي نعيش فيه “7. وفي المقابل يرى الدكتور أن الوظيفة الخصوصية للإسلام والمسلمين ليست نفس نظرة الآخر، فالقرآن الكريم يتكلم باستمرار عن الأديان ، فيدعو المسلمين إلى إبراز أهمية الحوار بين الأديان ، وقبول الكتب والأنبياء ورسل الله سواء كانوا مسيحيين أو يهود أو أتباع أي دين آخر .

 

إن ما توصلت إليه من خلال هذه الدراسة أن المراد من حوار الأديان عند غير المسلمين تحقيق أهداف وخلفيات جمة يمكن تحديدها على النحو التالي:

-الباعث الأول : التصدي للعقيدة الإسلامية حيث لما بدأت شعوب الكنائس الغربية في العصر الحديث تنفتح على الإسلام ، واعتنقت ألوف منهم إياه ،رأوا أن لا جدوى من المواجهة ، فهي أضعف من أن تقف أمام مثانة العقيدة الإسلامية ، فتفتقت عقولهم عن فكرة الحوار والتقريب ليطفئوا روح التشوف لدى شعوبهم  ويقروا في قلوبهم أن الفروق بين الأديان فروقا شكلية ، وكلها تؤدي إلى الله.

-الباعث الثاني :  تحقيق البعد التنصيري في صفوف المسلمين ، حيث تبنى النصارى خيار الحوار ، لم يكن ذلك تحليا منهم عن وظيفتهم الأصلية ، فمجلس الكنائس العالمي رأى أن الحوار وسيلة مفيدة للتنصير لكشف معتقدات وحاجيات الآخر  وهي نقطة البداية الشرعية للتنصير .

-الباعث الثالث :هو الباعث السياسي ، فطغيان المد الشيوعي الملحد على العالم وتهاوي معاقل النصرانية ،   هي محاولة للوقوف أمام المد الشيوعي ، خاصة في الشرق الأوسط ، كما أن الحكومات الغربية تبنت الحوار والتقريب بين الأديان لتتمكن من دمج المهاجرين المسلمين في البلدان الغربية ، واتخاذهم ورقة ضغط على الحكومات الإسلامية ، ومهاجمة مشروع الدول الإسلامية  وتطبيق الشريعة .

هناك أهداف أخرى سطرها الغرب من خلال دعوته إلى الحوار مع المسلمين ، أوردها الدكتور موسى الإبراهيمي في سياق تشخيص الصراع القائم  بين الحق والباطل نذكرها على سبيل الإجمال .

-التهجين : ويقصد به الخلط بين الثقافات ، ليتم قبول أفكار النصرانية ولو مجزأة .

-تليين الدين الإسلامي :  من خلال تقديم تنازلات من أي نوع كانت ،بالنظر إلى صلابته ، وخلخلة عقيدة الولاء للمؤمنين والبراء من غيرهم .

-ترويض الشباب :من خلال جمعهم في مخيمات إسلامية نصرانية مشتركة.

-تكريس الانقسامات بين المسلمين: بمنع قيام وحدة إسلامية ، وذلك عن طريق الحوارات التي تتبناها الكنيسة مع الجماعات الإسلامية والمجامع والمراكز الإسلامية على كل وحدة ” 8

إن ما سبق ذكره من بواعث في تبني الحوار كآلية من طرف الغرب للإطاحة بالمسلمين والإسلام ، لا ينفي وجود فئة منهم ، و إن كانت تمثل أقلية تسعى إلى التواصل والتحاور ،وهي تعكس النوايا الحسنة التي تدعو المسلمين إلى فتح الباب لهم في الإطار المسموح به ، وفي هذا الباب يقول الدكتور سعيد بن سعيد ” ما يشجع على التحاور مع الغرب تلك الأصوات العاقلة الغربية  التي تتسم بالحياد ، فإن قليلين هم أولئك الذين يأخذون مأخذ الجد في شن حروب صليبية تستهدف المسلمين والإسلام ” 9 .

وهو نفس الكلام الذي تزكيه الدكتورة زينب عبدالعزيز في سياق حديثها عن موقف الغرب من الإسلام ” موقف الغرب من الإسلام واحد لم يتغير ، وتعامله مع القرآن سواء من خلال الرؤية التاريخية أو الرؤية المعاصرة ، يتبع منهجية عدائية الموقف ، وإن تنوعت الأساليب وفقا للعصور ، ومن جهة أخرى ليس كل المسيحيين معادون للقرآن أو للإسلام والمسلمين ” 10 .

 

1-حوار الأديان: د. أحمد بن حسين الفقيهي ، ص12 ،خطبة الجمعة 16/04/1429

2-الحوار مع غير المسلمين: د. سعد بن مطر العتيبي ،ص17 ، المعهد العالي للقضاء ، جامعة محمد بن سعود الإسلامية .

3-موقف الغرب من الإسلام :–مقال- دة . زينب عبدالعزيز، 23يونيو 2015 (مؤمنون بلا حدود) .

4 -Julien Réis :Les chretiens parmi les réligions « Desclée » , Paris p :3  .

5- الحوار مع الاخر : د. أحمد صدقي الدحاني (ت2003) 16/17/12/ 2002 ،ص4، الناشر : دار الكتاب العربي دمشق القاهرة.

6-الظاهرة الغربية : د . سيد حسين نصر ،ص13، العدد 05- 2005  ، كتب الأمة .

7- مجلة أديان: د. سيد حسين نصر ،ص13، العدد 05-2005  ، كتب الأمة .

8-حوار الحضارات وطبيعة الصراع بين الحق والباطل : د. موسى الإبراهيمي، ص 292، الناشر: دار الأعلام للنشر والتوزيع ،  سنة النشر:2003 .

9- مسارات تشكل الدولة بين الغرب والإسلام : د . سعيد بن سعيد 2015 م.

10- موقف الغرب من الإسلام : دة . زينب عبدالعزيز ،  ص18 ، الناشر : دار الكتاب العربي ، دمشق – القاهرة، الطبعة 3.

The post حوار الأديان عند الغرب -الأسباب والمقاصد- appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2m6AxtZ
via IFTTT

No comments:

Post a Comment