Wednesday, May 8, 2019

الزكاة هل تجب في عين النصاب أو ذمة مالكه؟

بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة قواعد فقهية في المعاملات المالية؛

6/ تحليل قاعدة؛ “الزكاة هل تجب في عين النصاب أو ذمة مالكه؟”.

       الزكاة ركن من أركان الإسلام، وهي عبادة مالية، شُـرعت لتحقق أهدافا ومقاصد جليلة، لذلك اعتنى الفقهاء بأحكامها وتفاصيلها، مراعاة لمصلحة المزكي والمستحقين لها.

       ومما يسأل عنه الناس؛ “الزكاة هل تجب في عين النصاب أو ذمة مالكه؟”، فاحتاج الأمر إلى بيان، ورصد للخلافات الفقهية، مع توجيه يبسط للناس وجــه المسألة. وقد اختلف العلماء هل هذه قاعدة أو ضابط، لأنها تعالج جزئية من جزئيات الزكاة، والراجح أنها قاعدة، لأنها تُـجيب عن كثير من الأسئلة في أبواب الزكاة. لذا سأحــلل هذه القاعدة حسب المنهج الآتي:

1- مضمون القاعدة:

2- فــوائد هذه القاعدة:

3- رصـد الاختلافات الفقهـية:

4- تطبيقات هذه القاعدة:

5- مستثنيات القاعدة:

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- مضمون هذه القاعدة:

أ- شرح المصطلحات:

* تعريف الزكاة:

 لغة: الطهارة والنماء والبركة والزيادة والصلاح[1].

واصطلاحا: هي مقدار من المال فرضه الله تعالى في أموال الأغنياء للمستحقين لها من الفقراء وغيرهم، والزكاة ركن من أركان الإسلام، وقد قارنها الله تعالى بالصلاة في كثير من الآيات[2].

* تعريف النصاب:

       نـصاب الزكاة: هو الحدّ الأدنى من المال الذي تجب فيه الزكاة، ويختلف بحسب نوع المال الذي تؤخذ منه الزكاة. وهو أحد شروط وجوب الزكـاة، يقول الدكتور القرضاوي: (لم يفرض الإسلام زكاة في أي قدر من المال النامي، وإن كان ضئـيلا، بل اشترط أن يبلغ المال مقدارا محدّدا يسمى؛ “النصــاب”،)[3]

*  تعريف الذمة:

 لغة : العهد والكفالة، الأمان، والحـق. وتُـطلق الذمة عند علماء اللغة على معاني عدة منها: العهد، الحرمة، الضمان والكفالة، كما يطلقونها على الحق ذاته، رغم أنها بمحلّ الحق وليست الحق ذاته .

       والذمة في الفقه الإسلامي هي وصف شرعي يصير به الإنسان أهلاً للإلزام والالتزام، لكن أُشكل تعريفها على كثيرٍ من الفقهاء، خاصةً المتقدمين منهم؛ وذلك لالتباسها مع ما يُسميه الفقهاء والأصوليون بأهلية الوجوب، أو أهلية المعاملة، قال الإمام القرافي: (أعلم أن الذمة أُشكلت معرفتها على كثيرٍ من الفقهاء ، وجماعة يعتقدون أنها أهلية المعاملة .. ). وقال في تعريف الذمة: (العبارة الكاشفة عن الذمة أنها معنى شرعي مقدَّر في المكلف قابل للالتزام واللزوم)[4]

      والذمة لها شرطان أساسان؛ البلوغ والرشد. قال الإمام القرافي في بيان شروط الذمة: (وهذا المعنى جعله الشرع مسببًا على أشياء خاصة منها البلوغ ومنها الرشد ، فمَن بلغ سفيهًا لا ذمة له …)[5].

ب- شرح القاعدة:

      من شروط الزكاة ملك النصاب، وهو الحد الشرعي الذي إذا بلغه المال وجبت فيه الزكاة، ولكل نوع من الأموال نصاب، وتجب الزكاة في عين النصاب، أي؛ أنه حق يتعلق بالمال يسقط بهلاكه، فتعلق بعينه كحق المضارب.

      وتجب في الذمة والعين مرتهنة بها، ووجهه أنها لو كانت واجبة في العين لم يجز أن يعطى حق الفقراء من غيرها ، كحق المضارب والشريك.

      فمن قال: إنها تجب في العين وعنده نصاب وجبت فيه الزكاة، فلم يؤد حتى حال عليه حول آخر لم يجب في الحول الثاني زكاة، لأن الفقراء ملكوا من النصاب قدر الفرض، فلم يجب في الحول الثاني زكاة، لأن الباقي دون النصاب.

     ومن قال: تجب في الذمة وجبت في الحول الثاني وفي كل حول، لأن النصاب باق على ملكه. 

2- فــوائد هذه القاعدة:

      هذه القاعدة لها وجاهتها لأنها تراعي نية المكلف، وتخدم مقاصد الزكاة، ومن فوائدها أيضا؛ أنها تضبط لنا زكاة الأموال عند الاعتبارات الآتية:

– مراعاة حق المساكين.

– ضبط الزكاة في حالة الرهن.

– معرفة النصاب إذا كان غائباً عن مالكه.

– منع التحايل في الزكاة.

– ضبط النصاب في بعض الحالات الخاصة.

3- رصـد الخلافات الفقهـية:

أ- اختلف الفقهاء في الزكاة، هل تجب في العين، أم في الذمة؟ إلى أربعة أقوال[6]:
الأول: إن الزكاة تجب في العين،

الثاني: إن الزكاة تجب في الذمة،

الثالث: إنها تجب في الذمة، وتتعلق بالنصاب،

والرابع: إن في المسألة روايتين: تجب في العين، وتجب في الذمة، والرواية الأولى هي الأرجح. قال البهوتي: “وتجب الزكاة في عين المال، ولها تعلق بالذمة.[7].

ب- اختلف الفقهاء؛ هل تقدم الزكاة على الرهن، أم لا؟

        قيل: تقدم الزكاة على الرهن لأن النصاب سبب دين الزكاة فيقدم دينها عند مزاحمة غيره من الديون في النصاب، كما يقدم من وجد عين ماله عند رجل أفلس، وتقدم الزكاة على هذا التعليل سواء تعلقت الزكاة بالذمة أو بالعين.

      وقيل أيضا: لا تقدم على حق المرتهن لتعلقه بالعين.

      وثمرة الخلاف هي: هل الأصل هو الذمة أو المال؟، والجواب:

الأصل في إيجاب الزكاة المال وعلى هذا يكون النظر إلى المال أكثر من النظر إلى الذمة، ولو قلنا العكس؛ تجب في الذمة ولها تعلق بالمال لكان النظر إلى الذمة أكثر من النظر إلى المال.

4- تطبيقات هذه القاعدة:

     يترتب على الاختلاف في محل تعلق الزكاة بالعين أو بالذمة فوائد كثيرة، منها:
1- إذا ملك نصاباً واحداً، ولم يــؤدِّ زكاته أحوالاً، وكانت زكاته من جنسه:

        فإن كانت الزكاة في العين وجبت زكاة الحول الأول دون ما بعده، نص عليه الإمام أحمد واختاره أكثر أصحابه؛ لأن قدر الزكاة زال الملك فيه على قول أو ضعف الملك فيه لاستحقاق تملكه، والمستحق في حكم المؤدى، فنقص النصاب في الحول الثاني ولا زكاة فيه، وإن كانت الزكاة في الذمة وجبت لكل حول.

      أما إذا كانت زكاته من غير جنسه كالإبل المزكاة بالغنم فتتكرر زكاته لكل حول قولاً واحداً، لأن الملك لا يزال تاماً في النصاب.
3 – لو كان النصاب غائباً عن مالكه، ولا يقدر على إخراج الزكاة منه، لم يلزمه إخراج زكاته حتى يتمكن من الأداء منه؛ لأن الزكاة مواساة، فلا يلزم أداؤها قبل التمكن من الانتفاع بالمال المواسى منه. ومثله من وجبت عليه زكاة ماله فأقرضه، فلا يلزمه أداء زكاته حتى يقبضه؛ لأن عوده مرجو، بخلاف ما تلف بعد الحول.

ولا تجب الزكاة عن الغائب إذا تلف قبل قبضه.

4- إذا تلف النصاب أو بعضه بعد تمام الحول، وقبل التمكن من أداه الزكاة، فالمذهب المشهور أن الزكاة لا تسقط بذلك، وعن الإمام أحمد رواية أخرى بالسقوط.

       إلا زكاة الزروع والثمار إذا تلفت بجائحة قبل القطع فتسقط زكاتها اتفاقاً لانتفاء التمكن من الانتفاع بها، ولأنه ليس في الزروع والثمار حول.

5 – التصرف في النصاب أو بعضه بعد الحول ييع أو غيره، والمذهب صحنه، سواء قلنا: إن الزكاة في العين أو في الذمة، وقيل: إن تعلقت الزكاة بالعين لم يصح التصرف في مقدار الزكاة، وعلى المذهب إن باع النصاب كله، تعلقت الزكاة بذمته حينئذ بغير خلاف، كما لو تلف. وإن عجز عن أدائها؛ ففيه قولان:

– الأول: تتعين في ذمته كسائر الديون بكل حال،

– الثاني: لا يفسخ البيع إن تعلقت الزكاة بالذمة، كما لو وجب عليه دين لآدمي وهو موسر، فباع متاعه ثم أعسر، ويفسخ البيع في قدرها إن تعلقت الزكاة بالعين، تقديماً لحق المساكين.
6- إذا مات من عليه زكاة دين، وضاقت الزكاة عنهما، فالمنصوص عن أحمد أنهما يتحاصان، إما لتعلق التركة في الذمة أو العين سواه، وإما لتعلق الزكاة بالذمة، فقط لاستوائهما في محل التعلق، وفي قول تتعلق بالنصاب فقط وتقدم الزكاة لتعلقها بالعين، كدين الرهن.

7 – إذا كان النصاب مرهوناً ووجبت فيه الزكاة، فهل تؤدى زكاته منه؟ فيه حالتان:

الحالة الأولى: ألا يكون له مال غيره يؤدي منه الزكاة، فيؤدي من عين النصاب المرهون؛ لأن الزكاة ينحصر تعلقها بالعين، أما دين الرهن فيتعلق بالذمة والعين، فيقدم عند التزاحم ما اختص تعلقه بالعين.

الحالة الثانية: أن يكون له مال يؤدي منه زكاته غير الرهن، فليس له أداء الزكاة منه بدون إذن المرتهن على المذهب؛ لأن تعلق حق المرتهن مانع من تصرف الراهن في الرهن بدون إذنه، والزكاة لا يتعين إخراجها منه، وإن كانت الزكاة تتعلق بالعين، فله إخراجها من الرهن؛ لأنه تعلق قهري وينحصر بالعين.


[1]– يُـنظر: ابن منظور، لسـان العرب، مادة (زكـا) ج: 14 / ص:358-359.

 والفـيروز آبادي، القاموس المحيط ، مادة (زك و) ضبط وتوثيق: يوسف الشيخ  محمد البقاعي. الصفحة: 1163.

[2]-يُـنظر: محمود عبد الرحمان عبد المنعم، معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية،ج:2 / ص:204-205.

[3] – يوسف القرضاوي، ّفقه الزكاة”، (مؤسسة الرسالة، الطبعة السابعة، 1422هـ). ج: 1 / ص: 183.

[4]– الإمـام القرافي، الفروق، ج: 3 / ص:226. ( طبعة عالم الكتب بيروت ).

[5]– الإمـام القرافي، الفروق، ج: 3 / ص:226.

[6] – يُـنظر: القواعد لابن رجب الحنبلي، فصل: فوائد تلحق بالقواعد، المسألة الثانية؛

     “الزكاة هل تجب في عين النصاب أو ذمة مالكه؟”. (دار الكتب العلمية).

[7] – منصور بن يونس البهوتى، الروض المربع شرح زاد المستقـنع، الصفحة: 157. (مؤسسة الرسالة).

The post الزكاة هل تجب في عين النصاب أو ذمة مالكه؟ appeared first on منار الإسلام.



from منار الإسلام http://bit.ly/2Wyp6rR
via IFTTT

No comments:

Post a Comment