Friday, September 20, 2019

بناء الكنائس

إن النظر في هذه المسائل التي تعالج حكم الأجنبي الذي صارت لنا السلطة عليه في بلاد الإسلام، إما على وجه الصلح أو العنوة، إذ هو ذمي في كلتا الحالتين، وهذا الأمر يمكن أن يعالج ضمن ما يصطلح عليه اليوم بالقانون الدولي حيث تتفرد أحكامه بوظيفة معينة فيما يتعلق بأمور الأجانب داخل بلاد الإسلام.

وإذا نظرنا إلى بيوت العبادة لغير المسلمين وجدنا أن الأمر يرتبط بالعنصر البشري، وما سيترتب عليه من حكم  بإبقاء تلك البيوت أو هدمها فهو في كلتا الحالتين مرتبط بأهل الذمة، قال سحنون رحمه الله في هذا الصدد قال سألت ابن القاسم:”هل لأهل الذمة أن يتخذوا الكنائس في بلاد الإسلام؟ فقال: لا، إلا أن يكون لهم أمر أعطوه”، كما ورد قول الإمام مالك رحمه الله تعالى في التهذيب ” وليس لأهل الذمة أن يحدثوا في بلد الإسلام كنائس إلا أن يكون لهم أمر أعطوه”.

فكلام صاحب التهذيب إنما هو في إحداث الكنائس لا في هدم ما وجد منها مبنيا منذ زمن طويل.

وقد أورد الإمام القرافي(ت684هـ) –رحمه الله تعالى- في الفرق الثامن عشر والمائة بين قاعدة ما يوجب نقض الجزية وبين قاعدة ما لا يوجب نقضها ما نصه “اعلم أن عقد الجزية موجب لعصمة الدماء وصيانة الأموال والأعراض إلى غير ذلك مما يترتب عليه وحقيقة عقد الجزية هو التزامنا لهم ذلك بشروط نشترطها عليهم مضت سنة الخلفاء الراشدين بها وهي أيضا مستفادة من قوله تعالى ﴿ ، وقال ابن حزم في مراتب الإجماع “الشروط المشترطة عليهم أن يعطوا أربعة مثاقيل ذهبا في انقضاء كل عام قمري صرف كل دينار اثنا عشر درهما وأن لا يحدثوا كنيسة ولا بيعة ولا ديرا ولا صومعة ولا يجددوا ما خرب منها ولا يمنعوا المسلمين من النزول في كنائسهم وبيعهم ليلا ونهارا ويوسعوا أبوابها للنازلين ويضيفوا من مر بهم من المسلمين ثلاثة وأن لا يأووا جاسوسا ولا يكتموا غشا للمسلمين“.

فدل نص الفروق على أنه لا ينبغي إحداث الكنائس ولا تجديد ما خرب منها، وجعل ذلك شرط أداء الجزية وإتيانه بالآية في هذا المحل يفيد لحوق الصغار والذلة بأهل الذمة، ولا يتم ذلك بعد أداء الجزية بأكبر من منعهم من إحداث دور عباداتهم.

ونقلا عن ابن القيم(ت571هـ) -رحمه الله تعالى-تفصيلا في هذه المسألة، قال فأصحاب  مالك في الجواهر “إن كانوا في بلدة بناها المسلمون فلا يمكنون من بناء كنيسة، وكذلك لو ملكنا رقبة بلدة من بلادهم قهرا، وليس للإمام أن يقر فيها كنيسة بل يجب نقض كنائسهم بها.

أما إذا فتحت صلحا على أن يسكنوها بخراج ورقبة الأبنية للمسلمين وشرطوا إبقاء كنيسةجاز.

وأما إن افتتحت على أن تكون رقبة البلد لهم وعليهم خراج ولا تنقض كنائسهم، فذلك لهم ثم يمنعون من رمها، قال ابن الماجشون ويمنعون من رم كنائسهم القديمة إذا رثت إلا أن يكون ذلك شرطا في عقدهم، فيوفى لهم ويمنعون من الزيادة الظاهرة والباطنة.

ونقل الشيخ أبو عمر أنهم لا يمنعون من إصلاح ما وهى منها، وإنما منعوا من إصلاح كنيسة فيما بين المسلمين، لقوله صلى الله عليه وسلم “لا يرفع فيكم يهودية ولا نصرانية”

فلو صولحوا على أن يتخذوا الكنائس إن شاءوا، فقال ابن الماجشونلا يجوز هذا الشرط. ويمنعون منها إلا في بلدهم الذي لا يسكنه المسلمون معهم فلهم ذلك وإن لم يشترطوه، قال: وهذا في أهل الصلح، فأما أهل العنوة فلا يترك لهم عند ضرب الجزية عليهم كنيسة إلا هدمت ثم لا يمكنون من إحداث كنيسة بعد، وإن كانوا معتزلين عن بلاد الإسلام.

The post بناء الكنائس appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام https://ift.tt/2QlAfhe
via IFTTT

No comments:

Post a Comment